احمد يونس يكتب : الصراع من أجـــل الميدالية الذهبية فــى رياضة العض

مقالات الرأي



كالمطرب النشاز الذى يصر على أن يغـنى: تعالى لى يا بطة، بمصاحبة أوركسترا القاهرة السمفـونى. هكذا بدا الإعلام الرياضى، من خــلال بعــض كهنته أو الدخلاء عليه. أراد أن يقفز، على غفلة من الجميع، إلى حــلبـة الجدل الســياسى المشتعــل حالياً على جميع الجبهات، فـكـانت النتيجـة كــارثـية بكل المقاييس. ما حدث بالضبط هو أن هؤلاء أعطوا الانطـباع بأنهم لا يختلفون كثيراً عن البلانة التى تدخل الحمام مع السيدات، عندما تتحدث بمنتهى الثقة فى النفس عن أحدث تطورات الهندسة الوراثية. المشهد الذى يبعث على الرثاء حقاً، ظهر لكل مـن رآه كما لو أن واحداً من محترفى المصارعة الحرة الضخــام الجــثة قد احتل خشـبة المســرح دون ســابـق إنذار، ليشارك الراقصة الأولى بطولة باليه بحيرة البجع.

وعلى الرغم من تاريخى الطويل مع التسكع فى حــوارى العــالم، لم أسمع أبداً عن برامج الساعات الســت أو الســبع أو العشــر إلا هنا. لم أسمع أبداً عن برامج الثرثرة العقيمة التى تستمر من الظهيرة إلى ما بعد منتصف الليل. بل إنها تمتد فــى بعض الأحيان إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الأسود. الجنس البشرى بأكمله يجنح إلى الإيجاز على مستوى التعليم أو الصحــافة المقــروءة أو المسمــوعة أو المرئية. الدنيا كلها تعتبر أن عمر الإنسان ما هو إلا فــتـرة زمــنـية محدودة من الغباء أن يضيعها الواحد فــى الوضع جالساً كالمـنوم مـغـناطيسياً أمام شاشة التليفزيون. وقد تمكن المصريون فى 1973 من أن يجـعـلوا العـدو الإسـرائيلى يفقد توازنه فــى أقـــل من ست ساعات. لكـن من الواضح أن هــناك مـن يعتقدون أن تحليل مباراة لكرة القدم أصعب مــن اجتياح خط برليف.

المصيبة أن أصحـاب تلك البوتيكــات الإعلامو رياضــية يقضون كـل هـذا الوقـت فــى التلاسن، على طريقة خــالتى بمبة التى لا تشعر بأهميتها فـى الحــتـة، إلا إذا تشاجرت مع الجيران والمارة وقطط المــنـاور والبياعين السريحة. يتبادلون الاتهامات الماسة بالشرف على الهواء مباشرة، ولا يضيعون الفرصة فى انتقــاء تشـكــيلة الألفــاظ الأكــثر إهــانـة لكرامة مـن يقعون بين أيديهم. إلا أن الحـالة السـيكـوباتية لهؤلاء تدهورت بشكــل ملحــوظ فـى الآونــة الأخيرة. أصبحت السـاعـات السـت أو الســبـع أو العـشـر التى يستغرقها البرنامج مخــصصـة كـلها لرياضــة مستحــدثة هى التشـاتم بالأسنان. ولم يعد من المستغرب أن يتفرج المشاهد على منافسة حامية فــى إبراز الأنياب التى لا تلبث أن تنغرس فــى لحم الآخرين، ولا أستبعد أن يبـلغ الصراع أشـــده قريباً من أجل الفوز بالميدالية الذهبية فى رياضة العض بالكلمات.

على أن الطامة الكبرى هى قـرار هؤلاء هكذا فجأة بالسطو المسلح على عــلـم التحليل السياسى، كما لو أن ثورتَى 25 يناير أو 30 يونيو لم تندلعا، ولا أعلنت جماهير الشعب عن إرادتها الحرة فــى الإطاحة بالعقلية الفاسدة التى أدار بها النظامان البائد أو الأبأد شئون البلاد.

النتيجة الحتمية لهذا الوضع المقلوب هى أن يعـانى هؤلاء من الأمية السياسية فــى أتعــس صــورها. لا أحد يمـانع بالتأكــيد فــى أن تكون لدى الإنسان أفـكــار أو مواقـف تتعلق بمصير الوطن. بالعكس على طول الخط. ما نرجوه هو أن يشارك الجميع فــى الحــوار الوطــنى الدائر. المواطن البسيط يعرف بالفطرة كيف يحدد اتجاه الريح. كما يعرف بثقافته الشعبية التى تتراكم منذ آلاف السنين كيف يميز بين المناضلين الشرفاء والكائنات التسلقية التى وجدت بيئتهـا المـناســبة تحت فـرشــة حذاء هذا الحاكم أو ذاك. وعلى هؤلاء أن يتعلموا من المواطن البسيط، أو يواظبوا أولاً على فصول محو الأمية السياسية، ما لم تكن لديهم دوافع أخرى أقل احتراماً.