روف الثورة | خطة الإخوان لإجهاض ثورة 30 يونيو

مقالات الرأي

بوابة الفجر


كل منهما «كاريزما» من نوع خاص.. يندر تكراره.. يختلفان فى الملامح والطباع.. لكنهما.. يتفقان فى حب هذا الوطن.. ولا يترددان فى أن يموتا من أجله.

عن اثنين من أبرز الشخصيات التى أثرت الروف بالخبرة والجرأة هما المستشار أحمد الزند والدكتور ممدوح حمزة أكتب.

لكن.. الوصول إليهما يحتاج القليل من الصبر.. مثل كل ما هو مميز.

يبدأ برنامجى التليفزيونى على شاشة «النهار» مباشرة فى الساعة الثامنة من مساء كل أحد.. ولكن.. تسبق إشارة البث التى يطلقها المخرج بعد تنازلى من خمسة إلى واحد استعدادات فى الكواليس تستمر نحو الثلاث ساعات.. يكتب فيها «الإسكريبت» النهائى للحلقة.. وتراجع التقارير المصورة.. وتحدد مواعيد الفواصل الإعلانية.. وتجهز أسئلة الضيوف ومعلومات عنهم.

وعادة ما يعرف طاقم التحرير ما سأذيع من أخبار وما سأطرح من قضايا وما سأكشف من أسرار.. ولكن.. فى حلقة يوم الأحد 23 يونيو 2013 لم يعرف أحد ما يستره عقلى وما يمسك به لسانى.. وفاجأت الجميع فى غرفة الكنترول بخروجى عن النص.. وتحدثت عما أصابهم بسكتة كلامية.

على أن اليوم نفسه ودون مفاجآتى كان ساخنا.. مليئا بأحداث انقلابية حادة.. فرضت نفسها على التاريخ.. وساهمت فى صياغة المستقبل.. بأكثر مما تصورنا.. وبأسرع مما تخيلنا.

فى ذلك اليوم أصدرت محكمة جنح مستأنف الإسماعيلية برئاسة المستشار خالد محجوب وعضوية المستشارين وليد سراج الدين وخالد غزى حكمها فى القضية التى اشتهرت بقضية «الهروب من وادى النطرون».

بدأت القضية بنظر دعوى من مواطن مجهول (هو عطية محمد عطية) اتهم بالهروب من السجن بسبب تشابه بين اسمه واسم شخص آخر هو الهارب.. وكان يمكن أن تنحصر القضية فى حدود تلك الدعوى الفردية إلا أن هيئة المحكمة وجدتها فرصة لفك طلاسم لغز اقتحام السجون حماية للحقيقة واحتراما للتاريخ.

عقدت المحكمة 17 جلسة.. واستمعت إلى 78 شهادة من مساجين سلموا أنفسهم.. تطابقت روايتهم مع رواية 26 قيادة أمنية فى وزارة الداخلية.. بجانب تقارير من المخابرات العامة دعمت ما قيل.. إضافة إلى فيديوهات ضاعفت من دقة الرواية وسلامة التحقيق.

أجمع كل من وقف أمام المحكمة على أن الاقتحام قامت به مجموعات من بدو سيناء وعناصر من كتائب القسام (الجناج العسكرية لحماس).. وجرى التعرف عليهم من لهجاتهم.. واستعانوا بنحو 55 سيارة نصف نقل.. فوق كل منها 7 رجال يحملون أسلحة آلية.. تبعتها مجموعة لوادر ثقيلة لهدم الأسوار واقتحام العنابر.

أسفرت العملية عن هروب جميع المساجين وعددهم 11161 مسجونا.. وبتعرض السجون المصرية الأخرى للاقتحام ارتفع عدد الهاربين منها إلى 23710 مساجين.. لم يضبط منهم حتى 12 إبريل 2013 سوى 20828 مسجونا.

وقتل سبعة حراس وخمسة مساجين وحررت أربعة محاضر إدارية فى شرطة مدينة السادات محافظة البحيرة.

كان واضحا أن الهدف المباشر من اقتحام سجن وادى النطرون تهريب المساجين المنتمين لتنظيمات إرهابية.. مثل أيمن نوفل ومحمد عبدالهادى وهما قياديان فى حماس.. وسامى شهاب وباقى أفراد خلية حزب الله.. ورمزى موافى أمير تنظيم القاعدة فى سيناء.. و16 من قيادات الإخوان أهمهم: محمد مرسى وعصام العريان وحمدى حسن وسعد الحسينى وصبحى صالح.

كانت القضية شديدة الخطورة.. فيها شق جنائى: قتل 12 شخصا.. وشق تخريبى: اقتحام منشآت حكومية.. وشق مخابراتى: تعاون مع منظمات أجنبية مسلحة.. وشق أمنى: وجود 2879 مسجل خطر خارج السجون.. وشق سياسى: وجود رئيس الجمهورية بين الهاربين.

من جانبه قدم محمد مرسى الدليل على هروبه بالصوت والصورة عندما ظهر على قناة الجزيرة متحدثا عبر تليفون الثريا المتصل مباشرة بالأقمار الصناعية.. دون أن يحدد كيف حصل عليه؟.

