بوابة الفجر

عادل حمودة يكتب: شرم الشيخ تستحق السائح المليونير لا سائح «زنوبة»

عادل حمودة
عادل حمودة

منافسة على ضرب الأسعار والحل الذهبى فى سياحة المعارض والمؤتمرات

رأيت مدنا يموت السياح فيها عشقا.

لكن ما جذبتنى مدينة إليها مثل «شرم الشيخ».

بيننا تاريخ يسكن ذاكرتى منذ كانت منكسرة تحت الاحتلال حتى جنت بها الدنيا فى مؤتمر «المناخ».

كنت مراسلا عسكريا مهمته متابعة عمليات الانسحاب الإسرائيلى من سيناء عندما التقى الرئيس «أنور السادات» و«مناحم بيجن» فى «شرم الشيخ» يوم ٣ يونيو ١٩٨١.

لم تكن قد تحررت بعد.

لم يكن على أرضها سوى منتجع بدائى من جذوع الأشجار النحيفة يسمى «أوفيرا» يستخدمه هواة الغوص.

على بعد نصف كيلومتر بنيت عدة منازل لموظفى الإدارة المدنية بالقرب من السوق القديمة.

وعند رأس «خليج نعمة» تستر «الموساد» وراء مبنى أطلقوا عليه «مدرسة البيئة» تحولت إلى فندق فيما بعد.

لم يزد ما أضافه الإسرائيليون عن ذلك لأنهم كانوا يدركون جيدا أنهم لن يضموا سيناء إليهم مهما طال بقاؤهم فيها.

وعندما رحلوا عنها حملوا معهم كل شىء حتى مواسير المياه ومقابض الأبواب وأسلاك الكهرباء وأسفلت الطرق التى استخدمت مهابط للطائرات العسكرية.

وكان الفراق صعبا على المجندات الإسرائيليات اللاتى غرقن فى دموعهن وكأنهن فى مأتم جماعى.

هل يمكن أن أنسى ذلك المشهد؟

هل يمكن انتزاعه من ذاكرتى المهنية؟

ألم يتعرف الوطن على وجهه فى مراياها؟

- أدركنا قيمة «شرم الشيخ» بعد أن عادت إلينا وعرفنا أنها درة سياحية ثمينة فى جميع الاتجاهات. تحت المياه حيث هواة الغوص. على الرمال حيث هواة السفارى. وفوق الجبال حيث هواة التسلق. مثلا.

بدأت الحكومة «المشوار» بتشييد فندق «هيلتون» فى «خليج نعمة» وتبعها المستثمرون ليتجاوز عدد الغرف الفندقية أفضل التقديرات أكثر من عشر مرات (من ٥ آلاف إلى ٥٢ ألف غرفة).

وجاءت كاميرات السينما بنجومها لتحول المدينة الساحرة إلى ستديو لتصوير أفلام المغامرات لكن القيود البيروقراطية حرمتها من منتجى هوليوود.

على أن ما تعرضت إليه «شرم الشيخ» من أحداث مؤلمة جعلت السياح يغادرونها جماعة فى ساعات معدودة.

فى صباح يوم الاحتفال بثورة ٢٣ يوليو عام ٢٠٠٥ وقعت ثلاثة تفجيرات نفذتها كتائب «عبد الله عزام» التابعة لتنظيم «القاعدة» وبعد ساعات جئنا إلى المدينة على طائرة أمر وزير الإعلام «أنس الفقي» باستئجارها ليعرف الصحفيون حقيقة ما جرى على الطبيعة وكنت الوحيد الذى لم يعد إلى القاهرة فى اليوم نفسه بقيت أسمع المزيد من التفاصيل.

ولم يحتمل السياح تبعات ثورة «٢٥ يناير» وخلت المدينة منهم إلا قليلا.

ورغم أن «شرم الشيخ» تقع فى جنوب سيناء فإن العمليات الإرهابية فى شمال سيناء على بعد (٤٥٣.٣ كيلومتر) أثرت عليها سياحيا.

وجاء حادث الطائرة الروسية (فى خريف عام ٢٠١٥) ليزيد من شعور المدينة بمزيد من الحرج.

أغلقت كثير من المنتجعات أبوابها. بحثت العمالة المدربة عن وظائف أخرى. انهارت أسعار الإقامة. وتراكمت الديون على المستثمرين. وفقدت الدولة ما يقرب من ثمانية مليارات دولار.

