بوابة الفجر

د.حماد عبدالله يكتب: دور النقابات المهنية العمالية فى المجتمع

دكتور حماد عبدالله
دكتور حماد عبدالله

 

تساهم المنظمات النقابية للأُجراء، والغرف المهنية، والمنظمات المهنية للمشغلين، في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها، وفي النهوض بها، ويتم تأسيسها وممارسة أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون.

ويجب أن تكون هياكل هذه المنظمات وتسييرها مطابقة للمبادئ الديمقراطية، وتعمل السلطات العمومية على تشجيع المفاوضة الجماعية، وعلى إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية، وفق الشروط التي ينص عليها القانون، ويحدد القانون، بصفة خاصة، القواعد المتعلقة بتأسيس المنظمات النقابية وأنشطتها، وكذا معايير تخويلها الدعم المالي للدولة، وكيفيات مراقبة تمويلها، وهو ما يؤكد سعى المجتمع الدولى الدءوب إلى الرقى الاجتماعي، والمعنى يتسع هنا إلى جميع أشكال التنظيمات الاجتماعية شريطة فى ذلك الرقى أن يكون مستوى الحياة الاجتماعية المتمثلة فى هذه التنظيمات تحت مظلة الحرية المطلقة، والتى عبر عنها بصيغة التفضيل أفعل (أفسح).

