بوابة الفجر

حجر رشيد

خبير آثار: رسالة حجر رشيد من المتحف البريطاني "ردني إلى بلادي"

حجر رشيد
حجر رشيد

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان بأنه فى إطار حملة "حقوق حضارة لبناء حضارة" وتعنى المطالبة بحقوقنا المادية، ناتج عرض آثارنا بالمتاحف العالمية لتسويقها وعرضها باعتبارها آثارًا مصرية مع استنساخها والتربح منها واستخدامها علامات تجارية مع حفظ حقنا فى المطالبة بعودتها ورفض محاولات استنساخها وتشويه معالمها وذلك لإنفاقها فى بناء الحضارة المصرية من ترميم وإعادة التوظيف وتطوير المجتمعات المحلية حولها وخلق مشاريع إنتاجية قائمة على الأثر والذى يتبناها مؤسسها الدكتور أحمد راشد أستاذ العمارة بالجامعة البريطانية في مصر ومؤسس ومدير مركز فاروق الباز للاستدامة ودراسات المستقبل بالجامعة البريطانية والتى تعمل حاليًا على جمع كل الملفات الخاصة بحجر رشيد لمرور 200 عام على فك رموزه وقد طلب رئيس الحملة الدكتور أحمد راشد من سفرائها كتابة رسالة إلى حجر رشيد سيتم ترجمتها إلى عدة لغات وطبعها فى كتاب. 

وأضاف خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان بأن رسالتي كأحد سفراء الحملة إلى حجر رشيد بالمتحف البريطانى حملت عنوان "ردني إلى بلادي" والتي تقول، "حجر رشيد ولدت غريبًا فنحن لا نعلم محل ميلادك، فقد نقلت دون رغبتك لتعيش فى عصر غير عصرك، فعشت غريبًا، تمر عليك الأيام والليالى تشتكى حالك فقد فارقت معبدك الذى كان يحتضن صلواتك، يعايش أفراحك وآلامك، عرفت الألم والغربة منذ ميلادك، وعشت وحيدًا فى الأثر 44 الرابض على الشاطئ الغربي لفرع رشيد "قلعة رشيد"، يمر عليك الناس من جانبك ومن فوقك ولا يدرى أحد بك ولا يعرف أحد قيمتك، وفي عام 1798 فوجئت بمن يقتحمون عليك خلوتك يغيرون معالم بيتك الجديد برشيد بدءًا من الإسم لتصبح “حصن سان جوليان” كنت شاهدًا على معاول الهدم والتشويه لبيتك الجديد من الفرنسيين، وقد بدأت تألفه لوجود الناس الطيبيين المحيطين به حيث عشت آلامهم وآمالهم وتطبعت بطباعهم المصرية الأصيلة لأصلك الطيب، وامتدت معول التشويه لتقتحم مزاغل القلعة الثلاثة فى كلًا من البرجين الشمالى الغربى والجنوبى الغربى ثم أقام الفرنسيون فى كل برج مزغلين صغيرين للبنادق، في كل مزغل ست فتحات للبنادق وأغلقت الممرات بالمزاغل بحيث أصبحت صماء وأضيف حمام للقائد بوشار فى البرج الكبير الذى كان مخصصًا لإقامة الجنود كل هذا أمام عينيك وكنت ترتعد من الخوف كلما اقترب جنود الحملة لهدم حائط أو جدار لتحويل القلعة إلى معسكر لهم، فلربما اقترب منك أحد الجنود ليقضى عليك للأبد وأحسست بمكمن الخطر منذ تلك اللحظات وبدأت تساورك الشكوك عن مصيرك الغير مأمون.  

حتى جاء الوقت ليوم ميلاد جديد لك ففى أغسطس عام 1799 حيث كان القائد الفرنسى بوشار مكلفًا بالعمل فى ترميم قلعة قايتباى وشاهدك فجأة ترقد بين مداميك جدار قديم قرر الفرنسيون هدمه ثم توقف العمل فجأة حتى أمر الجنرال مينو بإحضارك إلى منزله بالإسكندرية بعد أن قاموا بخلع عباءة السنين الماضية من عليك ليكتشفوا معالمك ويتعرفوا عليك،  جسمك من البازلت الأسود، الطول 115سم، العرض 73سم وقمتك العليا وزواياك من الشمال واليمين مفقودة منها بعض الأجزاء، ولربما كنت مستديرًا فى أعلاك على نحو ما هو معروف عن ” حجر كانوب ” فى عصر البطالمة فأنت إبن هذا العصر مثل أقرانك، وكانت أول رحلاتك من رشيد إلى القاهرة وانبهر بك نابليون وذاعت شهرتك فى العالم فكانت رحلتك الثانية إلى لندن فى فبراير 1802 ليتعرف عليك العلماء.

