بوابة الفجر

عادل حمودة يكتب: «كلمة السر».. «هنا القاهرة»

عادل حمودة
عادل حمودة

دورها مؤثر فى البحرين الأبيض والأحمر ولمساجدها السبق فى الاجتهاد ولكنائسها السبق فى الإيمان

تعبر بحكم التاريخ عن إفريقيا.. وشبكة اتصالاتها بالعواصم المؤثرة ممتدة وفاعلة

لا يمكن فهم الحرب الروسية- الأوكرانية دون فهم عقدة «بوتين» وانقلاب جورباتشوف

وراء نهضة ماليزيا قصة من «ألف ليلة وليلة» يتشابك فيها الفساد مع تدمير السمعة ورد الاعتبار

«حب الوطن» قنديل مشتعل علقته أصابع الله فى قلوبنا.

قنديل أدفأ من الشمس.

اشتعاله دائم لا يعرف غروبا ولا خسوفا.

وعندما أسافر أحمله معى.

أضعه فى عينى لأرى فكرة.

أضعه فى قلمى لأسجل خبرة.

وأضعه فى صدرى لأستدعى نسمة.

نسمة طرية طيبة ناعمة تبدد وحشة الغربة.

أعود إليه حاملا تجارب شعوب عالجت مشكلة نعانى منها، مبشرا بأسلوب جديد فى الحياة يرفع من شأنها، محذرا من موجات عاصفة تهدد قيمنا الأخلاقية، متحمسا لدور أكبر يؤثر فيمن حولنا.

هكذا وضعت «الجغرافيا» فى خدمة بلادى

لكن كيف نلعب اللعبة نفسها مع «التاريخ»؟

التاريخ ليس علم سرد الأحداث الميتة والمشى فى جنازتها وإنما هو علم الاستفادة من تجارب لا نكررها إذا كانت سيئة حتى لا نوصف بالغباء. ونطورها إذا كانت واعدة حتى لا نتهم بالجمود.

وليس فى التاريخ شىء اسمه المصادفة وليس فيه ما يضيع سدى.

لولا انكسار يونيو ما كان انتصار أكتوبر مثلا.

«كلمة السر» هنا امتداد الجسر بين ما كان وما يكون. بين ما حدث وما يحدث. تواصل من الحوار والحساب وربما العتاب، ولكن يصعب القبول بفصلهما وإلا قبلنا بشطب لقب العائلة من أسمائنا لنصبح بلا أصل. بلا هوية.

و«كلمة السر» اسم البرنامج الذى سأقدمه على شاشة قناة «القاهرة» وسبق أن حمل عنوان مذكراتى الشخصية والمهنية فهل سأعيد على الشاشة ما سبق أن نشرته فى كتاب؟

قطعا هذا لن يحدث حتى وإن بدا جمهور الشاشة مرحبا.

ما سيحدث نوع من التفاعل بين ما استفدت من خبرات وما قابلت من شخصيات وما جمعت من مستندات طوال نصف قرن فى الصحافة وبين الأحداث الساخنة التى لا تزال تفرض نفسها علينا وتؤثر فينا نحن وباقى سكان الكوكب.

لنقف على خطوط القتال بين روسيا وأوكرانيا لنتأمل الحرب الطاحنة لهما التى لم نشهد مثلها من قبل وتهدد العالم بتضخم يحرقه وانكماش يخنقه وجوع يشعل الغضب فى الدول الهشة الفقيرة.

تبدو حربا إقليمية بين موسكو وكييف، ولكنها فى الحقيقة حرب كونية تديرها بالريموت كنترول واشنطن.

تبررها روسيا بتأمين بلادها من صواريخ حلف «الناتو» إذا ما انضمت أوكرانيا إليه.

لكن الحقيقة أن «كلمة السر» فى الحرب هى «ميخائيل جورباتشوف».

