د. رشا سميرتكتب : مصر المُمزقة بين شيماء والشهداء

مقالات الرأي



وتمزقت مصر.. فكدنا نسمع صوت أنينها وهى تصرُخ من شدة الألم..

وتمزقت مصر..

تمزقت بين مؤيد ومعارض.. بين من يحاولون البناء ومن قرروا الهدم.. بين من وقفوا بجانبها ومن وقفوا أمامها.. بين من ساعدوها لتقف ومن دفعوها لتهوى.. وتمزقت مصر.. تمزقت بين نظام سابق يحاول التسلق على ظهرها ليعود، وشباب حائر فى مشهد مرتبك متصورين أن السماء لن تُمطر إلا ظُلماً وأن الأرض لن تُروى إلا بدماء الشهداء..

وتمزقت مصر.. تمزقت بين إعلام مدلس وقلة تحاول التصحيح.. بين صحافة مأجورة وأقلام أقسمت على أن تشهد بالحق.. بين بشر يحاولون الإصلاح وآخرين ينبشون عن مصالحهم بخناجر مسمومة..

ارتبك المشهد.. ولكن وما الغرابة؟ فالثورة الفرنسية حققت مآربها بعد 25 عاما من الفوضى! والثورة الروسية أخذت من عمر شعبها أعواما من التخبط..

فطبيعة الثورات أبدا هى أن يقوم بها المخلصون ويقفز عليها الجبناء ويستفيد منها الانتهازيون.. ولا ننكر أن ثورة 25 يناير قد قامت على يد شباب محترم بسبب فساد أحنى ظهورهم قبل الأوان.. ولكن قفزة الإخوان عليها هى التى أربكت المشهد.. الإخوان الذين قرروا مثلما قال الرئيس فى كلمته: «أن يحكمونا أو يقتلونا»..

ولأننا رفضنا الحكم فقد ارتضينا القتال ونحن أهل له.. إن تفجيرات سيناء التى يسقط فيها حماة الوطن ليست انتصاراً.. وتفجير المول التجارى أو الجامعات ووسائل النقل، ليست عملاً بطولياً لأنها فى الحقيقة عمل خسيس وبائس. المختلف فى الثورة هذه المرة هى الجماعات المتأسلمة التى أنجبت من رحمها جماعات إرهابية سواء حملت لقب بوكو حرام أو داعش أو الحوثيين أو الإخوان.. فهى فى النهاية جماعة رفعت السلاح فى وجه عُزل.. فقتلت أطفالاً واغتصبت نساء واستباحت القتل بدم بارد.. وأين هذا من الإسلام؟ لم تستوقفنى الهجمات الإرهابية ولا يخيفنى زرع قنبلة ولا عشر.. فلن يموت شخص قبل قدره بيوم واحد.. لأن الأعمار بيد الله.. ما يستوقفنى ويحزننى حقا هو الأطياف الأخرى.. الأطياف التى لا تنتمى لجماعة الإرهاب ولكنها تعتقد أن عليهم كمثقفين التعاطف مع تلك الجماعة ومع رئيسها غير الشرعى، لمجرد نيل لقب (النخبوية).. لن أنسى حواراً أجريته مع شاب متعلم لديه قناعة بأن الجيش المصرى يقتل أبناءه فى سيناء لتقوية عقيدة الكره لدى المصريين ضد الجماعة!.. يا خسارة!.. كما استنكر مشهد الناشطات اللائى نزلن فى وقفة فى ميدان طلعت حرب للتنديد بمقتل شيماء وهتافاتهن المُعادية للشرطة والجيش.. تلك الوقفة التى سبقت تفجيرات سيناء بساعات، وكنت أتوقع أن ينزلن فى اليوم التالى منددات بمقتل جنودنا فى سيناء.. فالموت قدر لا يفرق بين الأشخاص نتيجة لاتجاهاتهم السياسية!.

أين الناشطات إذن من مقتل الجنود المصريين؟! نعم.. تعاطفنا مع مقتل شيماء لأنها بشر، ومازلت أستجدى تعاطفهن لأن جنودنا أيضا بشر والتعاطف معهم حتمى لأنهم على الأقل كانوا يؤدون واجبهم.. فحين مات 12 شخصاً فى جريدة شارلى إبدو كانت مهنتهم امتهان الأديان والرسل، تعاطف العالم وشارك العرب وقامت الدنيا ولم تقعد.. أين المجتمع الدولى إذن من مسيرة تندد ضد الإرهاب فى سيناء؟!.. لم ولن أفهم موقف الممثل خالد أبوالنجا الذى أخطأ مرارا فى حق الوطن فى وقت أقل ما يقال عنه أنه عصيب.. وهاهو اليوم وفى وقت تفيض فيه دماء المصريين أنهارا يطالب الرئيس بالرحيل حقنا للدماء!.. شىء مخز أن تهون أعراض الأوطان على أيدى مثقفيها (يا خالد بك يا تخليك فى التمثيل، يا تاخد بعضك وتروح تطوع فى الجيش وتورينا الجدعنة بجد)..

وعلى النقيض أحترم أحمد حلمى الممثل المصرى الذى انهمرت دموعه على أبناء وطنه الذين قتلهم الإرهاب.. فهكذا يصبح الممثل قدوة لأجيال تحترمه..

لن ينتصر الإرهاب.. ولن تنحنى مصر أبدا..

فغدا سوف تشرق الشمس حتى لو سقط ألف شهيد كل يوم..

فمصر حاربت الاستعمار.. وانتصرت على الاحتلال.. وأبادت الطاعون.. وقهرت جفاف النيل.. واجتازت المجاعات..

فإن مع العسر يسرا.. إن مع العسر يسرا..

ولكن يا أبناء مصر.. دعونا نتحد ولا نتفرق.. دعونا نأتلف ولا نختلف.. دعونا نتصدى للإرهاب يدا واحدة.. دعونا نرفع لافتات (لا للإرهاب) من أجل شيماء ومن أجل الشهداء..

فالدم مصرى والعرض مصرى.. فأنا وأنت وهى وهو وجميعنا.. مصرى..