انتهت المحكمة إلى براءة المتهم المجهول.. وتحويل مرسى وزملائه فى التنظيم إلى النيابة العامة للتحقيق معهم فى جرائم يصعب النجاة منها.. الهروب من السجن.. الاستعانة بمنظمات أجنبية مسلحة.. ترويع الآمنين.. استباحة أرض الوطن.. بجانب الاتهام الذى اعتقل مرسى بسببه قبل هروبه بيومين وهو التعاون مع أجهزة مخابرات أجنبية ضد بلاده.

صدر الحكم قبل أسبوع واحد من تظاهرات 30 يونيو التى دعت إلى سحب الثقة من مرسى وطالبت بانتخابات رئاسية جديدة.. ولاشك أن ذلك الحكم ساهم مباشرة فى مزيد من الحشد المضاد لحكم الإخوان.. وضاعف من سرعة التخلص منهم.

فى نفس اليوم.. الأحد.. كان وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسى يشارك فى الندوة التثقيفية الخامسة للقوات المسلحة التى عقدت فى مسرح الجلاء بمصر الجديدة.. ووجدها الجنرال الجرىء فرصة ليخرج ما فى صدره من مخاوف تهدد بانقسام الدولة.. وما فى قلبه من هواجس تهدد بحرب أهلية يتفتت بعدها الشعب الموحد ويتفكك ليلقى مصير شعوب أخرى فى المنطقة مثل العراق وليبيا واليمن والسودان.. تنفيذا لمخطط سرطانى صعب النجاة منه.

قال السيسى: «إن القوات المسلحة على وعى كامل بكل ما يدور فى الشأن الداخلى».. و«ليس من المروءة أن نصمت أمام ترويع أو تخويف المصريين».. و«الموت أشرف لنا من أن يمس أحد من شعب مصر فى وجود جيشه».. و«يخطئ من يعتقد أننا فى معزل عن المخاطر التى تهدد الدولة ولن نظل صامتين أمام انزلاق البلاد فى صراع يصعب السيطرة عليه».

لم يكن ذلك جديدا على الجيش المصرى.. فقد سبق للأميرالاى أحمد عرابى أن قاد ثورة ضد الخديو توفيق.. ونجح جمال عبد الناصر بإسقاط النظام الملكى فى 23 يوليو.. وإنحاز حسين طنطاوى إلى المتظاهرين وأجبر مبارك على التنحى بعد 11 يوما من قيام ثورة 25 يناير.. فلما لا ينحاز السيسى إلى الشعب مثل أسلافه من القادة الوطنيين العظام؟.

لقد منح السيسى من بيدهم الشأن سبعة أيام ليعودوا إلى صوابهم فيما يمكن وصفه بالإنذار الأول لمن فى السلطة.. أصحاب الحل والعقد.. وفيما بعد وجه إنذارات أخرى لم يستوعبها مرسى وجماعته.. فكان ما كان.

بعد الحكم المثير فى قضية وادى النطرون والإنذار المباغت لوزير الدفاع وتزايد دعوات الحشد لتظاهرات 30 يونيو لم يكن ذلك الأحد فى حاجة إلى مفاجآت أخرى أتعرض لها فى برنامجى التليفزيونى.. لكننى.. لم اكتف بها.. وأضفت إليها من عندى ما يكملها ويبررها ويكشفها.. فالدخان الذى خرج إلى السطح كان يخفى تحته براكين منصهرة.. تغلى وتفور وتأكل نفسها بنفسها.

فى استديو البرنامج.. كانت الكاميرا المصوبة تجاهى مضاءة باللون الأحمر لتؤكد أنها ترصد كل ما فى وجهى من انفعالات وتسجل كل ما فى صوتى من تساؤلات وتراقب كل ما فى حركة يدى من إشارات.

قلت فى هدوء: «إن هناك أوامر رئاسية باعتقال 21 إعلاميا معارضا لمرسى قبل تظاهرات سحب الثقة منه».

وأضفت: «وأنا بالقطع واحد منهم».

واستطردت: «وهناك قوائم أخرى تضم 200 شخصية سياسية تحت المراقبة نتوقع القبض عليها».

كانت ساعة الصفر.. خطاب مرسى الذى سيلقيه بمناسبة مرور سنة على توليه الرئاسة.. واتفق على أن يتضمن الخطاب كلمة «شفرة» تبدأ بعدها حملة الاعتقالات.

ومن سخرية القدر أن مدبرى المؤامرة استحضروا خبرة جمال عبدالناصر فى خطاب تأميم القناة حين استخدم كلمة «ديلسيبس» شفرة يقوم رجاله فور النطق بها بالسيطرة على منشآت القناة.. وشتان بين الشفرتين.. الأولى كانت دعما للسيادة الوطنية.. والثانية خيانة لقواعد الديمقراطية.

كان مقررا أن يكون الخطاب يوم الاثنين 24 يونيو.. ولكنه.. تأخر إلى يوم الأربعاء 26 يونيو بحثا عن قوة مسلحة تنفذ أوامر الاعتقال.. على أن مرسى لم يجد تلك القوة.. فقد رفض الحرس الجمهورى والشرطة العسكرية والشرطة المدنية والمخابرات العامة والمخابرات الحربية التنفيذ.