وقد بدأت قصة خروجك من مصر إلى لندن، مع مغادرة نابليون بونابرت مصر وأصبحت قوات الحملة الفرنسية تحت ضربات العثمانيين والإنجليز وفى مارس 1801 نزلت القوات الإنجليزية فى خليج أبى قير فأخذ الجنرال مينو قواته إلى شمال مصر وأخذ معه كل الآثار التى حصل عليها علماء الحملة الفرنسية ولكنه هزم فى معركة أبى قير البحرية وتقهقرت القوات الفرنسية إلى الإسكندرية حاملين معهم الآثار المصرية.

وعقب ذلك تم نقلك إلى الإسكندرية وسجنت فى مخزن باعتبارك من ممتلكات القائد الفرنسى مينو وحوصرت القوات الفرنسية فى الإسكندرية وأعلن مينو الهزيمة فى 30 أغسطس 1801 وتم توقيع معاهدة الاستسلام وبموجب المادة 16 من الاتفاقية تم تسليم الآثار التى فى حوزة الفرنسيين إلى الجانب البريطانى، ومن وقتها وأنت سجين دون تهمة ودون حكم قضائى 

والسؤال أين سندات ملكية فرنسا للآثار المصرية التى تنازلت عنها للجانب البريطانى؟ لا يوجد فهى آثار تم الاستيلاء عليها بقوة السلاح، إذًا فبأى حق تتنازل عنها؟ وبأى حق يقبل الجانب البريطانى ذلك؟ فما أسس على باطل فهو باطل وبالتالى فإن اقتناء إنجلترا حاليًا لك فهو باطل، وأصبحت أسيرًا غريبًا بعيدًا عن وطنك دون وجه حق منذ ذلك الوقت 

أقولها للعالم: أليس هذا خروجًا غير شرعى؟ فلم تهدى من أى مصرى ولم تخرج بإذن تصدير ولم تسمح لك أية قوانين بالخروج وأتحدى أن تخرج علينا إنجلترا حاليًا بأى سندات شرعية تثبت ملكيتها لك، وتم الاستيلاء عليك بواسطة الجيش البريطانى عام 1801 وتم إهداؤك بواسطة الملك جورج الثالث لتستقر فى محطتك الأخيرة بالمتحف البريطانى منذ يونيو عام 1802، وفى نهاية الحرب العالمية خشيت إدارة المتحف على القطع الأثرية واحتبسوك أنت وزملاؤك فى قاعة أسفل محطة قطارات تبعد 16 مترا عن سطح الأرض فى ماونت بلزانت فى هلبورن 

واكتشف العلماء مدى صلابتك وقوتك فأنت من البازلت الأسود تجيد ثلاث لغات الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية تاريخ ميلادك عام 196 ق.م أيام الملك بطليموس الخامس الذى حكم مصر ما بين 203 إلى 181 ق. م.

وبدأ العلماء يتفرسون فى ملامحك للتعرف على سر تحدثك بثلاث لغات حتى عام 1805 عندما بدأ العالم الفرنسى شامبليون فى مصاحبتك  17 عامًا حتى أعلن للعالم نجاحه فى معرفة خباياك ورموزك التى أخفيتها منذ ميلادك وكان ميلادك الجديد بشخصيتك المعروفة لكل العالم فى 27 سبتمبر 1822.

ولم تخرج بعد ذلك من المتحف البريطانى إلا مرة واحدة ولمدة شهر فى أكتوبر عام 1972 حيث انتقلت إلى متحف اللوفر بباريس بمناسبة مرور 150 عامًا على فك رموزك، وبلدك تنتظر احتفالًا ضخمًا هذا العام فى ذكرى مرور 200 عام على فك رموزك، نذكر العالم أجمع بخروجك الغير شرعى ونجمع كل الأسانيد القانونية التى تؤيد حقنا لنكشفها أمام العالم أجمع بكل اللغات نطمئنك بأنك فى قلوبنا وعقولنا وتسير كالدم بين عروقنا ولن ننساك لحظة واحدة فإنك عائد عائد عائد إن شاء الله طال الوقت أم قصر. 

سمعنا ونسمع كلماتك ونستشعر أنينك الخافت فى الغربة بين جنبات المتحف البريطانى لكنه يصل إلى مسامعنا كصوت البرق صارخًا " ردنى إلى بلادى" ونحن نعد لك موقعك فى بلدك، بين أهلك، فالشوق والحنين لك يزداد يومًا وراء يوم، سنعمل معًا يدًا واحدة علي ذلك لقناعتنا وإيماننا بالعودة فلن يضيع حق ورائه مطالب.

نداؤك "ردني إلى بلادي" يخترق مسامعنا، يدوى حولنا، يوقظنا فى أحلى لحظات النوم، وكيف لنا بالنوم وأنت بعيد عنا، فى انتظارك بالعمل، فى انتظارك بالحب، فى انتظارك  أكثر من مائة مليون مصرى على ضفة النيل يصطفون، أنظارهم شاخصة إليك، تخترق كل جدران الخوف.