بوابة الفجر

مي سمير تكتب: «بوتين» أقوى من عقوبات أمريكا وأوروبا

مي سمير
مي سمير

رغم مرور أكثر من شهر على الحرب

منذ غزو روسيا لأوكرانيا فى ٢٤ فبراير، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات ضخمة على روسيا، مستهدفة أكبر بنوكها وصادراتها الرئيسية وأغنى الأفراد، بما فى ذلك الرئيس فلاديمير بوتين، ومن الملاحظ أن حجم وسرعة هذه العقوبات الاقتصادية غير مسبوقة فى التاريخ الحديث، ومع ذلك بعد ما يقرب من أربعة أسابيع من الحرب، يبدو أن هذه العقوبات لم تفعل الكثير لردع عدوان بوتين فى أوكرانيا، حسب تقرير «أوبزيرفر».

 

السجل التاريخى للعقوبات مختلط، اعتمادا على كيفية تعريفك للفعالية، فإن العقوبات تنطبق فقط بين ٢٠٪ و٤٠٪ من الوقت.

من الناحية الاقتصادية، فإن الضرر الذى يلحق بدولة ما بفعل العقوبات يقل عن ٥ فى المائة من ناتجها المحلى الإجمالي فى غالبية حالات العقوبات على مدار القرن الماضى، وفقا لدراسة نشرها هذا الأسبوع معهد بيترسون للاقتصاد الدولى، وهو مركز أبحاث غير حزبى، مقره فى واشنطن العاصمة.

أحدث مثال على العقوبات فى روسيا هو عقوبات ٢٠١٤ التى فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون ردا على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، هذه العقوبات إلى جانب عوامل أخرى مثل انهيار أسعار النفط فى عام ٢٠١٤، قلبت المسار المتنامى للاقتصاد الروسى وساهمت فى انكماش الناتج المحلى الإجمالي بنسبة ٣ فى المائة خلال عام ٢٠١٥، وفقا للبنك الدولى، على الرغم من تعافى الاقتصاد الروسى إلى حد ما بعد عام ٢٠١٦، ساء مستوى الفقر وعدم المساواة فى الدخل، لدرجة أن ثلث سكان البلاد لا يستطيعون شراء زوج ثان من الأحذية، وفقا لاستطلاع رسمى أجرى عام ٢٠١٩.

ومع ذلك، فإن الإجراء السياسى للعقوبات أكثر تعقيدا بكثير، حيث تقسم دراسة بيترسون فعالية العقوبات إلى أربع مراحل من الردع من خلال التهديد بالعقوبات وحدها إلى تغيير سلوك البلد المستهدف بعد أن يعانى من أضرار جسيمة من العقوبات الفعلية.

فى الأزمة الحالية، ستكون المرحلة الرابعة - والهدف النهائى للدول الغربية - هى سحب روسيا للقوات من أوكرانيا والتراجع عن الاعتراف بالمنطقتين الانفصاليتين الجديدتين فى شرق أوكرانيا، وهو سيناريو غير محتمل بشكل متزايد مع تكثيف روسيا لقصفها عبر أوكرانيا.

 

قال جارى هوفباور، خبير العقوبات فى معهد بيترسون، ومسئول سابق فى وزارة الخزانة الأمريكية، إن الدراسة أظهرت أن العقوبات لديها فرصة بنسبة ٣٠ فى المائة فقط لإيقاف المسار العسكرى لبلد ما أو تغيير نظامها السياسى، وغالبا لا تنطبق قصص النجاح على الدول القوية والاستبدادية مثل روسيا، كانت إحدى المرات القليلة فى التاريخ التى ساهمت فيها العقوبات فى إيقاف غزو عسكرى خلال أزمة السويس عام ١٩٥٦، عندما حظرت الولايات المتحدة واردات النفط إلى المملكة المتحدة وفرنسا وإسرائيل للضغط على الدول الثلاث ودفعهم للتراجع عن عملياتهم العسكرية فى مصر فى أعقاب إعلان مصر تأميم القناة.

ما لديك فى روسيا هو زعيم قوى له أهداف راسخة، بوتين يريد إعادة بناء إمبراطورية قيصرية، فى هذه الحالة من الصعب تطبيق الحالات التى نجحت فيها العقوبات.

يقول بعض الخبراء إن عقوبات ٢٠١٤ كانت معتدلة للغاية وفُرضت بعد فوات الأوان وعلى بوتين أخذها على محمل الجد.

على مقياس من ١ إلى ١٠، فإن شدة عقوبات ٢٠١٤ ستسجل ٢، فى حين أن العقوبات المفروضة فى الأزمة الحالية ستبلغ ٨ على الأقل، وفقا لإدوارد فيشمان، زميل أقدم فى المجلس الأطلسى، وهو مركز أبحاث متخصص فى الشئون الدولية، ومسئول سابق فى وزارة الخارجية.

قال فيشرمان فى مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال إن عقوبات ٢٠١٤، التى فُرضت بعد أربعة أشهر من استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم، «ربما جعلت بوتين يشعر بالرضا»، مضيفا أنه من غير المرجح أن يغير الألم الاقتصادى الذى تشعر به روسيا رأى بوتين بشأن الحرب، وأضاف: «أعتقد أنه من الصعب للغاية بالنسبة لزعيم قوى مثل بوتين أن يسحب القوات العسكرية بمجرد أن يأمرهم بالدخول»، أظهرت الدراسات أن الشركات الروسية تتعرض لمشاكل كبيرة بسبب العقوبات، لكن هل أحدثت فرقا بالنسبة لبوتين؟ قال هوفباور «ربما ليس كثيرا جدا».