عرفت هذه المعلومات قبل ست ساعات من موعد برنامجى.. عرفتها من مسئول مؤثر فى موقعه يعرف بحكم عمله ما يجرى فى الكواليس.. طلب الرجل أن يرانى فى مكتبه.. وأرسل سيارة ترافقنى إلى مكانه.. وطوال الطريق كان يطمئن بنفسه على سلامتى وكأنه كان يتوقع اعتقالى قبل أن أصل إليه.

وما أن جلسنا فى استراحة صغيرة ملحقة بمكتبه حتى أبعد تليفونى المحمول خارج الغرفة.. وتعجبت مما فعل.. هل يمكن التنصت على أحد فى مكان بهذه الأهمية؟.. هل وصل الصراع بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسات الأخرى إلى هذا الحد من الشك والتوتر وفقدان الثقة؟.. هل اشتعلت الحرب الباردة فى أوصال السلطة المصرية؟.

فيما بعد عرفت إجابة السؤال من مسئول فى وزارة المالية.. إن جمارك القاهرة ضبطت شحنة من أجهزة التنصت وصفتها بالأجهزة «الغامضة».. مرسلة لحساب مكتب الإرشاد.. ومشحونة ببوالص سليمة من وكيل تجارى فى قبرص.. وإن كانت صناعة إسرائيلية.. وتدخل وزير المالية المرسى السيد حجازى للإفراج عنها.. وتسليمها إلى رئاسة الجمهورية.. لترسل من هناك إلى مكتب الإرشاد.. حيث استخدمت فى التجسس على جنرالات الجيش ومسئولى الأجهزة الأمنية وغيرهم.

وفيما بعد أيضا عرفت من المدير الأسبق للمخابرات العامة اللواء رأفت شحاتة أن هناك شحنات أخرى من أجهزة التنصت استوردتها الجماعة من تركيا والصين.. والأخطر أنها أرسلت شبابا من أعضائها إلى قطر وتركيا للتدريب على أعمال المخابرات.. وأرسلت مجموعة ثالثة منهم للتدريب على تفكيك الأجهزة الأمنية فى ألمانيا.. والأسوأ أن الإخوان زرعوا مخبريهم فى كل مكان لينقلوا ويسجلوا ما يحدث بتليفوناتهم المحمولة.. لقد استيقظت خلاياهم النائمة وتحول أعضاؤها إلى جواسيس لا يتركون شيئا يمر دون الإبلاغ عنه فى حينه.

وأضاف شحاتة: إن رغبة مرسى فى القبض على الإعلاميين كانت سابقة على الحشد لتظاهرات يونيو.. فقبل هذه التظاهرات بشهور تلقيت وأنا فى أبو ظبى مكالمة تليفونية منه يطلب فيها القبض على ثلاثة إعلاميين كنت أنت على رأسهم.. وعندما استشرت مساعدى بعد أن تمشينا فى حديقة الفندق اعترض قائلا: «نحن جهاز معلومات وليس جهاز قبض أو اعتقال».. «وعندما نقبض على جاسوس لابد من وجود ممثل النيابة العامة».. «ثم إن هؤلاء الإعلاميين وطنيون يمارسون حقهم فى النقد وعلينا حمايتهم لا اعتقالهم».

لم أكن أعرف ذلك وأنا اتلقى تحذير يوم الأحد 30 يونيو من المسئول الذى تطوع باستدعائى قائلا: « انتم مهددون بالاعتقال.. ربما الليلة.. ربما غدا.. ولو كان مرسى قد فشل فى إقناع قوة نظامية فى القبض عليكم فإن جماعته قد تمده بأعضاء منها يرتدون ملابس شرطية لينفذوا المهمة.. ساعتها لن نعرف أين سيخفونكم.. ربما تخلصوا منكم بالقتل.. فالمجرم والرئيس وجهان لعملة واحدة».

وأضاف دون أن يكف عن تدخين سجائر «مريت» بجانب احتساء فناجين متتالية من القهوة: «إن الثورة القادمة فى 30 يونيو ثورة سينسب للإعلام تفجيرها.. ولو نجحت فإن المصريين سيكرمونكم بنياشين يصنعونها من رموش عيونهم».

قاطعته قائلا: « ولو فشلت فإننا سنعلق فى مشانق تنصب فى استديوهات الفضائيات التى نتكلم منها ليكون الإعدام على الهواء مباشرة».

قال: «لن تكونوا وحدكم.. سنكون معكم.. وربما قبلكم.. نحن مهددون أكثر منكم».. «لكن.. لو نجح الإعلام فى إقناع خمسة ملايين مواطن بالنزول إلى الشارع والبقاء فيه ثلاثة أيام فإن النظام سيسقط بلا رجعة».

وسألته عن الأسماء المرشحة للاعتقال فسرد غالبية المتحدثين فى برامج التوك شو الليلية.. مثل إبراهيم عيسى وعمرو أديب ولميس الحديدى ويوسف الحسينى وغيرهم.. مضيفا: «وأنت بالطبع على رأسهم».

