المملكة العربية السعودية: خلافة سلسة ومستقبل مجهول

عربي ودولي

بوابة الفجر



تعد السلطة، في نواح كثيرة، شأنا عائليا، ولكي تدرك ذلك فكل ما يتعين عليك القيام به هو إلقاء نظرة على احتمال إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 بين عائلتي بوش وكلينتون (جيب بوش وهيلاري كلينتون).
وهذا هو الحال في المملكة العربية السعودية.
ولكن في حالة المملكة العربية السعودية، فإن هذا الشأن العائلي يشمل عائلة أكبر بكثير، كما أن الأموال المتضمنة أيضا أكثر بكثير.
والشيء السيء هو أن هذا الشأن العائلي يوجد في منطقة مريبة تزداد عنفا باضطراد.
وعلاوة على ذلك، سقطت بعض الاسر الحاكمة التي استمرت فترة طويلة في المنطقة (مثل القذافي ومبارك) بشكل مفاجئ وغير متوقع إلى حد ما.
وتوقع نقاد وأعداء الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية، وما أكثرهم في داخل وخارج البلاد على حد سواء، أن تشهد البلاد فوضى عقب وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي رحل يوم الجمعة الماضي.
وتوقعوا أن تطفو التشققات والخلافات بين الفصائل المتنافسة داخل الأسرة الحاكمة إلى السطح، ولكن هذا لم يحدث.
وفي الوقت الراهن على الأقل، أظهرت الأسرة الحاكمة أنه عندما يتعلق الأمر بها فإنها تعرف بالضبط ما يتعين عليها القيام به للحفاظ على السلطة.
لقد دفن الملك السعودي الراحل ونصب الملك الجديد على العرش في وقت سريع، وأعلنت المملكة أن هذا أمرا معتادا، لكنه في الحقيقة ليس كذلك.
إن المفاوضات بين أفراد العائلة الأولى في المملكة العربية السعودية حول من يشغل المناصب يجعل من المفاوضات الصعبة لتشكيل حكومة ائتلافية في المملكة المتحدة عام 2010 وكأنها مجرد نزهة في الحديقة.
الشيء الأساسي الذي نلاحظه هو تعيين الملك سلمان لأخيه غير الشقيق، الأمير مقرن، وليا للعهد.
الأمير مقرن هو الرئيس السابق لجهاز المخابرات السعودي والابن الأصغر، ممن هم على قيد الحياة، لمؤسس المملكة العربية السعودية.
ويعد تعيين محمد بن نايف نائبا لولي العهد بمثابة إشارة هامة أخرى ومحاولة لكي يستتب الأمر للجيل القادم من الأحفاد الذين يتنافسون جميعا على منصب في المستقبل.
لكن من السابق لأوانه معرفة ما سيحدث، وسوف تستمر المكائد بشأن الخلافة على المدى الطويل.
وكما أظهرت السنوات القليلة الماضية في منطقة الشرق الأوسط، فلا توجد ضمانات.
وبعيدا عن السياسة العائلية الداخلية، تستمر التحديات التي تواجه حكام المملكة العربية السعودية في التزايد، في الداخل والخارج.
ففي الداخل، لا توجد دلائل على أن أي شخص قد وجد إجابة على المدى الطويل للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد.
معدلات البطالة مرتفعة وعدد السكان في تنامي مستمر، في الوقت الذي لا يهدأ فيه الشباب الذي يرغب في التغيير.
وتعتمد نسبة كبيرة جدا من السعوديين على الوظائف الحكومية لكي يشقوا طريقهم في الحياة، كما يواجه سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان انتقادات من جميع أنحاء العالم.
وتظل حقوق المرأة، أو بالأحرى انعدامها، بمثابة نقطة سوداء، إذ لا يمثل الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات الا نقطة واحدة في قائمة طويلة من القيود.
وفي غضون ذلك، وخارج مركز السلطة في الرياض، يواصل الموقف تدهوره من وجهة النظر السعودية.
فهناك مشاكل مع الأقلية الشيعية في شرق البلاد.
وتعد البحرين المجاورة، التي يحكمها السنة ولكن غالبية سكانها من الشيعة، مصدر قلق مستمر للرياض، كما هو الحال في اليمن، إذ يبدو أن المتمردين الشيعة باتت لهم اليد الطولى في المعركة مع الحكومة.
ولكن قبل كل شيء، تعد إيران هي بعبع المنطقة، والسعوديون يرون يد طهران تلعب فيما يحدث في كل مكان.
ويشعر السعوديون بالقلق من برنامج إيران النووي ونفوذها في العراق من خلال الأغلبية الشيعية هناك.
لقد خلفت الحرب الأهلية في سوريا شكوكا متعددة. وهناك أيضا تنظيم الدولة الإسلامية والتهديد الذي يشكله للمصالح السعودية في المنطقة.
وهذا هو السبب في أن زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال الأسبوع الجاري كانت مصدرا لبعض الراحة، إذ أن زعيم العالم الحر جلب معه حاشية كبيرة، وهو تعبير واضح على دعم المملكة العربية السعودية.
شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية نجاحات وإخفاقات (الخلافات بشأن النهج المتبع مع إيران يعد مثالا في الوقت الراهن)، لكن تبقى العلاقات قوية.
ولكن في وقت التقلبات الهائلة في الشرق الأوسط، فإن حقيقة استمرار العلاقة يعد لغزا لكثير من النقاد. ولا يفهم كثيرون لماذا يرفض الغرب بصفة عامة، والولايات المتحدة وبريطانيا بصفة خاصة، التوقف عن دعم السعودية.
"تتبع المال" هو بالطبع إجابة بديهية على هذا السؤال، لكن المال هو عامل واحد ضمن عوامل عدة.
السعوديون لديهم احتياطيات نقدية ضخمة تراكمت على مدى العقود الأخيرة. وهذا المال له نفوذ هائل في اقتصادات الغرب، في كل شيء بدءا من الخدمات المصرفية وحتى العقارات. وبالطبع هناك النفط.
في هذه اللحظة، تواصل السعودية انتاج النفط بسعر منخفض، ويمكنها تحمل ذلك نظرا لاحتياطياتها النقدية الهائلة.
ويرحب الأمريكيون بانخفاض أسعار النفط لأنه سيسبب مشاكل اقتصادية كبيرة لروسيا.
ولكي نفهم صعوبة قطع الولايات المتحدة دعمها للسعودية، على الرغم من الانزعاج بشأن حقوق الإنسان والتمويل المزعوم الغامض من مواطنين سعوديين أثرياء لجميع أنواع الجماعات التي تهدد المصالح والقيم الغربية، فإن المطلوب هو أن تطلب من أي زعيم أميركي أن يتصور الشرق الأوسط بدون المملكة العربية السعودية.
هذه الفكرة وحدها تزرع الخوف في نفوس معظم المطلعين على الأحداث في واشنطن.