إسرائيل لم تنجح في حربها على غزة

العدو الصهيوني

بوابة الفجر



في يوم 29 (يوليو) من العام 2014، عندما كانت الحرب على غزّة في أوجها، نقلت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيليّ، عن وزير المالية آنذاك، يائير لبيد، قوله في أحد اجتماعات المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنيّة والسياسيّة، التي تناولت مطالب المقاومة الفلسطينية لوقف إطلاق النار: كيف تصل الوقاحة بهؤلاء العرب أنْ يطرحوا مثل هذه المطالب؟، بحسب تعبيره، ربمّا هذا التصريح يدُلّ على العنجهيّة الإسرائيليّة أوْ على الشعور بالإحباط الذي ساد دوائر صنع القرار في تل أبيب حيّال صمود الفلسطينيين في العدوان البربريّ عليهم.

وأكثر من ذلك، الحرب الأخيرة التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزّة وضعت أوزارها في الصيف الماضي، ولكن على الرغم من مرور هذه المدّة الزمنيّة، ما زالت مراكز الأبحاث والخبراء وصنّاع القرار يُحاولون سبر غور هذه الحرب، التي استمرّت، خلافًا لكلّ التقديرات، أكثر من خمسين يومًا. الجميع يُوافقون على أنّ الجيش الأقوى في الشرق الأوسط لم يتمكّن من حسم المعركة مع الفصائل الفلسطينيّة، وتحديدًا حركة حماس، التي ما زالت تقُضّ مضاجع الإسرائيليين، قيادةً وشعبًا، بسبب مُواصلتها بتعظيم ترسانتها العسكريّة على الرغم من الحصار وهدم الأنفاق والتنسيق بين تل أبيب والقاهرة لمنع تهريب الأسلحة من سيناء إلى القطاع. 

دافيد بن غوريون، مَنْ يُطلقون عليه الصهاينة مؤسس إسرائيل، والذي شغل منصب أوّل رئيس وزراء وضع الدوكترينا العسكريّة، التي اعتبرت الكتاب المُقدّس للعقيدة الإسرائيليّة: حسم المعركة بسرعةٍ فائقةٍ (عدوان حزيران من العام 1967)، وإدارة المعركة في أراضي العدو وعدم السماح لها بالانتقال إلى العمق الإسرائيليّ، هذه الدوكترينا تحطمّت ودُّمرت في قطاع غزّة، فحتى الدقيقة التسعين واصلت المُقاومة إمطار جنوب الدولة العبريّة بالصواريخ، علاوة على أنّ الحرب لم تُحسم، والأخطر من ذلك، بنظر الإسرائيليين، أنّها استمرت أكثر من خمسين يومًا، على الرغم من عدم تكافؤ القوّة بين الطرفين المُتحاربين. 

وعلى سبيل الذكر لا الحصر، قال الجنرال في الاحتياط، غيورا آيلاند، الذي شغل منصب مدير مجلس الأمن القوميّ الإسرائيليّ إنّ تل أبيب لم تنجح في حربها على غزة، في فرض مبدأ (الحرب الخاطفة)، الذي يُعتبر أهّم مرتكزات العقيدة القتاليّة، وهو المبدأ الذي يضمن تحقيقه تقصير أمد الحرب إلى أقصر مدّةٍ ممكنةٍ، عبر استخدام أكبر قوة ممكنة من النيران، وبحسبه، فإنّ إطالة أمد الحرب تعني إرهاق العمق المدنيّ الإسرائيليّ، والمسّ بقدرته على الصمود، ولقد بدت مظاهر إحباط المجتمع الإسرائيليّ من إطالة أمد الحرب واضحة للعيان، وتحديدًا في كل ما يتعلّق بالأوضاع النفسية للإسرائيليين.