وسكت لحظة ثم استطرد: «لكن.. ما أثار دهشتى وجود خونة بينكم.. انقلبوا من خدمة جمال مبارك فى لجنة السياسات إلى مسح أحذية مرسى فى القصر الجمهورى.. لقد عرفنا أن أحدهم كان على اتصال دائم بابن مرسى.. ولم يتردد فى تحريضه على اعتقال زملائه الإعلاميين قائلا: «هو الوالد سايبهم ليه؟ لماذا لا يقبض عليهم ويتخلص من شرهم».. وراح يسرد الاسماء واحدا بعد الآخر».

واستطرد: «لا استطيع أن أجد وصفا مناسبا لهذا الإعلامى لكننى أتساءل: هل كان يريد أن ينفرد وحده بالعمل فى كل القنوات والنشرات والمطبوعات؟».

وكدت أن أضيف: «إنه بجانب برنامجه السياسى يقدم برنامجا دينيا يتستر وراءه بورع زائف كما أنه لا يكف عن تأدية العمرة دون أن يستدعى للتحقيق معه فى عشرات البلاغات التى تتهمه بالتحرش الجنسى بجانب أنه سبق اتهامه بالفساد المالى وقت ان كان فى خدمة صفوت الشريف».. كدت أن ألقى مزيدا من الضوء عليه.. لكننى.. كتمت فى صدرى ما كان على لسانى.. فليس أمامنا من الوقت ما يضيع فى نميمة أو شتيمة.

وسألته عن السياسيين المرشحين للاعتقال فذكر حمدين صباحى وعمرو موسى وأحمد الزند وممدوح حمزة بجانب قادة حركة تمرد.. لكنه.. أضاف اسما لفت انتباهى.. الدكتور سعد الدين إبراهيم.. فقد لعب الرجل منذ عام 1995 دور الوسيط بين الإخوان والمؤسسات الأمريكية العلنية والخفية.. كما أقنع القطريين بأن يدعموا الوساطة بين الجماعة والغرب.. وما ضاعف من دهشتى أنه كان أول من سيقبض عليه من الشخصيات العامة.. إن جزاء سنمار فى الجماعة.. السجن.

وفيما بعد قال لى الدكتور سعد الدين إبراهيم وهو يتوكأ على عصاه من ضعف السنين: «لقد حذرنى قادة تنظيم الجهاد من غدر الإخوان.. قالوا: إنهم أنانيون.. كاذبون.. مخادعون.. لا يعترفون بفضل أحد عليهم.. ويأكلون الناس لحما ويلقون بهم عظما.. لكنهم.. ليسوا وحدهم الذين غدروا بى.. مبارك سبقهم.. وقفت بجانبه فألقى بى فى السجن.. وربما يتكرر نكران الجميل مع السلفيين الذين طلبوا منى توصيلهم إلى البيت الأبيض».

وفيما بعد أيضا روى الجهادى السابق صبرة القاسمى: إنهم وهم فى السجن جاءت دفعة جديدة من المعتقلين الإسلاميين تصور الإخوان أنهم ينتمون إليهم فأمدوهم بثياب وغطاء وطعام.. وفى الصباح عندما اكتشفوا أنهم من تنظيم آخر استردوا ما قدموه بالليل.

وأضاف القاسمى: «إن الوحيد الذى كان خيرت الشاطر يتواصل معه وهو فى السجن كان جاسوسا إسرائيليا».

والقاسمى كان عضوا نشطا فى تنظيم الجهاد تحت قيادة نبيل نعيم قبل أن يراجع أفكاره.. وقد التقيت به هو ومجموعة أخرى من الجهاديين السابقين فى مكتب وسط القاهرة اتخذه سعد الدين إبراهيم مقرا له.. وكان اللقاء بناء على طلبى وقبل تظاهرات 30 يونيو.. كان الهدف ضمهم إلى جانبنا فى التظاهرات لمواجهة عنف الإخوان.. ودعما للحشد وافقوا على الظهور فى برنامجى التليفزيونى.. كما أعلنوا تضامنهم مع الشعب ضد الجماعة فى بيان صدر عنهم يوم 22 يونيو.

والمؤكد أن حمدين صباحى كان على رأس المطلوب اعتقالهم.. وجرى التخطيط لذلك مبكرا بعد أحداث الاتحادية فى خريف 2012.. وتحدد مكان القبض عليه أمام البوابة الثانية من مدينة الإنتاج الإعلامى فور انتهائه من حوار مع خيرى رمضان.. لكنه.. شعر بالخطر فخرج من بوابة أخرى.. وجاء مباشرة إلى الروف.. وكانت الساعة قد تجاوزت الثانية صباحا.

فور خروجى من مكتب المسئول المهم اتصلت بنقيب الصحفيين ضياء رشوان طالبا منه أن ينتظرنى فى مكتبه بالأهرام.. وما أن التقينا حتى كشفت له ما لدى من معلومات.. وذكرت له ما توافر لى من أسماء مهدد أصحابها بالاعتقال.. وكان هو منهم.. وطلبت منه أن يوصل رسائل تحذيرية لكل من جاء ذكره فى القائمة.. ربما وجدوا ما يجنبهم الشر المنتظر.. وفى الوقت نفسه رحنا نفكر فى طريقة لإفساد المؤامرة التى دبرت لنا.

