تفسير الارتباك "التركي" من المشاركة في "عاصفة الحزم"

أخبار مصر

أرشيفية
أرشيفية


أوضحت دراسة صادرة عن المركز الإقليمي للدراسات الإستراتجية بالقاهرة، أن الموقف التركي إزاء عملية "عاصفة الحزم" اتسم بالتأخر والتلكؤ، وهو ما عبر عنه بيان وزارة الخارجية التركية، الذي أعلنت من خلاله أنقرة دعمها للعمليات العسكرية التي قادتها المملكة العربية السعودية بالاشتراك مع دول خليجية وعدد من الدول العربية والإسلامية لمواجهة التمدد الحوثي في اليمن. وقد بدا أن القصد من ذلك استيضاح نمط المواقف الإقليمية والدولية الداعمة للعمليات العسكرية، فضلا عن محاولة استجلاء مسار هذه العمليات وقدرتها على تشكيل عنصر ردع في مواجهة الحوثيين والقوى التي تدعمهم.


ووفقًا للباحث محمد عبد القادر خليل، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فقد أعلن البيان التركي الذي جاء بعد نحو 12 ساعة على الهجمات العسكرية، "دعم العملية التي بدأها التحالف بطلب من الرئيس الشرعي المنتخب، عبد ربه منصور هادي"، وندد البيان بالتحركات العسكرية التي تبنتها مليشيات جماعة الحوثي للسيطرة على مدينة عدن، مشيرا إلى أن "الجماعة لم تنسحب من صنعاء، والمؤسسات الحكومية، ورفضت جميع الاتفاقات التي جرى التوصل إليها، بما فيها قرار مجلس الأمن".

وأضاف البيان أن "هذه التطورات أخرجت عملية الانتقال السياسي التي بدأت عام 2011، في إطار مبادرة مجلس التعاون الخليجي عن مسارها، وقلبت مكتساباتها، وخلقت أرضية قد تستغلها المنظمات الإرهابية، وشكلت تهديدا خطيرا للأمن والاستقرار والسلم الدولي، وستعمق المشاكل الإنسانية والاقتصادية التي يواجهها الشعب اليمني".

إبراء ذمة:

وبقدر ما كان مستغربا تأخر رد الفعل التركي الذي بدا شكليا أكثر منه عمليا ليغدو وكأنه عملية إبراء ذمة ومباركة للعمليات العسكرية ليس أكثر، فقد كان من المستغرب على نحو أكبر ألا تشارك تركيا ذاتها في هذه العمليات لاعتبارات عديدة: 

أولا، التعويل التركي على تحسين العلاقات السياسية والأمنية مع المملكة العربية السعودية، وذلك في محاولة منها لاستغلال السياسات الانفتاحية التي تتبناها القيادة السياسية بقيادة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز حيال بعض دول الإقليم، وعلى رأسها تركيا. 

ثانيا، مراهنة المملكة العربية السعودية على تحالف عربي إقليمي (سني) لمواجهة التمدد الإيراني المساند للتحركات الميدانية لمليشيات الحوثي سواء حيال مدينة عدن أو بالقرب من الحدود اليمنية مع الأراضي السعودية.

ثالثا، وجود عشر دول عربية وإسلامية اشتركت بأدوار مختلفة لمواجهة "الانقلاب الحوثي" فيما غابت تركيا عن هذا التحالف، بما يجعل تركيا أشبه بالشريك في المكاسب الغائب عند المغارم، فيما يمكن تعريفه سياسيا بـ"الانتهازية التركية"، التي تحضر وقت تصاعد التهديدات وتغيب لحظة المبادرة بمواجهتها. 

رابعا، كثافة التحركات التركية من قبل القيادات السياسية والأمنية والعسكرية في الفترة الأخيرة حيال المملكة العربية السعودية بالإضافة إلى توقيعها اتفاقية للتعاون العسكري مع قطر، غير أنها تحركات وتطورات لم تثمر حتى الآن عن وجود رد فعلي تركي على أرض العمليات حين استدعت ولو على نحو غير مباشر للاختبار في لحظة الحقيقة أو في التوقيت الكاشف.

الاختبار التركي أوضحته تركيا ذاتها حينما أعلنت من ناحية أولى، أنها كانت على علم مسبق بهذه العمليات، وهذا العلم لم يكن من الطبيعي أن يقصد في ذاته بقدر كونه جاء في سياق الرغبة السعودية في توسيع التحالف العربي- الإسلامي لمواجهة المليشيات الحوثية في اليمن ومنع تقدمها إلى الجنوب اليمني ومدينة عدن.  

