منال لاشين تكتب: الوزير المتحرش

مقالات الرأي



■ سافر مع عشيقاته لفرنسا بطائرة رجل أعمال هرباً من مطاردة زوجته
■ خصص جناحاً لغرامياته فى فندق فخشت نجمات المجتمع الذهاب لهذا الفندق خوفاً من تحرشه
■ تحرش بمذيعة شهيرة فانهارت باكية.. وحاول التحرش بنائبة ففضحته


كان رئيس مجلس إدارة الجمهورية السابق سمير رجب عائدا من الحج، وكان بعض من قيادات المؤسسة فى شرف استقباله، وقال له أحدهم المقولة الشهيرة حج مبرور وذنب مغفور، فرد عليه آخر «الرئيس مالوش ذنوب عشان تتغفر»

هكذا يكون التعامل مع الرؤساء فى دولة الفساد، فالخوف من الرئيس أكثر من الخوف من ربنا، وقد سمعت أحد الوزراء السابقين يفسر هذه الظاهرة بسخرية، فقال «أصل اللى بيشتغلوا جنب مبارك عارفين إن ربنا ممكن يغفر الذنوب ويسامح لكن مبارك لا».

ولكن هذا الوزير المتحرش كان يخشى من زوجته أكثر من خشيته من ربنا والرئيس، ولكن خوفه من زوجته لم يمنعه لا من إقامة علاقات ساخنة وفاضحة، كما أن خوفه من الرئيس لم يمنعه من أن ينفق على علاقاته من أموال الدولة، وهذا الوزير تحديدا يكاد يكون الوحيد بين مجموعة الوريث جمال مبارك الذى لم يكن يخفى علاقاته النسائية ويفخر بها. كما أنه الوزير الوحيد فى مجلس الوزراء كله الذى كان يهوى التحرش بالنساء المحترمات من كل المستويات، وبحسب تعبير وزير من نفس الشلة «فلان ده ما بيعتقش»، وربما تكون عقدته من قبحه وراء عادة التحرش التى سببت له مشاكل كثيرة، ولكنه خرج منها كلها بفضل قوته ونفوذه.

والجمال فى الرجال قد لا يكون العنصر الحاسم فى نظر المرأة، ولكن هناك قبحاً من نوع خاص. ليس قبح الملامح فحسب ولكن الانطباع الذى يتركه وجهه على الناس.عدم الراحة القلق والقرف، وأظن أنه من الرجال القلائل الذين أعرفهم الذى كان يكره لون بشرته كوباء، وكان لون بشرة صديقاته أو عشيقاته له الأولوية فى اختيارهن، فقد كان ينهار كلما رأى فتاة أو امرأة شاهقة البياض وكان أكثر ضعفا أمام الشقراوات، ولأنه لم يكن ذو ذوق رفيع فى الجمال، فلم يكن يميز بين الشقراء الطبيعية والشقراء الصناعية.

كان الوزير وزوجته «فولة» وانقسمت نصفين. نفس «السحنة» الترابية القبيحة.نفس طول اللسان وقلة الأدب.كلاهما لا يخشى الفضائح. هو بتحرشه بالنساء المحترمات وعلاقاته النسائية المعلنة، وهى بمطاردتها له وخناقاته معه ومع حريمه.

لم يكن أحد يعرف سر قوة الزوجة أو بالأحرى سر رعبه منها، فهو صاحب المال والنفوذ معا. إنه رجل عصامى بنى نفسه بنفسه، وكان يعمل منذ أن كان فى الجامعة، واستفاد من انهيار القوانين فى دولة الفساد فأسس شركات كثيرة وربح ملايين الجنيهات قبل أن يدخل الوزارة، وقد فسر البعض قوة شخصيتها بأنه كتب كل أملاكه باسمها، وظهرت شائعة أخرى بأنها تمت بصلة قرابة من بعيد بسوزان مبارك، ولذلك تتعامل مع الآخرين كملكة، وتطارد زوجها بشراسة ودون مواربة.

ولم تكن تتواجد فى حفل أو مكان دون أن تفتعل الخلافات مع النساء، ولم يكن من الصعب ملاحظة أنها تحتك بالنساء الشقراوات.أو النساء من النوع المفضل لزوجها.