بعد نقاش استمر نحو نصف ساعة قررنا أن نخرج إلى الرأى العام ونكشف ما يدبر لنا.. إن لدينا سلاح الإعلام.. السلاح الذى يضىء نور الحقيقة ويبدد ظلام الدسائس.. لكن.. كانت المشكلة أن ما لدينا من معلومات سيصيب مصادرنا السرية بأذى فى وقت صعب وحرج.. فاتفقنا على أن نكشف ما لدينا من معلومات فى صورة سيناريو سياسى متوقع.. ولكن.. الحيلة لم تنطو على مرسى ورجاله.. فقد شموا رائحة تسريب من جهات خفية ومطلعة.

واتفقنا أنا ورشوان على أن ندعو إلى مضاعفة الحشد لتظاهرات 30 يونيو.. فالثورة القادمة لن تنقذ مصر من كابوس تعيش فيه فقط وإنما ستنقذنا نحن من سجن محقق ربما أكثر.. اغتيال فى عرض الطريق.. أو تفخيخ سيارة.. أو تلفيق قضية أمن دولة.

لقد وضعنا مرسى وجماعته فى خانة حرجة.. لا مهرب منها.. فرضت علينا تصعيد المواجهة إلى أقصى حد.. والهجوم حتى آخر نفس.. فإما أن نكسب كل شىء أو نخسر كل شىء.. إما ان نكسب حياتنا أو نخسر حريتنا.

وأتذكر أن رشوان شعر ببعض التفاؤل مما قاله السيسى صباح اليوم.. وتوقف عند كلمة «مروءة» التى استخدمها فى بيانه قائلا: «إنها كلمة اختارها السيسى بعناية ودقة.. ستجد صداها عند الشعب المصرى الذى أتوقع أن يتصرف فى 30 يونيو بمروءة أيضا».

فى طريقى إلى قناة النهار كتبت ما يشبه الوصية السياسية فى خطاب تركته مع السائق ليوصله إلى الدكتور أحمد العزبى إذا ما قبض علَّى.. وفى الخطاب سردت تفاصيل ما حدث.. وطلبت أن يعرف الحقيقة كل رواد الروف.. وحددت أساليب المواجهة لو شاء أحد الاستمرار فى تحدى الإخوان.

فى تلك الليلة خرجت على الهواء مباشرة لأتحدث عن ما وصفته بسيناريو «انتحار مرسى».. وقلت: إنه سيناريو مقتبس من خبرات أنور السادات.. حين اعتقل أركان السلطة فى 15 مايو 1971.. وبعدها بعشر سنوات اعتقل رموز المعارضة فى 3 سبتمبر 1981.. وإن كان سيناريو مرسى معكوس الترتيب.. يبدأ برموز المعارضة ثم يستكمل بأركان مؤسسات القوة.

وتعبير «أركان مؤسسات القوة» فى مفهوم مرسى وجماعته يشمل قيادات المخابرات العامة والمخابرات الحربية والأمن الوطنى والقوات المسلحة.

وعند عودتى إلى بيتى ليلا وجدت مظروفا مغلقا بشرائط السوليتيب فى داخله خطاب مكتوب بالكمبيوتر يحذرنى فيه الراسل من اغتيالى أو اعتقالى ممن وصفهم بالخسة والقسوة.. طالبا منى الانتباه عند خروجى ودخولى.. مؤكدا أننى تحت رقابة صارمة.. وتتابع تحركاتى بكاميرات صغيرة خفية.. وجاء التوقيع: « صديق يعرف ما يجرى بحكم موقعه فى الدولة العميقة».

ولم تمر أيام قليلة حتى انتشر خبر الاعتقالات المتوقعة للإعلاميين على كل لسان بعد أن تبناه مقدمو برامج التوك شو من المهددين بالسجن.. ونشطت شبكات التواصل الاجتماعى لتزيد من حرج مرسى فى تنفيذ ما يريد.. وضاعفت المنظمات والجمعيات الحقوقية من حذره.. بل.. وأصيب بالشلل.. فقرر تغيير الخطة بخطة أخرى تلعب فيها النيابة العامة الدور المباشر فى التنفيذ.. ليكون «كله بالقانون».

فى 25 يونيو كلف النائب العام طلعت عبدالله رجالا فى النيابة العامة بتجميع وتصنيف البلاغات المقدمة ضد الإعلاميين والسياسيين والتحقيق فيها وضبط وإحضار المتهمين فيها لو استدعى الأمر.. ولم تكن صدفة أن قائمة المطلوبين للنيابة هى نفسها قائمة المطلوبين للاعتقال.. القائمة واحدة لكن الأسلوب مختلف.

كان النائب العام الموصوف بالنائب الخاص للإخوان خارج البلاد فى سويسرا وقت أن صدرت له التعليمات بإخراج البلاغات المجمدة والمتراكمة بما فى ذلك البلاغات التى سبق حفظها بقرار من مرسى نفسه.