ومن ناحية ثانية، حينما أكدت تركيا هذا العلم المسبق قبل الإعلان رسميا عن بدء العمليات العسكرية بإصدارها تحذيرات إلى مواطنيها من السفر إلي اليمن. وقالت وزارة الخارجية التركية، في بيان لها "نجدد تحذيراتنا لرعايانا ممن لازال يتواجد في جمهورية اليمن، بضرورة مغادرة الأراضي اليمنية مباشرة، والعدول عن السفر لليمن لمن ينوي الذهاب إليها إلا للضرورة القصوى".

تفسير الارتباك:

تتعدد الأسباب التي تجعل سمة الموقف التركي التراجع والارتباك، والتي تفسر على جانب آخر نمط الحسابات التركية من العمليات العسكرية التي تستهدف دعم الشرعية ومواجهة المليشيات الانقلابية الحوثية: 

1- طبيعة العلاقات التركية- الإيرانية، فعلى الرغم من محاولة بعض الدول الخليجية تحسين العلاقات مع تركيا لتدشين "محور سني" في مواجهة طهران، غير أن هذا غير ممكن بسبب النفوذ الإيراني في المؤسسات الأمنية التركية والعلاقات الاقتصادية مع طهران، هذا بالإضافة إلى أن هناك شبه اتفاق تركي- إيراني على حدود التصعيد المتبادل بشأن قضايا الخلاف، فإيران تدعم بشار الأسد، ومع ذلك لم يرَ أردوغان مانعًا في أن يدلي بتصريح مثير عندما زار إيران العام الماضي حيث قال "إيران هي بيتي الثاني"، ومن المنتظر أن يزور أردوغان إيران هذا العام أيضا. 

2- نمط التعاطي مع التهديدات الأمنية، كان من الواضح أن إستراتيجية تركيا حيال التهديدات الإقليمية التي تواجهها هى ذاتها أو تلك التي تواجه بعض القوى الإقليمية الأخرى، تقوم على تأجيل المخاطر لا إنهائها، كما أنها تتبع ذات التكتيكات الإيرانية التي تقوم على بناء النفوذ ودعم التقسيمات العرقية والطائفية في المنطقة، بما يجعلها بمنأى عن مواجهة سياسات هى ذاتها تتبناها.

3- الموقف من التحالفات العسكرية: تركيا لم تشارك عسكريا في التحالف الدولي لإسقاط صدام حسين عام 2003، ولكنها دعمت بعد ذلك تنظيمات إسلامية متطرفة، كما أنها تكاد تكون الدولة الإقليمية الرئيسية عبر الإقليم التي لم تشارك في التحالف الدولي– الإقليمي لمواجهة تنظيم داعش في سوريا والعراق، سواء من خلال طلعات جوية أو من خلال فتح قواعدها العسكرية أمام دول حلف الناتو، واستعاضت عن ذلك بدعم التيارات التركمانية وتيارات متطرفة عبر الإقليم.

4- التخوف من التحالفات الأمنية العربية: شهدت الساحة العربية تطورات ملموسة نقلت العمل العربي المشترك من مأزقه التاريخي كأسير لسياسات رد الفعل إلى إستراتيجيات المبادرة، اتضح ذلك في ضربات مصرية لتنظيمات متطرفة في ليبيا بغطاء سياسي من الدول العربية، هذا بالإضافة إلى تبلور تعاون عسكري عربي متصاعد جسده مؤخرا عدد غير مسبوق في المناورات العسكرية بين كل من مصر والسعودية والإمارات.

قد يزيد ذلك من مخاوف تركية من أن تشكل هذه التطورات بالإضافة إلى العمليات العسكرية العربية في اليمن المنطلق الذي يجعل مقاربة مصر لتشكيل قوات عسكرية مشتركة واقعا عمليا بمقتضى التطورات على أرض العمليات، خصوصا بعد موافقة وزراء الخارجية العرب على قرار بهذا الخصوص، وهو ما يحد من الدور الإقليمي لتركيا، الذي تأسس على فراغ القوة الإقليمي، الذي ارتبط بحالة التشتت العربي والافتقاد لأجندة الحد الأدنى لتنسيق المواقف حيال ملفات التوتر في الإقليم.

5- القلق من التحول في توجهات الحلفاء: بدا واضحا أن ثمة تحولات في علاقات بعض حلفاء تركيا التقليدين، حيث شاركت قطر في العمليات العسكرية كما أعلنت السودان عن إغلاق كافة المكاتب الإيرانية في السودان وأعلنت كذلك مشاركتها في التحالف العربي الإسلامي لمواجهة الانقلاب الحوثي في اليمن، وهو أمر يقلل من هامش المناورة التركية، لتبدو معزولة إقليميا كونها من القلة القليلة التي لم تشارك في العمليات العسكرية.

