بوابة الفجر

طارق الشناوي يكتب: بطل الشاشة.. (كومبارس) الحياة!

طارق الشناوي
طارق الشناوي

الفن أم الحياة؟.. هل يتفرغ المبدع طوال حياته لخلق عالمه الخيالي وتصديره للناس وفى أثناء ذلك ينسى نفسه وعالمه الواقعي؟، هل يتحطم الخط الفاصل بين العالمين، ولا يُدرك بعد أن يُغادر مثلا موقع التصوير أنه لا يزال محتفظًا بالشخصية الدرامية خارج جدران الاستديو؟.


 

كان النجم الراحل أحمد زكى يصف نفسه قائلا «أنا بعيدا عن الكاميرا مجرد شخبطة على الحيط»، حتى إنه عانى بعد تصوير فيلمه «زوجة رجل مهم» من آلام مبرحة في المعدة، وكان تشخيص الطبيب أنها معاناة بطل الفيلم ضابط الشرطة الذى أحالوه للتقاعد بسبب سوء استغلاله لوظيفته، أصيب أحمد بنوع من التماهي والتوحد مع العالم الافتراضي، إلا أنه بالتأكيد لا يمكن أن يُصبح هو القاعدة التي يعيشها كل المبدعين.


 

الإنجاز الفني في كل المجالات مع الزمن يتحول إلى حياة بعد الحياة، تختلف توجهات النجوم، مثلا ميريل ستريب التي رصع تاريخها بثلاث جوائز «أوسكار» و18 ترشيحًا، كما أنها ترشحت للجولدن جلوب 25 مرة حصلت منها على 8، أرقام قياسية وغير مسبوقة، ورغم ذلك تابعوا ماذا قالت عندما سألوها قبل بضعة أعوام ما الذى تتمنى أن يكتب عنها بعد عمر طويل، أجابت لا أحب أن أرتبط بمجال عملي- تقصد طبعا أفلامها وجوائزها- ولكن شخصيتي أكثر الأشياء التي تتحدث عنى، ولهذا فأنا أريد تسجيل نفسى في ذاكرة الناس كـامرأة، وأحب أن يكتب على قبري هذه الفنانة مثلت أدوارًا متعددة كانت بالنسبة لحياتها أدوارًا ثانوية!!.


 

ميريل لا تريد بالطبع أن ينسى الناس أفلامها مثل «كرامر ضد كرامر» أو «المرأة الحديدية» أو «ماما ميا» أو «عشيقة الملازم الفرنسي» وغيرها، تريدهم أن يعتبروا كل ما حققته أمام الكاميرا جزءا مكملا للصورة، رتوشا على اللوحة، أما اللوحة التي تعتز بها فإنها الإنسان، تعيش تلك الحياة بكل تفاصيلها، كأم وزوجة ومشاركة في الوقائع السياسية والاجتماعية، المعنى المضمر أن البعض يستغرقه الفن عن معايشة الواقع، وينسى أنه إنسان عليه واجبات أخرى، الفن ليس كل شيء في الوجود، بالطبع الناس لا يعنيها في نهاية الأمر، هذا الفنان ما الذى فعله في حياته، هل تزوج؟، هل أنجب؟، هل اهتم بتربية أبنائه، ما يعيش في الذاكرة هو بالتحديد ما قدمه من إبداع، أغنية، فيلم، مسرحية، لوحة تشكيلية.


 

الفنان في مقياس الناس هو فقط مشروع لإنجاز نغمة أو لوحة إلا أنه في مرآة نفسه عليه مسؤولية اجتماعية وسياسية، وهكذا مثلًا نرى الفنانين الكبار في العالم يشاركون في قضايا الوطن، بل قضايا العالم كله، ألم يذهب مثلًا جورج كلوني إلى الكثير من المواقع الساخنة في العالم، وأغلب النجوم العالميين تجد لديهم إطلالة على العالم كله، يمارسون فيها العطاء، بمعناه الأوسع، مثل أنجلينا جولي وبراد بيت وتوم كروز ونيكول كيدمان ومادونا وغيرهم، بينما نجومنا يغيب عنهم غالبا هذا الدور، كان عبد الوهاب يردد مقولة (فنى ثم فنى ثم فنى) وبعدها تأتى العائلة والحياة الاجتماعية، بينما نجد أن فريد وعبد الحليم لم يتزوجا ليظل كلاهما- لسنوات أطول- فتى أحلام البنات، وعندما فكرا في تدارك الأمر كان قد مضى قطار العمر، الذى لا يمكن لأحد إيقافه.


 

نعم الإنسان خلف الفنان، ربما لا يذكره الناس بعد أن تنتهى رحلته مع الدنيا، لكن الفنان ينبغي أن يمنح الإنسان بداخله فرصة لكى يعيش بطلا على شريط الحياة وليس مجرد (كومبارس) صامت!!.


 

[email protected]

 

المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).