سمير فريد يكتب: "نور الشريف" عندما يصبح التمثيل موسيقى بحركات الجسد ونظرات العيون

الفجر الفني

بوابة الفجر


 

فى فيلمه الروائى الطويل الرابع منذ 2007 «بتوقيت القاهرة» يقدم المخرج أمير رمسيس الممثل الكبير نور الشريف فى دور من أعظم أدواره يعود به إلى شاشة السينما بعد سنوات اقتصر فيها على التمثيل فى المسلسلات التليفزيونية، وهو دور أب يعانى من مرض النسيان المعروف باسم «ألزهايمر»، ويعيش بين قسوة ابنه الذى لا يقدر ظروف المرض، وحنان ابنته التى تعرف معنى الأبوة.

 

يستجمع نور الشريف خبرته الطويلة والعميقة فى هذا الدور، ويصل إلى ذروة جديدة فى تاريخه الحافل، حيث يصبح التمثيل فى السينما موسيقى خالصة، ولكن بحركات الجسد الذى تثقله السنون، ونظرات العيون المرهقة، والموسيقى هى أعلى درجات التعبير فى كل الفنون لأنها لغة التجريد الكامل الذى يطلق الخيال من غير حدود.

 

يحيى شكرى مراد «نور الشريف» يتمسك بالحياة حتى آخر نفس، ويعبر المخرج وهو كاتب السيناريو عن هذا المعنى من خلال بحث «يحيى» عن صاحبة صورة يمسك بها رغم أنه لم يعد يتذكر اسمها، ويسافر من مدينته الإسكندرية إلى القاهرة على أمل العثور عليها، وعلى الطريق يستقل يحيى سيارة يقودها الشاب حازم «شريف رمزى» الذى يتاجر فى المخدرات وتطارده العصابة، وتلحق بهما أميرة «درة» ابنة يحيى، وفى مقهى على الطريق يلتقى الثلاثة، ويبدو التمثيل كموسيقى فى هذا المشهد، على سبيل المثال عندما يوحى الأب لابنته أنه لا يعرفها حتى لا يعود معها إلى الإسكندرية، ويؤكد لنا كمتفرجين أنه يدعى ذلك، فالنظرات هنا تجمع بين معرفته لها والادعاء بغير ذلك فى نفس الوقت، وأسلوب إلقاء الكلمات يتضافر مع النظرات لتأكيد نفس المعنى.

 

ويتقاطع بحث يحيى عن صاحبة الصورة مع ليلى «ميرفت أمين» الممثلة المعتزلة التى تذهب إلى زميلها سامح «سمير صبرى» فى القاهرة، وتطلب منه أن يطلقها حتى تتزوج، حيث إنهما تزوجا فى أحد الأفلام، وبعد أن اقتنعت بفتوى أحد مشايخ القنوات التليفزيونية الإسلامية بأن الزواج فى السينما صحيح شرعاً طالما توفرت فيه كل إجراءات الزواج فى الواقع، وهى فتوى حقيقية أذيعت عام 2007، ونراها فى الفيلم كوثيقة تسجيلية.

 

ويتقاطع بحث يحيى المستحيل وطلب ليلى الخرافى مع اللقاء الأول داخل شقة فى القاهرة بين سلمى «أيتن عامر» ووائل «كريم قاسم» اللذين يتبادلان الحب، ولكنهما يترددان فى ممارسة الجنس قبل الزواج رغم قرارهما النهائى بالزواج، ويتجه حازم وبصحبته يحيى إلى منزل سامح ليبيع له المخدرات، وهناك يكتشف يحيى أن ليلى هى صاحبة الصورة، وكانت حبه الأول، ونكتشف أن سلمى هى ابنة ليلى التى كانت تتحدث معها تليفونياً طوال الفيلم، ويتعرض حازم للضرب المبرح من العصابة، وفى الشارع يبدو وائل وسلمى وقد قررا عدم التردد.

 

«بتوقيت القاهرة» نظرة على الواقع المعاصر فى مصر فى إطار السينما السائدة، ولكن مع محاولة لتجاوز سطحية وجمود هذه السينما، وإن كان يستسلم تماماً لما يعرف بـ«السينما النظيفة» حيث لا يعقل أن يجتمع شابان متحابان داخل شقة من دون أن يلمس أحدهما الآخر على طريقة السينما الإيرانية، والمشكلة الدرامية الكبرى فى الفيلم تكرار ما يحدث فى منزل سامح وفى الشقة التى يجتمع فيها الشابان من البداية حتى النهاية فيما لا يقل عن عشرين دقيقة زائدة من زمن الفيلم «110 دقائق»، وهذا أيضاً استسلام لأحد تقاليد السينما السائدة التى لا تعترف بفيلم من 80 دقيقة.

 

المقال نقلا عن "المصري اليوم"