وحدث فى إحدى المناسبات الاجتماعية التى ترعاها سوزان مبارك. أن تفجرت خناقة كبيرة بين الزوجة ومسئولة بإحدى الوزارات، وبدا للوزيرة أن المسئولة «شايفة» نفسها، وتتعامل وكأنها زوجة مسئول مهم، وفوجئت زوجة الوزير المتحرش بالمرأة الأخرى ترد لها الإهانات وتتكلم معها بغرور وثقة، ولم تعرف زوجة الوزير المتحرش سر هذه الثقة، فقد كانت هذه السيدة الشابة زوجة سرية لمسئول أهم من زوجها، وكان الزوج يعلم بعلاقة الزواج السرى بحكم عمله، وقد أدركت بعد فوات الأوان أن سر تلطف زوجها مع السيدة الشابة لم يكن إعجابا بها. بل تملقا لزوجها، وقد تسببت هذه الخناقة الشهيرة فى أوساط النخبة فى قصقصة ريش الزوجة المتكبرة كثيرا. لأن وصلة الردح وصلت لأجهزة كثيرة، وكانت القصة تروى مصحوبة بشائعة قرابتها لسوزان مبارك.. وقد أحسن الزوج الخبيث استغلال القصة لصالحه، فظل يتوعدها بأنها ستخرجه من الوزارة إذا استمرت على غيرتها الحمقاء والتى تسببت فى فضيحة علنية، وكان يضيف «ومع من زوجة الـ.......»

على الرغم من أن سوزان مبارك كانت تضع قضية المرأة على رأس أجندتها.إلا أن معظم المحيطين بها من رجال الحكم لم يكونوا يؤمنون بقضية المرأة من أصله، فقد كانوا ينظرون للمرأة كأداة للمتعة، ولذلك أفلت الوزير المتحرش من العقاب وظل فى السلطة رغم فضائحه وتجاوزاته.كان مرة فى مجلس الشعب وبعد الجلسة تجمع حوله عدد من النواب والنائبات للحصول على توقيعه على بعض الطلبات، فبدأ بالتحرش بنائبة أمام الجميع، وكانت النائبة من النوع الذى يقبل هذه التجاوزات فلم يتصاعد الأمر، وقد أثار الوزير استياء الجميع من أبناء حزبه، ولكن حدث أن تحرش الوزير فى زيارة أخرى للمجلس بنائبة أخرى، وكانت فضيحة، فقد أوقفته النائبة عند حدوده، وتعمدت أن يكون ردها قويا حرصا منها على سمعتها، خاصة أن الوزير تحرش بها بجمل خارجة عن حدود الأدب واللياقة، وأصيب الوزير بالذهول، وشعر بأن كرامته أهينت، وفى غمرة نوبة غضبه وجه للنائبة شتائم، فتركته وذهبت لقيادات المجلس وأصرت على تقديم شكوى ضده، وهنا تدخلت قيادات المجلس والحزب الوطنى معا لإنهاء المشكلة صلحا، وقبل الوزير المتحرش المغرور أن يعتذر للنائبة، وعززت القيادات اعتذاره باعتذارات مماثلة، والتأكيد أن الوزير لم يقصد ما فهمته النائبة وكان «بيهزر» معها.

ولم تردعه هذه الواقعة، فظل الوزير يتحرش بجمل وكلمات خارجة بنساء من نخبة المجتمع، وقد تحرش بمذيعة شهيرة وجميلة خلال مناسبة حزبية، فانهارت المذيعة باكية، واشتكته لوزير زميل له.

بينما تركت مذيعة أخرى مكتبه عندما بدأ وصلة التحرش بالكلمات النابية.

فى علم النفس الرجل المتحرش بالنساء رجل عاجز عن إقامة علاقة طبيعية بينه وبين المرأة. رجل يحمل قدرا كبيرا من العدوانية ضد المرأة وقدرا أكبر من الحرمان، والمثير أن الوزير المتحرش كان يمارس الرذيلتين معا.التحرش والعلاقات الساخنة، وفى الحالتين كانت تنقصه فضيلة الكتمان، فى البداية خصص رجل أعمال شهير جناحاً فى فندقه السبع نجوم. كان الجناح مجهزا لاستقبال نزوات الوزير فى أى وقت، ولأن الوزير بنفسه كان يشيع أخبار غرامياته ويسهر فى بار نفس الفندق، فإن بعض نجمات المجتمع قاطعن الذهاب لهذا الفندق.خشية من تحرشه لو قابلهن فى الفندق من ناحية، وخوفا من أن يظن من يقابلوهن فى الفندق أنهن على علاقة بهذا الوزير، وكان من البديهى أن تصل أخبار جناحه الفندقى أو بالأحرى غزواته إلى مسامع الزوجة، وبالفعل هاجمت مرة الفندق وضبطته متلبسا غير عابئة بالفضائح، فقد كان الوزير مع إحدى عشيقاته فى طريقها للفندق عندما هبطت الزوجة فجأة، وبدأت وصلة ردح للزوج والعشيقة معا، وكان على الوزير أن يختار مواعيد لقاءاته الغرامية فى أوقات يعلم أن زوجته مشغولة.