لم أتخل عن «شرم الشيخ» فى محنتها وإن بدوت محبا حزينا.

لكن ذلك كله أصبح نوعا من الماضى يجب تجاوزه.

استردت المدينة شهرتها فى منتديات الشباب ثم تألقت فى مؤتمر المناخ.

أعلنت «مدينة خضراء» حيث ارتفعت مئات من أشجار النخيل لتحرس الطرق الناعمة المحاطة بالزهور متعددة الألوان وأضيئت المدينة ليلا بخلايا شمسية وتحولت سيارات «الأجرة» إلى الغاز الطبيعى وارتفع مستوى الخدمات إلى رقم قياسى غير مسبوق.

فرضت علىَّ الظروف التعامل مع المستشفى المميز بالشكل الهرمى فى اليوم الأخير من العام. وجدت رقيا فى الخدمة الإدارية والطبية يستحق التقدير.

ويقابلك موظفو شركة الكهرباء بابتسامة يصعب وجودها فى مؤسسة عامة.

ولن تصدق أن أسعار الطعام أرخص.

لكن كل هذه الروعة تفتقد تسويقها سياحيا.

عادت إليها السياحة الإيطالية والبريطانية لكن بأعداد محدودة.

أما السياحة الروسية التى كانت تمثل الغالبية فإنها تعانى من العقوبات التى فرضت على حكومتها بعد الحرب فى أوكرانيا.

تطبق غالبية دول المنطقة العقوبات فتمنع الطائرات الروسية من عبور أجوائها إلى مصر ورغم أن تركيا ــ العضو فى حلف الناتو ــ لا تلتزم بالعقوبات وتستقبل ٥٠٠ رحلة روسية فى الأسبوع فإنها لا تسمح سوى بعبور طائرة روسية واحدة إلى شرم الشيخ أسبوعيا.

والنتيجة تنافس بين المنتجعات على تخفيض الأسعار.

لا يزيد السعر فى أغلب المنتجعات عن ٢٠ دولارًا يوميًا ويرتفع فى أفضل الأحوال إلى ٤٠ دولارًا (إقامة طعام وشراب بلا حدود) وهو سعر يقل عن فاتورة الكهرباء التى يدفعها السائح فى بلاده.

بتلك الأسعار المتدنية يأتى سائح متواضع الحال. سدد بالكاد تكلفة الرحلة. لا ينفق سنتا خارج الفندق إلا فى الضرورة القصوى. يذهب إلى السوق ليتفرج على المحلات لكنه لا يشترى. إذا تنقل لا يستخدم سيارة أجرة وإنما يركب سرفيس الميكروباص بالنفر.

لا تزيد نسبة الأشغال عن ثلاثين فى المائة رغم ما أنفق على المدينة من مليارات ضاعفت من جاذبيتها وتميزها حتى أنها أقنعت بعضا من الذين شاركوا فى مؤتمر المناخ بالبقاء فيها.

كان متوقعا أن يتضاعف عدد السياح فى أيام قليلة بعد تخفيض الجنيه لكن ذلك لم يحدث لعدة أسباب بعضها لاحيلة لنا فيه مثل العقوبات الروسية ولكن البعض الآخر يرجع إلينا.

ما أن عين أحمد عيسى أبو حسين وزيرًا للسياحة حتى تساءل من يضعون أيديهم فى نار السياحة عن سر اختياره.

هو رجل بنوك يشهد تاريخه على نجاحه مصرفيا لكن هل تؤهله خبرته للنجاح سياحيا؟

هل يمكن أن يعرف شعاب مكة من خارج أهلها؟

هل تكفى شهادات عليا من جامعة أجنبية فى إدارة الأعمال لتفوق الحاصل عليها فى كل المجالات؟

التقى الوزير بأصحاب المشكلة وجلس يستمع إليهم عدة ساعات ثم لم يجدوا شيئا ملموسا على الأرض ينقذهم مما هم فيه.

كل ما أعلنه الوزير أن الدراسة التى أجراها سلفه الدكتور خالد العنانى تكشف عن وجود ٢٧٢ مليون سائح فى ١٢ دولة أكدوا رغبتهم السياحية فى مصر.

ووصف الدراسة بأنها دقيقة جدا واعتمدت.

