بوابة الفجر

"حرب بوتين" تُغير خريطة الزراعة في العالم

أحمد ياسر
أحمد ياسر

كانت أسعار المواد الغذائية مرتفعة بالفعل قبل أن تغزو روسيا المُنتجة للحبوب أوكرانيا المُصدرة للقمح، ولكن ماحدث أعاق تجارة البحر الأسود وفرض عقوبات مالية غير مسبوقة، إن ارتفاع تكلفة الوقود والسلع الأساسية، في وقت تتعرض فيه الميزانيات الحكومية بالفعل لضغوط، فتح باب توتر الأعصاب وتوتر التحالفات في جميع أنحاء العالم.

ومما زاد الطين بلة، أن روسيا هي أيضًا عملاق في سوق الأسمدة العالمية المركزة، على الرغم من أن العقوبات قد تم اقتطاعها من المواد الغذائية ومغذيات المحاصيل، إلا أنه من الناحية العملية، تعطلت لوجستيات التصدير، ويخشى التجار والبنوك من مخالفة القواعد، وأدى ارتفاع أسعار الغاز إلى تضخم نفقات الإنتاج، حيث كانت التكلفة النهائية للمزارعين باهظة بين أبريل 2020 ومارس من هذا العام، ولكن زادت أسعار الأسمدة أكثر من ثلاثة أضعاف، وهي أكبر زيادة خلال 23 شهرًا منذ عام 2008، وفقًا للبنك الدولي.

في البرازيل، التي تستورد أكثر من 85٪ من الأسمدة، ومعظمها من روسيا، دفعت التكاليف المرتفعة وانقطاع الإمدادات للمزارعين إلى تأخير عمليات الشراء، حتى مع اقتراب موسم زراعة فول الصويا، أجبرت الأسعار المزارعين في أماكن أخرى على تقليص المغذيات أو ترك الحقول "بور"، في إفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، حذر الباحثون من أن استخدام المغذيات قد يتقلص بمقدار الثلث، مما يضرب غلة الحبوب.

وعلي الصعيد الآخر، تعمل الحكومات المتحالفة على ضمان أن الامتثال المفرط للعقوبات لا يحد من التجارة المسموح بها، في حين أن مجموعة السبعة مع البنك الدولي، أقامت تحالفًا عالميًا بشأن الأمن الغذائي، والذي يهدف إلى زيادة العرض، وإزالة الحواجز التجارية وإضافة التمويل.
ووفقا لتقرير نشرته "الإيكونوميست" البريطانية مطلع شهر يوليو الجاري؛ فقد تسبب الحرب الأوكرانية والعقوبات التي تلت ذلك في ارتفاع الأسعار أكثر، ففي عام 2021، كانت 25 دولة تحصل على أكثر من 30% من أسمدتها من روسيا.

وفي العديد من دول أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى كانت النسبة أكثر من 50%، وفي أوروبا، تقيد مخاوف أمن الطاقة استخدام الغاز الطبيعي لصنع الأسمدة القائمة على النيتروجين، وبينما تفتح نيجيريا وقطر "مهد الغاز الطبيعي" مصانع جديدة للنيتروجين، وتمتلك كندا، القدرة على زيادة إنتاج البوتاس، فإن هذا سيستغرق وقتا، ومن المتوقع أن تظل الأسعار مرتفعة رغم ذلك.

وتشير الصحيفة، إلى أن كل هذا سيؤدي إلى إحداث فوضى في المحاصيل، وقد يضطر المزارعون إلى استخدام كميات أقل من الأسمدة، مما يقلل من الحبوب الزراعية ونوعية المحاصيل، وقد يختارون بدلا من ذلك، الاتجاه للمحاصيل الأخرى التي تتطلب سمادا أقل، مثل فول الصويا، مما يقلل من إمدادات المحاصيل مثل القمح والذرة.


*ما الذي يمكن فعله؟

في الوقت الحالي، يجب أن تكون الأولوية القصوى للعالم هي تخفيف الأزمة الفورية وتجنب إلحاق ضرر كبير بالحصاد المقبل، وهذا يعني الضغط على دول مثل الصين لإزالة الحواجز على صادرات الأسمدة، بمساعدة منظمة التجارة العالمية.

يجب على الدول الحليفة أن تضمن حتى لأصغر التجار وشركات الشحن أن تتخطى العقوبات المالية والعقوبات الأخرى، مما يوفر الوضوح وما يسمى بخطابات الراحة حسب الحاجة. ينبغي توسيع برامج الدعم الحالية للمصدرين المعرضين للخطر، مثل آلية تمويل الأسمدة الأفريقية. لحسن الحظ، هناك أيضًا بعض الإمدادات الجديدة في الأفق، حيث يقوم مصدرو البوتاس في كندا وأماكن أخرى بزيادة الإنتاج، بينما افتتح أغنى رجل في إفريقيا مصنعًا لليوريا في نيجيريا.

بالنظر إلى المستقبل، يحتاج العالم إلى زيادة العرض مع تقليل استخدام الهيدروكربونات في إنتاج الأسمدة النيتروجينية، وسيتطلب ذلك زيادة كبيرة في الاستثمار في طاقة الرياح والطاقة الشمسية، خاصة في إفريقيا.

هناك أيضًا مجال واسع لزيادة الاستثمار في صناعة الأسمدة الكيماوية التي لا تزال تعتمد على تكنولوجيا عمرها قرن من الزمان، في إحدى الدراسات التي أجريت في سريلانكا، زادت غلة الأرز حتى عندما تمت إضافة نصف الكمية النموذجية فقط من المغذيات، يمكن أن يكون لتوليفات أفضل من الأسمدة البيولوجية والكيميائية تأثير مماثل.

وفي الوقت الحالي؛ لا يوجد بديل سهل للأسمدة إذا أراد العالم الحفاظ على إنتاج الغذاء بالقرب من مستوياته الحالية، وهذا يعني ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة الجوع، لقد أثبتت أوكرانيا، أن الإمدادات الغذائية العالمية محفوفة بالمخاطر أكثر مما كان يعتقده الكثيرون، إنها علامة تحذير لا يمكن للعالم أن يتجاهلها.