وقد سبق ذلك تحولات ملموسة في مسار العلاقات المصرية السودانية، وهناك حديث عن جهود مبذولة لتوفير أجواء مناسبة لتحسين العلاقات المصرية مع قطر، بفعل جهود سعودية تعي قدرة مصر وأهمية دعم ومساندة دورها الإقليمي الداعي للاستقرار في مواجهة القوى الداعمة لتيارات العنف والتطرف.

6- الخشية من التداعيات الاقتصادية: المتابع لطبيعة السياسات التركية بشأن التعاطي مع ملفات الإقليم الملتهبة وبالتحديد في المناطق القريبة من منطقة الخليج العربي، يجد أن الدافع الأساسي لها المحركات الاقتصادية، بما يجعل تركيا في حقيقة الأمر رغم بيانها بشأن "عاصفة الحزم" قلقة من مسار التفاعلات في الإقليم، وذلك لكونها قد تؤثر على أسعار النفط عالميا، وكذلك تراجع معدلات السياحة العربية في تركيا، فمن ناحية تمثل قيمة واردات النفط التركية ثلثي العجز في ميزان تركيا التجاري، فيما تشكل عائدات السياحة أهم بند في تغطية هذا العجز.

7- الأقلية العلوية والانتخابات البرلمانية: تشهد تركيا في الوقت الراهن نمط غير مسبوق من التوترات السياسية بسبب الصراعات المتصاعدة داخل الحزب الحاكم، فضلا عن تطورات العملية السياسية مع الأكراد، هذا بالإضافة إلى طبيعة مواقف مواطني تركيا من العلويين سواء بسبب السياسات التركية حيال نظام بشار الأسد أو من أي مشاركة تركية في عملية عسكرية ضد الحوثيين في اليمن. 

ويأتي ذلك في ظل الاستعداد التركي للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في يوليو المقبل، والتي يبغي فيها الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية عدم خسارة الصوت العلوي، خصوصا في ظل المؤشرات التي تعكس تراجع شعبيته في الأوساط التركية.

توازنات مستجدة:

عدم مشاركة أنقرة في العمليات العسكرية والاكتفاء ببيان إبراء الذمة يوضح أن التصريحات التركية المختلفة بشأن مناصرتها للعملية الديمقراطية والحكومات الشرعية في دول المنطقة ليست موجهة إلا للاستهلاك المحلي، فحينما وضعت بالاختبار لم تعلن مشاركة فعلية في مواجهة القوى التي تسعى للانقلاب على شرعية الرئيس اليمني. ويبدو واضحا أن تركيا ستظل تتبع إستراتيجية Wait and see، لتضمن مصالحها مع جميع القوى المتصارعة بما فيها إيران ذاتها. 

التداعيات الرئيسية لذلك قد تزيد من عزلة تركيا بمقتضى الأمر الواقع وترسخ الحضور المصري باعتبار أن الدولة المصرية كانت حاضرة في الموعد المحدد، وأعلنت مشاركة عسكرية تمثلت في قوات جوية وبحرية وأعلنت استعدادا لدعم قدرات المواجهة البرية، وهو أمر يثبت أن إمكانية التفاعل الإيجابي العربي مع التحديات الأمنية المتصاعدة لا تتوقف على مساندة دول الجوار الجغرافي والتي تحولت في واقع الأمر إلى عنصر تهديد واستنزاف للقدرات. 

لذلك، فإنه إذا ما توقفت العمليات العسكرية عند هذا الحد سيكون من الواضح أن ثمة تصاعد للتحالف المصري الخليجي على حساب كافة الاتجاهات الداعية لتوثيق العلاقات مع تركيا، وحال ما تصاعدت العمليات العسكرية ووصلت إلى حد التدخل البري سواء للدفاع عن الحدود السعودية أو لمواجهة التمدد الحوثي على الأرض، سيتعاظم التحدي التركي وسيستمر الاختبار بشأن القدرة على المشاركة عمليا في دعم القدرات العسكرية الخليجية، وليس محض إعلان الاستعداد لتقديم الدعم اللوجستي لعملية "عاصفة الحزم" كما أعلن أردوغان، خصوصا أن ثمة مؤشرات تشير إلى تزايد احتمالات حدوث تدخل بري، ذلك أنه فيما حشدت السعودية نحو 150 ألف على حدودها مع اليمن ثمة مؤشرات تشير إلى حشود حوثية أيضا بالقرب من هذه الحدود.