وطلعت عبدالله من مواليد طنطا.. تخرج فى كلية الحقوق.. وانضم إلى ما يعرف بتيار الاستقلال.. تيار القضاء الذى تستر خلفه الإخوان وعبر عن نفسه بوضوح فى انتخابات 2005.. ووصفها بالتزوير.. وتعاطفت المعارضة معه.. دون أن يتصور أحد أن بعض المنتمين إليه بمثابة خلية نائمة للجماعة.. وهو ما كشف بوضوح فيما بعد.

من بين رموز ذلك التيار.. المستشار أحمد مكى الذى اختاره مرسى وزيرا للعدل.. وشقيقه المستشار محمود مكى الذى عينه مرسى نائبا له.. وكان الاثنان من أشد المدافعين عن حرية الإعلام.. ورفضا تدخل وزير العدل فى شئون القضاة.. واستنكرا حالة الطوارئ مهما كانت شدة الظروف.. لكنهما.. انقلبا على نفسيهما تماما فور أن أصبحا فى السلطة الإخوانية.

لقد التقيت بأحمد مكى اول مرة فى شتاء عام الفين.. فى ندوة دعا إليها ناصر أمين رئيس مركز دعم استقلال القضاء.. عقدت فى روف فندق شبرد.. وشارك فيها عبد الله السناوى أيضا.

يومها قال أحمد مكى: «إن حرية الصحافة هى الوجه الآخر لاستقلال القضاء.. واستقلال القضاء هو الوجه الآخر لحرية الصحافة.. ولكنه.. فيما بعد ارتد عن ما قال.. وهاجم الصحافة.. وحرض على عودة الطوارئ مشيرا إلى أنها مذكورة فى القرآن.. واختار مساعديه فى وزارة العدل من الإخوان.. بل.. أكثر من ذلك كان أول من طالب باعتقال المعارضين من السياسيين والإعلاميين.

قبل أن يعلن مرسى إعلانه الدستورى المؤقت والمؤسف (يوم 22 نوفمبر 2012) اجتمع فى قصر الاتحادية بقيادات أمنية وحكومية.. منهم أحمد مكى.. وعبر مرسى عن غضبه مما وصفه بتجاوزات الإعلاميين المعارضين قائلا: «إن صبره قد نفد ولابد من وقفة صارمة معهم».. فسأل أسعد شيخة ابن خالته ونائب رئيس الديوان موجها حديثه إلى القيادات الأمنية: «أليست هناك وسيلة للسيطرة على أولئك الإعلاميين السفلة؟».

وكلمة «السيطرة» التى نطق بها شيخة تعنى فى عرف الأجهزة الأمنية شيئا واحدا.. تسجيلات جنسية يجرى كشفها لفضح أصحابها.. أو استخدامها فى الضغط عليهم لإسكاتهم.. وسبق أن لجأ إليها حزب العدالة والتنمية (الحزب الحاكم فى تركيا) عندما نجح فى تصوير رئيس حزب الشعب المعارض وهو يمارس الجنس مع سكرتيرته الشابة.. ووضع الفيديو على شبكات الإنترنت عدة ساعات ليرفع بعدها مع استنكار شكلى من رئيس الحكومة رجب طيب أردوجان.. على طريقة « يقتل القتيل ويمشى فى جنازته».

أمام صمت قادة الأجهزة الأمنية أضاف شيخة من جديد مستخدما لهجة ساخرة ومستفزة هذه المرة: «الله يرحم أيام صلاح نصر وتابعه موافى».

وموافى.. هو الاسم الحركى لصفوت الشريف.. حسب ما كشفت تحقيقات القضية التى حقق فيها مع صلاح نصر وانتهت بالحكم عليه 15 سنة وتغريمه 2500 جنيه.. وتسريح مساعديه صفوت الشريف وحسن عليش قبل سن التقاعد.

وحسب ما ذكر عليش فى التحقيقات فإنهم استخدموا الجنس ليس فقط فى تجنيد عملاء وإنما فى السيطرة على معارضين للنظام.. وهو ما شجع شيخة على ما يبدو لتكرار ما كان.. دون أن يراجع تعاليم الإسلام التى تحض على عدم التجسس.. وستر المؤمنين لا فضحهم.. واعتبار من يفعل ذلك كمن يأكل لحم أخيه ميتا.. ولكن.. عندما يكون الدين تجارة والحكم غاية فكل الجرائم الأخلاقية مباحة.

من جانبها قالت القيادات الأمنية الجالسة فى الاجتماع: « إن أجهزتهم لم تعد تلجأ إلى هذا النوع من التسجيلات.. نسيتها منذ زمن بعيد.. واحتفظت بما كان فى أرشيف بعيد عن العبث به.. يضاف إلى ذلك أن التنصت على خصوصيات المواطنين جريمة لم يعد السكوت عنها ممكنا بعد ثورة يناير.. وقبل ذلك كله فإن هذه الأجهزة طبقا للقوانين التى تحدد عملها ليس لها صلاحيات القيام بمثل هذه الأعمال القذرة.. ولا يجوز أن يطلب منها العودة إليها فى حضور رئيس الدولة وإلا كان شريكا فيها وهم لا يرضون له التورط فى ذلك».