ولكنه لم يستطع تفاديها، فقرر الهجرة بغرامياته وعشيقاته إلى الخارج، وكله على حساب رجال أعمال. كان يستعير طائرة خاصة لرجل أعمال ويسافر بها إلى فرنسا، وكان يردد بلغة خبير أن باريس عاصمة الحب، ولكن سر اختياره لباريس لم يكن رومانسيا على الإطلاق، ففى باريس كان يحل ضيفا مرة أخرى على شقة فاخرة يملكها رجل أعمال آخر، وكان الوزير يرد هذه الخدمات من جيب الدولة، وذلك من خلال تقديم تسهيلات وخدمات لرجال الأعمال الذين يقومون برعاية غرامياته فى باريس، وفى الغالب لم تكن هذه الخدمات تقع فى نطاق وزارته، ولكن كان يستخدم نفوذه الحزبى، و«يخلص» خدمات رجال الأعمال.

وكان إهداره للمال العام مزدوجا، فقد اخترع طريقة للإنفاق على هدايا عشيقاته من أموال وزارته، وقد اشترى لفنانة شابة ملابس وهدايا من باريس، وتحملت الوزارة ثمن كل ذلك، وتكرر سفر الوزير فى إجازة الأسبوع وكان ينفق ببذح على عشيقاته، وتقوم الإدارة المالية فى الوزارة بتغيير الفواتير وإدخالها فى نطاق مصروفات الوزارة، وما يثير الغيظ أن هذا الوزير حوكم بعد الثورة بعدة قضايا، ولم يكن بينها هذه القضايا، وهذا يكشف بالطبع عن ذكاء البيروقراطية المصرية فى «تستيف» المستندات.

ونظراً لتعدد عشيقات الوزير وعلاقاته الغرامية فإن الهروب من زوجته بالسفر للخارج لم يحل أزمته، فقد كان يجرى بعض لقاءاته الغرامية فى مصر، وتصاعدت غيرة زوجته إلى حد لا يمكن تصوره فإذا حضر لقاء غراميا فى بيوت أحد أصدقائه، فوجئ بها تتبعه وتضبطه، ولم يجد الوزير التافه حلا للهروب من مطاردة الزوجة إلا التنكر، فقد كان مولعا بالتمثيل منذ صغره، وكانت علاقاته بالفنانين متشعبة، ولذلك كان يتنكر فى زى صعيدى بعدما استأجر شقة فى عمارة بأحد الأحياء النائية، ولم تعرف الزوجة بهذا التنكر إلا بعد ثورة 25 يناير، ولكن فى ذلك كان كل شىء ينهار.الثروة والنفوذ والرجل نفسه مهدد بالسجن، والذهاب إلى المكان الوحيد الذى لم يستطع ممارسة رذيلة التحرش بالنساء فيه.لم يكن لدى الزوجة لا العقل ولا الأعصاب لمحاسبة زوجها أو حتى الغضب منه، فالخوف على الثروة وليس الزوج كان هاجسها الأول.سافرت إلى الخارج، وأدارت عملية إعادة ترتيب الحياة تحت التحفظ، فاستغلت علاقات زوجها ببعض الأمراء العرب، واشاعت أنها خرجت من مصر هى وأولادها بدون أموال ولا مجوهرات، وفهم الأمراء الرسالة، فتكلفوا بكل نفقات إقامة الأسرة وتعليم الأبناء. لم تكن المسألة بالنسبة لهم تأييدا لنظام مبارك، ولكنها مساعدة أسرة فى محنة. المثير أن الزوجة التى كانت تعلم كل تفاصيل خيانات زوجها لها لم تعلم معلومة مهمة جدا، وأظنها لو عرفت لماتت كمدا، فقد كانت تعيش مع أبنائها فى شقة تقع على بعد خطوات من شقة غراميات زوجها الباريسية، وكانت تمر من أمام الشقة كثيرا وهى تشعر بالإشفاق على زوجها الذى كان يقبع فى السجن.