بوابة الفجر

أحمد ياسر يكتب: المُهندس الصيني.. من الورقة إلى التنفيذ

أحمد ياسر
أحمد ياسر

الاتفاق بين طهران والرياض على تطبيع العلاقات بين البلدين و"استئناف العلاقات الدبلوماسية في غضون شهرين وإعادة فتح سفاراتهما وممثليهما السياسيين"، وهو الاتفاق الذي بادر به الرئيس الصيني شي جين بينغ، ونُشر بشكل مفاجئ في بكين، وربما تنفيذه، يمكن أن يخضع المعادلات الأمنية لمنطقة غرب آسيا والخليج العربي لصدمة شديدة.

 

السؤال الواضح: لماذا الآن؟

 

بدأ الاتجاه نحو تطبيع العلاقات بين البلدين إثر الحوار الذي استضافه العراق، وتبعته سلطنة عمان، من خلال نقل الرسائل المتبادلة، جاء هذا الحوار ليواكب توجه الإدارة الأمريكية، برئاسة جو بايدن، نحو إعادة الاتفاق النووي مع إيران.


لطالما دعت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها الخليجيون إلى إضافة قضايا إقليمية إلى الاتفاقية وإدراج هذه الدول في المحادثات، لكن ذلك لم يتحقق؛ بسبب رفض إيران ربط الحديث النووي بأي قضية أخرى أو ضم لاعبين جدد قد يضيفون شروطا ومطالب من شأنها أن تعقد عملية التفاوض، إلا أن تعليق مفاوضات فيينا النووية بعد الانتهاء من مسودة الاتفاقية بسبب الخلاف حول بعض العناصر التكميلية، بما في ذلك مطالبة إيران بضمانات بأن أمريكا لن تترك الاتفاقية في المستقبل وإيجاد آلية للتحقق من رفعها. 


وساهم الحصار الأمريكي الغربي عليها في وقف الحوار الإيراني السعودي، وذلك لأن السعودية كانت تزامن خطوات تطبيع العلاقات مع إيران والمفاوضات في فيينا، وهذا يذكرنا بما حدث بعد الاتفاق النووي عام 2015، عندما كانت الرياض تستعد للمحادثات مع إيران لكنها عادت وأوقفتها في ضوء فوز دونالد ترامب في الرئاسة الأمريكية بوعد قطعه بإلغاء الاتفاق النووي، وتبع ذلك ترحيب السعودية بإنهاء ترامب للاتفاق وإطلاقه في 2018 حملة عقوبات شرسة ضد إيران.


بالإضافة إلى ذلك، أرادت المملكة العربية السعودية اتفاقًا شاملًا مع إيران في الحوار المتجدد في العامين الماضيين، مما سيحد من وجود إيران ودورها في المنطقة، في وقت أرادت إيران حصره في استعادة التمثيل الدبلوماسي وتطبيع العلاقات بين البلدين، وترك مناقشة الملفات الإقليمية لأطر أخرى، خاصة أن إيران ترفض أن تكون وكيلًا لحلفائها في تقرير شؤونهم الوطنية.

في الآونة الأخيرة، تغيرت الأمور مرة أخرى لعدة أسباب:

1- نجاح إيران حكومةً وشعبًا في إحباط الرهان على زعزعة استقرارها في الحملة الواسعة التي يقودها أشخاص مدعومون من الولايات المتحدة وحلفائها؛ لإجبار قيادة الجمهورية الإسلامية على الانصياع.


2- ظهور تقارب بين الصين والمملكة العربية السعودية، يتمثل في زيارة الرئيس الصيني للرياض وتوقيع اتفاقيات شراكة بين الجانبين، ثم زيارة الرئيس الإيراني لبكين، واتفاقية تفعيل الشراكة الاستراتيجية، بالإضافة لاتفاق وقعته الحكومة السابقة في عهد الرئيس روحاني.

3- طمأنة السعودية بأن الولايات المتحدة تسعى جديا لتوقيع اتفاقية نووية مع إيران، وأن الإشارات إلى ذلك لا تعد ولا تحصى، بحجة أن الاتفاق يصب في مصلحة الأمن القومي الأمريكي، ويضمن عدم حصول إيران على اتفاق نووي.

كان هناك تباين بين الإدارة الديمقراطية في واشنطن والقيادة السعودية، حول دورهما المفترض في دعم بعضهما البعض، وانعكس ذلك مؤخرًا في موقف السعودية بعدم الاستجابة لطلب واشنطن بإدانة روسيا وزيادة إنتاج النفط لتلبية الطلب عليها.


تكرس المملكة العربية السعودية بشكل متزايد لتوفير البيئة المناسبة لتنفيذ رؤية 20-30، وهذا يتطلب تطوير الهدنة في اليمن إلى استقرار دائم، ثم - من وجهة نظرها - إشراك إيران في الضغط على "أنصار حزب الله"، في الوقت الذي ترى فيه طهران، أنه لا سبيل للخروج من إدراك دور "أنصار الله" في تقرير مستقبل اليمن إلى جانب المكونات اليمنية الأخرى.


