محمد مسعود يكتب: محفوظ صابر.. وزير عنصرى كشف عورة المجتمع

مقالات الرأي




لم يعد اللجوء للأحلام، هربا من الحقيقة.. حلا لمشكلة انعدام الأمل.. وهربا من واقع بات من المستحيل تغييره، فى بلد تحالف عليه، الفقر، والجهل.. والفساد.

مجتمع، حرّم على البسطاء أحلامهم، جعل «الأمل» سلعة، لا يملكون ثمنها، والسعادة تجارة، لا يربحها سوى الأثرياء، والمستقبل مظلم، فى عيون سكنها اليأس.

أصحاب المهن البسيطة، لا هم لهم سوى أن يكون أبناؤهم أوفر حظا فى دنيا حرمتهم وقزمتهم، وجعلت لفقرهم رائحة كريهة تزكم أنوف العاملين فى مؤسسات الصفوة، لذا.. فهم يقطعون من قوت يومهم، يواصلون الليل بالنهار، يلملمون ساعات الشقى ليغزلون عصابة الأحلام الوردية التى يضعونها فوق أعينهم، ويصبح الأبناء مستودعًا لأحلام مشوهة غير مشروعة، لم يقدر الآباء على تحقيقها، فيحاولون مع أولادهم، غير أن الأولاد أيضا يعاقبون بفقر ووظائف آبائهم.. البسيطة.

حلقة مفرغة، يلفون فيها.. ولا يكلون، مادامت عصابة الأمل فوق أعينهم، لكن ما إن ترفع العصابة ويرون الحقيقة التى غضوا البصر عنها عامدين، سيغضبون، وسيغضب الجميع لغضبهم، حتى العنصرى، سيتهم عنصريًا مثله.. بالعنصرية!.

ولهذا السبب كانت تصريحات وزير العدل «السابق» محفوظ صابر، صادمة، موجعة، ومحزنة، أطلق محفوظ رصاصات اخترقت أملاً كان سيتلاشى مع الوقت، ونزع عصابة أحلام كانت الظروف -حتما- ستذيبها.

المعروف للجميع أن أبناء عمال النظافة، لا يحق لهم الدخول إلى سلك القضاء، لم يكن الأمر سرا، ليس لأن المجتهدين منهم غير جديرين به، ولكن لأن المجتمع المصرى قائم على التوريث، سواء فى سلك القضاء المتهم دائما فى مصر بالتوريث، بدليل أن الغالبية العظمى من القضاة أبناؤهم يعملون فى السلك القضائى، ومن هنا أصبح التوريث عادة، فى القضاء والطب والهندسة، والطيران، والمهن اليدوية، والفنية والسينمائية.. ولعل الوحيد الذى فشل فى تطبيق مشروع التوريث فى مصر هو الرئيس المخلوع حسنى مبارك!.

إذن، دعونا نعترف بشجاعة وجرأة «محفوظ صابر»، الذى خلع عصابة الأحلام الوردية عن أعين البسطاء، وأخبرهم أنهم وأبناؤهم وعائلاتهم، مجرد صفر على الشمال، ليس بناء على رغبته أو بحكم أصدره قاض يطبق القانون، بينما بحكم المجتمع، فالدستور المصرى كما جاء فى بيان أصدرته مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، استنكرت فيه تصريحات وزير العدل – الذى أصبح سابقًا – ينص فى مادته الرابعة عشرة إن الكفاءة هى المعيار الوحيد فى تولى الوظائف العامة، غير أن  المادة 53 من الدستور تحظر التمييز بين المواطنين على أساس أى اعتبارات»، وقررت المؤسسة فى بيان أصدرته عقب تصريحات الوزير السابق بيوم واحد، أن تتقدم ببلاغ ضده إلى النائب العام تتهم فيه  محفوظ صابر بالحنث بالقسم، وتطالب بتطبيق أحكام الباب الخامس  من قانون العقوبات عليه، فالرجل أقسم عند توليه منصبه أن يحترم الدستور والقانون، وتصريحاته الأخيرة  تشكل  مخالفة صريحة لهذا القسم.

أصبح محفوظ صابر، فجأة متهما، من وزير عدل، مسئول عن حقيبة وزارية تحمل اسم من أسماء الله الحسنى، إلى متهم ظالم وعنصرى وحانث باليمين، يطلب الجميع القصاص منه، كونه أدلى بتصريحات عنصرية.

والحقيقة أن تصريحات وزير العدل السابق، بقدر عنصريتها، بقدر صدقها، فالرجل لم يقل غير الحقيقة، وما يحدث فى سلك القضاء يحدث فى وزارة الخارجية، ولعل الدليل الأبرز على ذلك، واقعة عبد الحميد شتا، الذى انتحر غرقا فى نهر النيل فى 18 يوليو 2003، احتجاجا على خلو كشف المعينين بالسلك الدبلوماسى من اسمه فى مسابقة تقدم لها 5 آلاف شاب فى وزارة الخارجية لا لشىء إلا لأنه ابن فلاح.

يئس عبد الحميد شتا، وعندما تمكن منه اليأس، قرر الذهاب إلى ربه، فهو أحن وأبقى، لا يعرف ظلم الحكومة، ولا واسطة ومحسوبية الكبار، ترك لهم الدنيا بما فيها، احتجاجا على احتقاره، والآن وبقدر صدق تصريحاته، إلا أنها عبرت عن احتقار مهن يمتهنها البسطاء، وعلى ذلك تمت الإقالة أو «الاستقالة»، لا لشىء إلا لأن محفوظ صابر، لم يضع رأسه فى رمال مجتمع النعام، رفع رأسه، ومادام رفعها.. كان لابد من قطعها.

وزير العدل، وعامل النظافة، كلاهما وقع عليه الظلم البين من المجتمع، فالأول، أغضبت تصريحاته «العنصرية» مجتمعًا من العنصريين، فكيف لا يتجمل؟، ولماذا لم يوار الحقيقة؟، كيف يستخدم مشرط الجراح لإزالة الوهم الذى أدمنه أصحابه؟، وعلى أى أساس يمنعهم من حقن الأمل التى كانت تسكن أوجاعهم؟، رغم عدم جدواها، لأنها فى الأساس أحلام من قش، ستطير مع هبوب رياح الواسطة والمحسوبية التى يعشقها المصريون كعشق الشيطان للعبد الضال.

أضاعت صراحة الوزير منصبه، وأضاعت «وضاعة المهن» مناصب أشخاص كانوا يستحقونها، والذنب فى ذلك ليس ذنب ابن عامل النظافة، وليس ذنب وزير العدل، بينما المسئولية الكبرى تقع على عاتق التمييز بين الرجل والمرأة والغنى والفقير، والمسلم والمسيحى، والأهلاوى والزملكاوى، كلنا عنصريون.. وكلنا ضحايا العنصرية.

والسؤال: بإقالة أو استقالة محفوظ صابر هل سيدخل ابن عامل النظافة سلك القضاء؟، قطعا لن يدخله، ولن يعين فى الخارجية أو كليات الشرطة، المسألة أصبحت أكبر من وزير العدل وعامل النظافة.. المسألة أصبحت مرضا أصاب المجتمع اسمه العنصرية.