وشعر مرسى بالحرج من الجملة الأخيرة فطلب من القيادات الأمنية أن تجلس معا لتبحث عن وسائل أخرى تسكت بها الإعلاميين وتوقفهم عند حدهم.

وهنا سأل أحمد مكى بصوت خافت: ولما لا تقبض أجهزة الأمن على المعارضين؟.

وكانت الإجابة التى سمعها بوضوح: «نحن لا نريد توريط الرئيس فى هذا الأمر.. فهو يخصم من شعبيته ويزيد من حدة الهجوم عليه لكننا.. يمكن أن ننفذ تعليمات وزير العدل.. سيادتك.. لو كتبت بخط يدك أمرا يقضى باعتقال من تشاء فسوف ننفذه.. على أن تذكر الأسماء ثلاثية ومبررات الاعتقال ومدته فأنت بالقطع رجل قانون وتعرف ما تفعل».

صرخ أحمد مكى محتجا بصوت مرتفع هذه المرة: «أنا ماليش دعوة».. وبقى صامتا ما تبقى من الجلسة.

تدخل شيخة متسائلا فى لهجة ساخرة: «وكيف كنتم تقبضون علينا من قبل.. هل كنتم فى حاجة إلى أمر كتابى من مبارك؟».

وجاءت الإجابة: «إن مصر تغيرت.. والثورة التى قامت وجاءت برئيس منتخب حاسبت كل المخطئين من القيادات الأمنية السابقة عن كل ما فعلت.. ولا نتصور أن أحدا يريد أن يلحق بهم فى السجون والمحاكم والتقاعد المبكر».

قام شيخة من مكانه غاضبا دون أن يستأذن الرئيس وقال موجها كلامه للقيادات الأمنية: «أنتم شركاء فى المؤامرة التى تحاك ضدنا.. على الأقل شركاء بالصمت.. وسيأتى اليوم الذى سنحاسب فيه كل متواطئ على خيانته مهما كان منصبه.. ساعتها ستسارعون بالتعاون معنا».

حسب التقاليد الرئاسية العريقة فى مصر فإن مدير المخابرات يخص الرئيس دون سواه بما لديه من معلومات وتقارير.. يعرضها عليه فى لقاء لا يشاركهما فيه أحد.. لكن.. محمد مرسى خرج عن هذه القاعدة بجدارة وسمح لرجلى خيرت الشاطر فى مكتبه هما أسعد شيخة وأحمد عبدالعاطى بحضور كل اللقاءات التى تجرى بينه وبين مدير المخابرات اللواء رأفت شحاتة.. كان كل ما يعرضه شحاتة من معلومات تمس الأمن القومى ينقل عبر شيخة وعبدالعاطى إلى مكتب الإرشاد.

وعندما طلب مرسى زيارة مقر المخابرات العامة فوجئ شحاتة بحضوره وسط عدد كبير من قيادات الإخوان.. وعندما قيل له: «إن ما سيقال فى الزيارة يجب أن لا يسمعه سواه».. قال شيخة نيابة عنه: «مفيش حد غريب».

لم يكن ذلك المشهد غريبا.. فقد سبق حدوثه عند زيارة مرسى لمقر المخابرات العامة وقت أن كان مديرها اللواء مراد موافى.. كانت الزيارة فى شهر رمضان يعقبها إفطار.. وحضر مع مرسى 22 قيادة إخوانية.. ولم تكن المشكلة فى توفير طعام لهم.. وإنما كانت المشكلة فى سماعهم ما سيقال من أسرار يصعب كشفها بتلك السهولة.

تعمد المدير أن تكون الغرفة التى سيلتقى فيها مرسى بقيادات الجهاز ضيقة لكى لا يدخلها سوى مرسى وقيادات الجهاز.. لكن.. المرافقين معه سبقوا الجميع إلى الغرفة.. وتزاحموا فيها.. وعندما همس موافى فى أذن مرسى رافضا ما يرى قال مرسى فى استهتار سافر: «مفيش حد غريب».

لقد حاول الإخوان وهم فى السلطة تدمير القواعد المستقرة التى كونتها المخابرات العامة منذ تأسيسها عام 1954.

على شريط كاسيت روى لى عمر سليمان أن سوزان مبارك طلبت منه إخفاء الحادث الذى تعرض له ابنها جمال عن والده الذى كان يجرى جراحة فى ألمانيا حتى لا تتأثر حالته النفسية.. لكن.. سليمان رفض.. فالرئيس يجب أن يعرف كل ما يجرى.. ولو كان شيئا مؤثرا.

وسبق أن طلب جمال مبارك من عمر سليمان أن يطلعه على أساليب العمل فى المخابرات.. فلم يقدم إليه سليمان إلا ماهو شائع ومعروف للعامة.. وعندما عاتبه مبارك قال له: «هذه أسرار الجهاز لو شئت اطلاع جمال عليها سننفذ الأمر».. لكن.. مبارك لم يشأ.