عرفت «جورباتشوف» عن قرب فى بيروت ثلاثة أيام. سمعت منه سيرة حياته. عرفت منه سر انقلابه على البيروقراطية الحزبية الفاسدة التى سحقت عظام البشر دون أن توفر للصغار كوبًا من الحليب. لكن الطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الطيبة. حاولوا اغتياله. تظاهروا ضده. أجبر على الاستقالة. عمت الفوضى. تفككت الإمبراطورية السوفيتية الحمراء. لم تعد قوة عظمي.

دون «جورباتشوف» لن نعرف سر «فلاديمير بوتين».

ضابط مخابرات خدم فى ألمانيا الشرقية حتى سقط سور برلين. عاد إلى مسقط رأسه فى بطرسبورج يائسا محطما.

لكن شعوره بالإهانة لم يتوقف حتى عندما تولى حكم بلاده.

أهانه الغرب عندما رفض عرض روسيا بالانضمام إلى الناتو وتضاعفت الإهانة مرتين عندما نكث الغرب بوعده وضم دول أوروبا الشرقية إلى الحلف، بل ضم أيضا دول البلطيق الثلاث لتصبح روسيا بين أنيابه وليصبح بوتين مثار سخريته.

ولم يكن أمام بوتين سوى إجبار الغرب على وضعه فى الحسبان أو على الأقل سماع صوته فكان ما كان فى روسيا وجورجيا وشبه جزيرة القرم وأوكرانيا.

هل يمكن فهم الحرب الروسية الأوكرانية دون فهم عقدة بوتين؟ وهل يمكن فهم عقدة بوتين دون فهم ما فعل جورباتشوف؟

إنهما رجلان فى عواصف النار ولو لم يلتقيا.

هكذا سأقدمهما معا كاشفا ما لا نعرفه عنهما ومفسرا سلوكهما ومتنبئًا بمصيرهما.

لن أبعد فى البرنامج عما يجرى فى العالم من أحداث سأسعى إلى كشف المستور منها من خلال سنوات طوال من المعايشة والمتابعة.

سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية أول مرة منذ أربعين سنة ودخلت البيت الأبيض مرات عديدة لتغطية زيارات الرئيس مبارك وعرفت فى واشنطن صحفيين وسياسيين وخبراء فى مراكز التفكير والتدبير.

واندهشت عندما اختار الأمريكيون ممثلا ليكون رئيسهم، ولكن عرفت فيما بعد أن الرئيس لا يحكم وحده ولا يتخذ القرار وحده.

هناك البنتاجون ووكالات الاستخبارات وجماعات الضغط وقوة المال ممثلة فى «وول ستريت».

هناك أيضا الكونجرس حيث سيجدد مجلس النواب أعضاءه بينما سيكتفى مجلس الشيوخ بتغيير الثلث فقط وستحدد نتيجة الانتخابات مدى قوة الرئيس الحالي.

كلمة السر هنا «الأغلبية».

لو حافظ الرئيس على الأغلبية سيواصل استعراض عضلاته ولو خسر الأغلبية سيكمل مدته الباقية (عامين) مثل «بطة عرجاء» حسب التعبير السياسى الأمريكى المستقر.

ولن تؤثر «الأغلبية» فى السياسة الداخلية فقط وإنما ستمتد إلى السياسة الخارجية أيضا.

لو حافظ الديمقراطيون على الأغلبية فإن المسافة ستزداد انكماشا بين عواصم الخليج وواشنطن وستزداد قربا من موسكو.

ولو حصل الجمهوريون على الأغلبية ستعود علاقة «السمن والعسل» بين عواصم الخليج وواشنطن وإن بقى لموسكو نصيبا من الود.

والحقيقة أن عواصم الأوبك لم تنتظر إلى نوفمبر ولعبت مبكرا ببراعة بأوراقها لتحقيق مصالحها المالية والاستراتيجية.

ولكن مهما كانت نتائج الانتخابات فإن النظام العالمى الجديد أصبح متعدد الأقطاب وسقطت الولايات المتحدة من عرش القوة الوحيدة.