ولما كانت القاعدة اللغوية تؤكد أن "إعمال الكلام خير من إهماله"، فإن معنى وجود كلمة أفسح بهذا الإطلاق اللغوى أن تتمتع التنظيمات الاجتماعية فى جميع جوانبها ومختلف أنشطتها بالحرية غير المشروطة، وغير المقيدة إلا بما يتفق مع الصالح العام للجماعة، وهو ما تسعى إليه هذه التنظيمات، فقد مر العام وما زال قانون الحريات النقابية حبيس الأدراج، فعلى الرغم من مشاركة جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحاكم الحرية والعدالة فى الشهور الأولى التى أعقبت قيام ثورة الشباب عام 2011 فى مناقشة قانون الحريات النقابية، وإعلانهم الدائم وقتها أنهم مع حقوق العمال فى إنشاء نقاباتهم المستقلة بحرية تامة، إلا أنه وبالتدريج بدأ التراجع عن هذه الوعود بمجرد أن بدأت تدوم لهم السيطرة على مقاليد الأمور، فعلى الرغم من فوزهم بالأكثرية فى البرلمان المنحل أوائل عام 2012، إلا أن قانون الحريات النقابية الذى تمت عرقلته فى أدراج المجلس العسكرى لشهور طويلة، عاد ليتم عرقلته مرة أخرى فى دهاليز مجلس الشعب ذي الأكثرية الإخوانية ليكشف عداء الإخوان المسلمين للحريات النقابية وحق العمال فى إنشاء نقاباتهم، وهو الأمر الذى مارسه العمال بشكل عملى فى إنشاء نقاباتهم المستقلة، بل واستمرت عرقلة القانون حتى بعد فوز الرئيس الإخوانى محمد مرسى برئاسة الجمهورية وهو الذى كان بيده إصداره بمرسوم بقانون لكنه لم يفعل.
وتستمر عمليات المراوغة فى إصدار القانون لمدة عام كامل حتى تقوم لجنة المعايير بمنظمة العمل الدولية بإدراج اسم مصر على قائمة الحالات الفردية (المعروفة إعلاميا بالقائمة السوداء)، وذلك فى إطار أعمال مؤتمر العمل الدولي رقم 102، لتكون مصر بذلك ضمن أسوأ خمسة وعشرين دول شملتها القائمة لا تحترم اتفاقاتها الدولية التى وقعت عليها، خاصة الاتفاقيتين أرقام 87 و98 الخاصتين بالحريات النقابية وحق العمال فى تنظيم أنفسهم بحرية فى نقابات مستقلة وديمقراطية.
وبعد 30 / 6 تأتي حكومة الببلاوى لتنشغل وزارة القوى العاملة فى أول مهام بحوار مجتمعى شاركت فيه كل الأطراف لينتج مشروعا جديدا آخر لقانون الحريات النقابية ليلاقى المشروع الجديد مصير المشاريع السابقة من الإهمال فى أدراج مجلس الوزراء.
ظل الدستور الجديد الذي تنصّ المادة 52 منه على ما يأتي: "حرية إنشاء النقابات والاتحادات والتعاونيات مكفولة"، لكن القانون الوحيد المطبَّق في هذا الإطار هو القانون الرقم 35 الصادر في العام 1976، والذي يمنح الاتحاد العام لنقابات عمال مصر احتكارا في مجال التنظيم النقابي، وتجيز المادّة نفسها أيضا حلّ النقابات ومجالس إدارتها بحكم قضائي، ويبدو أن المادّتَين 63 و70 من الدستور المصري الجديد تجيزان بعض أشكال السُخرة وعمل الأطفال، التي من شأنها أن تشكّل انتهاكا لاتفاقيات منظمة العمل الدولية التي وقّعتها مصر (الرقم 29 و105 و138 و182).
تأسّست نحو 1000 نقابة جديدة مستقلّة عن الاتحاد منذ اندلاع الانتفاضة ضد نظام الرئيس السابق حسني مبارك في 25 يناير 2011، وقد انضم عددٌ كبير منها إلى واحد من الاتحادَين النقابيين الجديدين: الاتحاد المصري للنقابات المستقلة ومؤتمر عمال مصر الديمقراطي.
يشار إلى أن هذين الاتحادين وعددا كبيرا من النقابات التابعة لهما تعاني من الضعف في الموارد والقدرات التنظيمية، ومن أبرز الأسباب أنه ليست لدى مصر أي تجربة مع النقابات الديمقراطية بين مطلع خمسينيات القرن العشرين والعام 2011، بيد أن وجود الاتحادَين والنضالات البارزة التي يخوضها عدد كبير من النقابات التابعة لهما - مخمِّنو الضرائب العقارية البلدية، عمّال المترو والباصات في القاهرة، المعلّمون، عمّال الحديد والفولاذ والسيراميك، عمّال مرفأ العين السخنة - وضعا المطالب المرفوعة من أجل قيام نقابات ديمقراطية، ومنح العمّال حرّية التجمّع والحق في التفاوض بصورة جماعية، على جدول الأعمال السياسي.