السؤال الثاني: لماذا في الصين؟

 

تمكنت الصين خلال السنوات الماضية من تطوير علاقات واسعة مع العديد من دول المنطقة، على الرغم من حملة الترهيب، التي تقودها واشنطن لإبعاد هذه الدول عن الدور الصيني بذرائع أمنية أو الادعاء بأن هناك دوافع للهيمنة حتى تخلق الأجواء. 
لا يزال واضحا بالنسبة للولايات المتحدة في المنطقة، أنه لم تعد النجاحات الصينية مقتصرة على الدول المعادية لأمريكا مثل إيران، بل امتدت إلى الحلفاء التقليديين لواشنطن مثل المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، اللتين أقامتا علاقات اقتصادية وتكنولوجية وتسلحية مهمة مع بكين، والتي أثارت غضب واشنطن. 


أصبح الانعطاف شرقًا حقيقة مفروضة بطريقة أو بأخرى، على الرغم من حقيقة أن الولايات المتحدة وضعت خططًا لتأسيس نظام إقليمي يجمع دول الخليج و"إسرائيل"، ويتولى قيادتها من مسافة بعيدة، بهدف التركيز على المواجهة المتزايدة مع روسيا والصين، وهي مخططات فسرتها دول الخليج على أنها تدير ظهرها للحلفاء.

سمح لها موقع الصين الناشئ بلعب دور تصالحي مقبول بين شركائها المهمين، وتعتقد أن ضمان مصالحها في المنطقة يعتمد إلى حد كبير على ترتيبات الاستقرار بين الدول النشطة، في تقديري، أراد الجانب السعودي "بيع" ورقة التفاهم لإعادة العلاقات مع إيران إلى الوسيط الصيني وليس للعراقيين، لأنه يراهن على تطوير العلاقات مع الصين اقتصاديًا وعسكريًا في مرحلة تقليص العلاقات الأمريكية في المنطقة، كما أنه يرسل، بطريقة أو بأخرى، رسالة احتجاج إلى الولايات المتحدة، وتريد الرياض أن تظهر أن لديها خيارات أخرى غير الاعتماد المطلق على أمريكا، هذا المنظور لا ينفي حقيقة أن المملكة العربية السعودية تتفاوض حاليًا مع أمريكا للحصول على مكانة حليف رئيسي خارج الناتو، على غرار دول الخليج الأخرى الأصغر مثل قطر والبحرين.

وبهذا استطاعت الصين التمسك بجانبي العلاقة مع شريكيها الرئيسيين من الوسط، وابتعدت عن الرهانات السعودية السابقة في إعطاء الأولوية للعلاقات مع المملكة على حساب إيران، خاصة بعد زيادة المملكة العربية السعودية، صادراتها النفطية إلى الصين وقدمت لها حوافز استثمارية كبيرة للغاية. 


لطالما أظهرت الصين أنها قوة دولية صاعدة حريصة على اكتساب نفوذ ناعم ولا تمارس السياسة بمعناها المتغطرس على النمط الغربي، وأنها مهتمة بإقامة علاقات مع جميع الجهات الفاعلة في المنطقة، بما في ذلك السعودية، وإيران، والكيان الصهيوني،وتركيا، كما أنها مهتمة بعدم خسارة إيران لمصلحة الهند التي تقوي علاقاتها، روابط النقل الاقتصادي والتجاري مع إيران، وخاصة عبر ميناء تشابهار في جنوب إيران.

إعلان إعادة العلاقات بين الرياض وطهران ما كان ليثير ردود فعل صادمة في واشنطن، لولا الوساطة الصينية، أي أن العودة بحد ذاتها لم تستبعد، ولم يكن هناك اعتراض أمريكي على دور العراق، وعمان في إعادة الارتباط المقطوع بين الرياض وطهران.


إلا أن دخول المهندس الصيني، إلى الخط ونجاحه في تحقيق اختراق شرق أوسطي بدا أنه يأتي على حساب تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، وأثار الدهشة والقلق في واشنطن التي تعاملت معها على أنها حدث.


قد يمثل ذلك نقطة تحول إقليمية-جيوسياسية، وربما نقطة تحول تاريخية، وبسبب هذا الحجم، احتلت على الفور العناوين الرئيسية وأثارت فيضًا من التعليقات والقراءات الأولية، التي تقاطعت في تفسيرها عندما اعتبرت هدفًا صينيًا في الهدف الأمريكي، في وقت كانت إدارة بايدن تتحدث عن الخطر الصيني، لإضعاف نفوذها في العالم ومواجهتها في وطنها الآسيوي وخارجه.