من جهته، رأى أستاذ علم النفس الاجتماعيّ يائير كاسبي، أنّ تجذر اليأس من تواصل الحرب، التي أبت أنْ تضع أوزارها، قد أثقل نفسيًا على المجتمع الإسرائيليّ، مُوضحًا أنّ المجتمع بات يهرب من الواقع المرير عبر إنكاره.
 وتابع في مقالٍ نشره بصحيفة (هآرتس) أنّ الإنكار يتجسّد في طرح الإسرائيليين حلولاً غير واقعيّة، خياليّة تُوفّر إحساسًا مضللاً بوجود ثمة مخرج، دون أنْ تحقق أي نتيجة، ولفت إلى أنّ أوّل هذه المظاهر يتمثل في الدعوة إلى تدمير غزة، مؤكّدًا على أنّ الإسرائيليين الذين يرددون هذه الدعوة يعون أنّ تحقيق هذا الهدف ليس ممكنًا. 

أمّا مظهر الإنكار الثاني، وفق كاسبي، فيتمثل في تجذر الشعور بالذنب لدى قطاعات من المستوطنين، الذين تعرضوا لإطلاق الصواريخ من غزة، إذْ يشير إلى أنّ هؤلاء باتوا يعتبرون أنّهم يتحملون مسؤولية عن المعاناة التي تتعرض لها الدولة بأسرها، لذا لم يترددوا في الدعوة إلى الاستجابة لمطالب حماس، مُشدّدًا على أنّ هذا السلوك يتناقض مع الدعوة إلى تدمير غزة.

وأشار كاسبي إلى أنّ التأزّم النفسيّ الناجم عن العجز عن الصمود في ظل استمرار الحرب، دفع بالكثيرين إلى التعبير عن رغبة في الفرار من إسرائيل، كحلٍّ مريحٍ، ويلفت إلى أنّ الإنكار كمظهر من مظاهر الإحباط، لم يكن من نصيب رجل الشارع الإسرائيليّ فقط، بل أنّ النخب السياسيّة والعسكريّة الحاكمة طورت مظهراً من الإنكار يتمثل في ادعاء تحقيق الانتصار، مُوضحًا أنّ حكّام إسرائيل ومن أجل إضفاء شرعية على مزاعم النصر، باتوا يعِدون الجمهور بهدوءٍ طويلٍ سيسود بعد انتهاء الحرب، بفعل تأثير الردع لاحقًا. 

من ناحيته، رأى مُحلل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس) عاموس هارئيل، أنّ إسرائيل هي التي منحت (حماس) صورة انتصار كبيرة عندما سمحت للمستوطنين في جنوب إسرائيل بالفرار تحت وقع صواريخ وقذائف الحركة، مُعتبرًا أنّ هذا السلوك الإسرائيلي هو بمثابة مكافأة لحماس. كما شدّدّ على أنّ هذا الواقع أدّى إلى تقليص قدرة المستوطنين على الصمود إلى حدٍ كبيرٍ، ولكن هذا القول لم يمنع من قائد المنطقة الجنوبيّة في الجيش الإسرائيليّ، الجنرال سامي تورجمان، من التصريح مؤخرًا لصحيفة (يديعوت أحرونوت) إنّه سيُوصي في الحرب القادمة مع غزّة بإخلاء المُستوطنين من ساحة القتال، على حدّ تعبيره.

 والأهّم من كلّ ذلك، أنّ قادة تل أبيب، من المستويين الأمنيّ والسياسيّ، يُقّرون اليوم أنّه على الرغم من الحرب الأخيرة على غزّة، فإنّ حماس ما زالت مستمرّة بتطوير ترسانتها العسكريّة، بإجراء تجارب صواريخ في البحر الأبيض المتوسّط، وتُواصل في الوقت عينه حفر الأنفاق الهجوميّة، الأمر الذي يدفع بالكثيرين من المسؤولين الإسرائيليين إلى التصريح بأنّ المُواجهة مع حماس قادمة لا محال، والسؤال ليس هل تنشب المعركة، إنّما متى، بحسب تعبيرهم.