وقد دعمت منظمة العمل الدولية واتحاد النقابات العالمي، هذه الأهداف، لكن مصر تضرب عرض الحائط باستمرار باتفاقيات منظمة العمل الدولية التي صدّقت عليها قبل وقت طويل، والتي تتضمّن تأكيدا لهذه المبادئ، ومع التقدير الكامل لرغبة أى حكومة فى تشجيع الحركة النقابية بتوقيها من النقائص الناتجة عن التعدد غير الضرورى وتنافس النقابات الصغيرة، والتى قد يهدر استقلالها نتيجة لضعفها، فإن اللجنة توجه الانتباه إلى أن الأفضل فى مثل هذه الحالات للحكومة أن تشجع النقابات على أن تتحد طواعية لتكوين هيئات قوية دون الالتجاء إلى فرض هذه الوحدة جبريا بالتشريع، الأمر الذى يحرم العمال من حرية ممارسة حقهم فى التنظيم، وتخالف بذلك مبادئ اتفاقيات الحرية النقابية، فعندما تقرر إحدى الحكومات أنها غير مستعدة للتسامح مع حركة نقابية تمزقها النزعات، وأنها تعتزم فرض الوحدة على الحركة كلها، فإن اللجنة توجه الانتباه إلى المادة (2) من الاتفاقية (87)، فإن هذا النص لم يقصد به - بأى طريقة - تأييد فكرة الوحدة النقابية أو التعدد النقابى، وبعبارة أخرى، فإن الاتفاقية، وإن لم ترد فيما يبدو أن تجعل التعدد النقابى التزاما فإنها - على الأقل - تتطلب أن يكون مثل هذا التعدد ممكنا فى جميع الحالات، وبالتالى فإن مسلك أى حكومة يتضمن فرض تنظيم نقابى واحد يعد مناقضا للمادة (3) من الاتفاقية (87).
إن أى وضع يحرم فيه فرد ما من إمكانية الاختيار ما بين النقابات المختلفة بحكم أن التشريع لا يسمح بغير وجود منظمة واحدة فى مجال عمله، لا يعد متفقا مع مبادئ الاتفاقية (87) وفى الواقع، فإن مثل هذا النص الذى يوجد بحكم التشريع احتكارا يجب أن يميز عن بنود "الضمان النقابى" من ناحية والحالات التى تشكل فيها النقابات طواعية اتحادا واحدا من ناحية أخرى.
النقابات المهنية والنقابات العمالية والنقابات المستقلة
كثر الحديث في الوقت الحالي عن تأسيس النقابات والحريات النقابية، خاصة تصريحات وزير القوى العاملة، وبالتالي كثرت التساؤلات حول وضع النقابة ومقارنتها بنقابات جديدة أخرى، من هنا وجب علينا توضيح بعض المفاهيم عن الأوضاع النقابية والعمل النقابي في مصر حتى تضح هذه الأمور للجميع بشكل مختصر وبسيط.
أنواع النقابات في مصر (طبقا للقوانين والدستور الحاليين)
1 -نقابات مهنية: وهى نقابات يتم تأسيسها عن طريق تشريع قانون خاص بها يصدر من خلال مجلس الشعب أو بإصدار قانون من رئيس الجمهورية مباشرة بذلك، وهذا النوع من النقابات ينوب عن الدولة في تنظيم مهنة محددة وتحديد شروط ممارستها وما إلى ذلك من أمور تتعلق بمهنة محددة، بالإضافة للقيام بحماية حقوق أعضاء النقابة وتقديم الخدمات لهم، وهذا النوع من النقابات مثل نقابة الأطباء والمهندسين والمحامين وغيرها وآخر نقابة مهنية تمت الموافقة على تأسيسها كانت عام 1994، ومن وقتها لم تؤسس أي نقابة مهنية جديدة.
2- نقابات عمالية: وهى نقابات يتم تأسيسها من خلال تصريح من وزارة القوى العاملة وتكون تابعة لما يسمى "اتحاد النقابات العمالية"، وفي الآونة الأخيرة ظهرت دعوات لتأسيس ما يسمى "النقابات المستقلة" والتي نشأت بشكل أساسي للاستقلال عن سلطة اتحاد نقابات العمال الحالي وحتى تتوافق مع مواثيق منظمة العمل الدولية.
وهذا النوع من النقابات يهتم في الأساس بحقوق أعضاء النقابة العمالية في مواجهة أصحاب العمل، وعضويتها تبنى في الأساس على وحدة العمل (مثلًا العاملين بمصنع أو شركة واحدة وإن كان هذا ليس شرطا أساسيا) وليس وحدة المهنة أو المؤهل العلمي، وهذا بخلاف النقابات المهنية، لذا فهذا النوع من النقابات لا يملك الصلاحيات والسلطات القانونية الكافية لتنظيم شئون مهنة محددة.
ومؤخرا أقر وزير القوى العاملة حرية تأسيس النقابات العمالية وأصبح تأسيس هذه النقابات بمجرد الإخطار، ومن هنا ظهرت أخبار كثيرة عن تأسيس العديد من النقابات الجديدة، وكل هذه النقابات تأتي تحت تصنيف النقابات العمالية، أما النقابات المهنية فتأسيسها يتم من خلال إصدار تشريع لقانون من خلال مجلس النواب أو طبقا للدستور الحالي
[email protected]