وبشرنا بزيادة معدل السياحة سنويا بنسبة (٣٠٪).

ولم يكن على كل من قرأ تصريحاته أو شاهدها على شاشة «أحمد موسى» سوى الانتظار.

على أخطر ما عرفت من أصحاب الشأن ــ وهم يضعون أيديهم على قلوبهم ــ أن الحكومة تسعى إلى زيادة عدد الغرف الفندقية حتى تحقق خطتها.

إذا كان المعروض من الغرف الفندقية لا يزال أكبر من المطلوب بنسبة مرتفعة مما دفع أصحابها إلى تخفيض الأسعار حتى وصفت بأنها «مؤسفة» و«مخجلة».

قطعا الوزير جاء إلى شرم الشيخ وشاهد ما حدث فيها من تغيير مبهر فيها دون أن تحظى بما تستحق من السياح كما ونوعا فما كان شعوره؟

هل جاء النوم إليه ليلتها؟

هل فكر فى وسيلة إنقاذ؟

ولم تأخرت؟

لا مفر من توصيل ما فى شرم الشيخ من روعة إلى العالم كله بخطة تسويق مبتكرة.

لم لا يدعو الوزير محررى صفحات السياحة فى أكبر صحف العالم إلى قضاء ثلاثة أيام فى شرم الشيخ ونوفر لهم كل ما يقنعهم بالترويج لها؟

لم لا تأتى معهم شبكات تليفزيونية من جنسيات متعددة؟

وحسب معلوماتى كنا فى المعارض الدولية ندعو أصحاب ومديرى شركات السياحة على عشاء (وهو أضعف الإيمان) لكن ذلك لم يعد يحدث واكتفينا بفنجان شاى وقطعة بسكويت.

ولو كنت أملك قرارا لكانت خطتى لشرم الشيخ الترويج لسياحة المؤتمرات حيث تملك واحدة من أفضل القاعات فى الشرق الأوسط.

سائح المؤتمرات أفضل سائح يمكن الاستفادة منه.

أنيق. سخى. يستخدم سيارات فاخرة. ويفضل فنادق الخمسة نجوم. وغالبا ما ينهى يومه فى سهرة بخلاف سائح «شبشب زنوبة» الذى يحتاج إلى رغيف عيش.

سياحة المؤتمرات رفعت نسبة زوار المحطات الشهيرة مثل «دبى» و«فيجاس».

فى «فيجاس» مؤتمر كل أسبوع لجماعة مهنية (أطباء أو علماء أو خبراء تكنولوجيا) غالبا ما يأتون مع عائلاتهم ليحققوا المتعة والمعرفة «بيزنيس أند بليجر».

وغالبا ما تكون المؤتمرات فى قاعات الفنادق على بعد أمتار من «الكازينو» أو «المطاعم» أو «معارض المجوهرات والساعات الثمينة».

فى الوقت نفسه هناك معرض كل أسبوع لصناعة ما (السجاد أو الطباعة أو الأثاث أو النسيج) يأتى إليه المليارديرات بطائرات خاصة والباقى يمكن استنتاجه.

يندر أن تشهد شرم الشيخ مؤتمرا أو معارض اللهم منتديات الشباب ومؤتمر المناخ ولقاءات سياسية أخرى لكن قاعة مؤتمراتها غالبا ما تكون مغلقة فى حاجة إلى تسويق غالبية شهور العام.

سياحة المؤتمرات والمعارض فى شرم الشيخ ستعيد إلى المنتجعات والفنادق الخمسة نجوم اعتبارها بعد أن سحبت شركات الإدارة العالمية أسماءها منها. رفعت يافطة «ريتس كارلتون» من على فندق مميز فى منطقة الهضبة. وكذلك سحبت يافطة «حياة ريجنسي» من على فندق آخر فى طريق المطار.

لم يعد أصحاب الفنادق قادرين على دفع النسبة المطلوبة للاحتفاظ بالأسماء التجارية الشهيرة.

لكن لو عاد السائح الذى كانت تعرفه شرم الشيخ من قبل ستعود هذه الأسماء من جديد.

ولا شك أن رفع مستوى السائح سيحول المنافسة بين الفنادق من تخفيض الأسعار إلى ارتفاعها.

شرم الشيخ تستحق سائحًا أفضل.