إن السياسة مثل المادة لا تولد ولا تخلق من عدم.

«القوى فيها ليس قويا بنفسه وإنما هو قوى بضعف الآخرين والغنى ليس غنيا بذاته وإنا هو غنى بفقر غيره ولن نؤمن بارتفاع الجبل ما لم يكن هناك سفح».

وتجمع الدنيا على أن السياسة «لا تعرف الأخلاق» وأن لا يكف رجالها عن ذكر فضائل الشرف والضمير والأمانة فى القول والفعل.

على أن الزمن كفيل بفضحهم.

حدث ذلك مع مهاتير محمد الذى طلب رؤية ثلاثة رؤساء تحرير كنت واحدا منهم عندما جاء إلى القاهرة بعد تنحى مبارك ليساند جماعة الإخوان بنصائحه لتمسك بالسلطة وجاء ليطالبهم بالبطش بالقوى الوطنية قبل تظاهرات ٣٠ يونيو.

لم أسترح إليه منذ الدقائق الأولى التى التقيناه فى فندق «هيلتون رمسيس» ورحت أفتش فى دفاتره المعلنة والمخفية فى لندن وواشنطن وطوكيو حتى تضخمت ملفاته.

كلمة السر هنا هى أنور إبراهيم.

أنور إبراهيم سر نجاح التجربة فى ماليزيا وفى لحظة ما لم يتردد فى شن حرب شرسة ضد فساد رجال وأفراد عائلة مهاتير.

دبر مهاتير مؤامرة للتخلص منه وتدمير سمعته باتهامه بممارسة الشذوذ مع سائقه ودخل أنور إبراهيم السجن رغم ما شاب المحاكمة من عوار استنكره العالم.

بعد نحو ربع قرن فى السلطة قرر مهاتير الاعتزال ليشيد الناس بالرئيس الديمقراطى الذى تنازل عن الحكم بإرادته.

ولكن ما أن تخطى التسعين حتى شعر بالحنين إلى السلطة والمثير للدهشة أنه لجأ إلى أنور إبراهيم ــ بعد الافراج عنه ورد اعتباره ــ ليتحالف معه وليحكما معا.

أليست حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة تستحق أن نرويها للمشاهد فى البرنامج على قناة إخبارية تبث من القاهرة عاصمة الخبر؟

نعم القاهرة عاصمة الخبر.

سبق أن كانت القاهرة عاصمة من عواصم الحرب العالمية الثانية عندما انتقلت جبهات القتال إلى البحر المتوسط وشمال إفريقيا وجرى بعضها على أرضنا فى العلمين.

وسبق أن كانت القاهرة العاصمة الثالثة فى العالم (إلى جانب واشنطن وموسكو) وقت أن كانت كتلة عدم الانحياز التى دعت إليها ودعمتها وفرضتها قوة مؤثرة فى ستينيات القرن العشرين.

لم لا تكون اليوم عاصمة الخبر وشبكات اتصالاتها بالعواصم المؤثرة ممتدة ومتصلة وفاعلة؟

تلعب دورا فى البحرين المتوسط والأحمر.

بينها وبين دول النفط فى الخليج ما يرقى إلى المصير المشترك مهما كانت الملاحظات.

تعبر ــ بحكم التاريخ الحديث والخبرات البشرية المتعددة ــ عن إفريقيا بكل ما فيها من خيرات فوق الأرض أو فى باطنها.

ثم قبل ذلك تمتلك حضارة تشد الدنيا إليها.

وعرفت مساجدها السبق فى الاجتهاد وعرفت كنائسها السبق فى الإيمان.

كل كلمة هنا كلمة سر.

ملحوظة:

لو كنت اخترت «كلمة السر» عنوانا لمذكراتى فإن أحمد الطاهرى مسئول القنوات الإخبارية اختار «كلمة السر» عنوانا للبرنامج.