لكن بوتين يدرك تأثير العقوبات على الداخل الروسى، حيث قال الرئيس الروسى يوم الأربعاء إن «الحرب الاقتصادية الخاطفة» للعقوبات الغربية «فشلت» - لكنه طلب من حكومته والمواطنين الاستعداد لارتفاع معدلات البطالة والتضخم.

فى اجتماع حكومى متلفز، دعا بوتين مواطنيه إلى التكاتف معا للتعامل مع العقوبات التى فرضها الغرب على روسيا بعد غزوها أوكرانيا، ونقلت وكالة فرانس برس عن بوتين قوله «نعم، ليس الأمر سهلا بالنسبة لنا الآن، لكن هذه الحرب الاقتصادية الخاطفة ضد روسيا باءت بالفشل».

أقر بوتين بالعديد من التحديات التى تواجه الاقتصاد الروسى، وتوقع ارتفاعًا «مؤقتًا» فى التضخم والبطالة، وبحسب بلومبرج، قال بوتين: «الحقائق الجديدة ستتطلب تغييرات هيكلية عميقة فى اقتصادنا، ولن أخفيها، لن تكون سهلة».

وذكرت بلومبرج أنه فى الاجتماع، أمر بوتين المسؤولين الحكوميين بزيادة المزايا الاجتماعية والتأكد من أن البلاد لديها إمدادات كافية من المنتجات الاستهلاكية الأساسية لوقف ارتفاع الأسعار، قال بوتين إن الإنفاق الاستهلاكى قفز بمقدار تريليون روبل (٩.٥ مليار دولار) بعد الغزو الأوكرانى حيث توافد الروس على تخزين المواد الغذائية وغيرها من المواد الغذائية الأساسية، وأكد الزعيم الروسى للمسؤولين أن الكرملين لديه «كل الموارد اللازمة لحل المهام طويلة الأجل»، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية.

وأضاف: «الوضع الحالى بالطبع امتحان، وأنا واثق من أننا سنجتازه بكرامة وعمل دؤوب، وسنتغلب على هذه الصعوبات»، جاء اجتماع بوتين الذى تناول القضايا الاقتصادية بعد أن فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبى ودول غربية أخرى عقوبات على روسيا بهدف عرقلة اقتصادها، ويعد البنك المركزى الروسى من بين عدة مؤسسات مستهدفة، وكذلك رجال الأعمال الأثرياء الذين لهم صلات بالكرملين.

استجاب البنك المركزى الروسى للعقوبات بمضاعفة سعر الفائدة الأساسى، من ٩.٥٪ إلى ٢٠٪، وزيادة مشتريات الذهب، ولا تزال بورصة موسكو مغلقة للأسبوع الثالث على التوالى، لتجنب انهيار أسعار الأسهم.

وفى الوقت نفسه، فإن الشركات الغربية بما فى ذلك ماكدونالدز وكوكا كولا وعملاق النفط BP وShell خرجت من روسيا بشكل جماعى، حذر بوتين الشركات الأجنبية من أن روسيا قد تصادر أصولها إذا توقفت عن ممارسة الأعمال التجارية فى البلاد ويمكنها حتى تأميمها.

 

يعاقب الغرب روسيا، على أمل أن تضع الأزمة الاقتصادية الرهيبة التى أثارتها العقوبات نهاية للحرب الدموية ضد أوكرانيا، الدولة المستقلة التى كانت فى يوم من الأيام جزءًا لا يتجزأ من الاتحاد السوفيتى، لكن حسب تقرير لموقع ذا كونفرسيشن، أن أولئك الذين يعتقدون أن العقوبات ستقلب الروس ضد النظام وتنهى الحرب لا يعرفون سوى القليل عن البلاد وتاريخها وشعبها.

الروس معتادون على الاضطرابات وعدم الاستقرار، لقد تحملوا تجارب اجتماعية قاسية خلال القرن العشرين، وأوائل القرن الحادى والعشرين، وعلى مدار التاريخ، وحد أى صراع سياسى واقتصادى روسيا وشعبها، لا سيما فى مواجهة عدو مشترك.

ليس كل الروس يؤيدون الحرب فى أوكرانيا والحكومة التى جرتهم إليها، لكن كل الروس يعانون من العقوبات والأزمة.

كما أن الشعب الروسى يتحلى بالصبر، وغالبا ما يكون مخلصا بشكل غير عقلانى لوطنه الأم حتى لو اعترض على سياسات الحكومة، خاصة فى مثل تلك الأوقات.

 

فى هذه المرحلة من الحرب، يقول خبراء السياسة الخارجية إن النتيجة المقبولة، على الأقل بالنسبة للغرب، ستكون أى شيء لا يمثل سيطرة روسية كاملة على أوكرانيا، قال هوفباور: «أفضل ما يمكن تصوره - وحتى هذا يبدو بعيد المنال - هو خط ترسيم متفق عليه عند نهر دنيبر، تاركا كييف وشرق أوكرانيا تحت السيطرة الروسية، مع السماح لأوكرانيا الغربية بالبقاء كدولة مستقلة».

ومع ذلك، «إذا كانت النتيجة غير مرضية بشكل أساسى للغرب، فإن العقوبات ستستمر لفترة طويلة، على الأقل عقدا من الزمان، وسوف تستمر العواقب وتدوم، إنها حرب باردة جديدة».