بعد يومين من كشف مخطط اعتقال الصحفيين والإعلاميين والسياسيين أصدر طلعت عبد الله تعليماته إلى مساعديه بتجهيز التهم التى ستوجه إلينا.. بجانب أوامر الضبط والإحضار.. لكنهم.. انتظروا مرور عاصفة 30 يونيو ليبدأوا التنفيذ فورا.

ومن جانبه خرج مرسى ليلقى خطابه محرضا على ملاك قنوات تليفزيونية مثل محمد الامين (سى بى سى) وأحمد بهجت (دريم) وعلاء الكحكى (النهار).. امتدت حالة الانتقام من الكلمة إلى الملكية.

ووجهت هيئة الاستثمار إنذارا لملاك خمس قنوات فضائية (هى سى بى سى وأون تى فى والنهار والقاهرة والناس ودريم) لتلافى ما وصفته الهيئة بالتجاوزات.. تمهيدا لغلقها إذا ما استمرت فيما تفعل.. أكثر من ذلك.. أخرجت الهيئة ممثلى هذه القنوات من المجلس المختص بإدارة الفضائيات.. فى انتظار ما هو أصعب.. قطع الإرسال عنها يوم 30 يونيو.. ولكن.. من حسن الحظ أن الخطاب الذى أرسل بهذا الشأن من وزير الإعلام بقى على مكتب المسئول عن شركة نايل سات لغيابه فى مهمة خارج مصر.. لم يعد منها إلا بعد الإطاحة بمرسى.

ويوم السبت التالى أرسل المستشار حاتم بجاتو وزير شئون المجالس النيابية خطابا رسميا إلى رئيس الحكومة هشام قنديل اعترض فيه على الإنذار الذى وجه للقنوات الخمس قائلا: إن ذلك «فضلا عن عدم ملاءمته للظرف السياسى الآنى فإنه سيزيد من الاحتقان ويظهر الحكومة فى مظهر العاصف بحرية الإعلام».. «يضاف إلى ذلك فإن إيقاف الصحف أو وسائل الإعلام أو غلقها أو مصادرتها لا يجوز إلا بحكم قضائى بحسب نص المادة 48 من الدستور».. «ومن ثم فلا يسوغ وقف نشاط أى من المحطات الفضائية أو إغلاقها بقرار إدارى يصدر من هيئة الاستثمار أو من غيرها من سلطات الدولة».. «ولا يغيب عن ناظر مثل هذه القرارات إذا ما صدرت سيكون مآلها بغير شك الإلغاء إذا ما طعن عليها أمام القضاء الإدارى».

وحذر بجاتو من أن أحكام القضاء الإدارى فى هذه الحالة ستزيد من توهم قوى بعينها بوجود مؤامرة ضد الرئيس من جموع القضاء.. «لذلك أرجو من دولتكم وأنا أعلم حرصكم على الحريات العامة وضع كتابى هذا موضع اعتبار حال وجود نية للتصعيد ضد وسائل الإعلام».

وأنهى بجاتو خطابه قائلا: «إنه لا يسوغ أن تقوم الحكومة أو إحدى هيئاتها بالعصف بحريات الإعلام أو تقيدها مهما تجاوزت إلا بطريق قانونى يحافظ على هذه الحريات بحسب أن الإعلام الخاص هو من أطلق شرارة الخامس من يناير 2011 وأن تدعيم حرياته وصونها من أهم مكتسبات الثورة».

بجاتو.. مستشار.. رأس هيئة مفوضى المحكمة الدستورية العليا.. أختير أمينا عاما للجنة الانتخابات الرئاسية.. وفى منتصف عام 2012 أصبح وزيرا.. صادما كل من تلقى النبأ.. أن يقبل عضو سابق فى لجنة الانتخابات الرئاسية منصبا تنفيذيا فى حكومة جاء بها الفائز فى الانتخابات.. وسبب ذلك هجوما حادا عليه.. وصل إلى حد اتهامه بأنه «خلية إخوانية نائمة».

فى كافيتريا فندق السلام (مصر الجديدة) التقيت به لأسمع منه دفاعه.. بدأ كلامه باعتراف شخصى: «إنه كان سيعمل فى قطر مستشارا قانونيا لمحافظ البنك المركزى لحاجته الشديدة للمال».. فهو مضطر لأسباب صحية أن يسافر إلى الولايات المتحدة أكثر من مرة فى السنة.. كما ان ابنته الكبرى تدرس فى ألمانيا وحملها المالى ثقيل.

وجاء الاعتراف الأشد: «إن عائلته خاصمته بعد أن قبل الوزارة.. خاصة ابنته التى تدرس فى ألمانيا.. يضاف إلى ذلك أنه لم يسمع من زملائه القضاة كلمة مبروك.. وكشف أن هشام قنديل استغل إجازة شم النسيم وفاتحه فى أمر الوزارة بعيدا عن عيون الإعلام.

أما تبريره لقبول المنصب فهو حرصه على مصلحة القضاة واستقلال القضاء قائلا: إننى «لو فشلت فى هذه المهمة فإننى لن أتردد فى تقديم استقالتى».

كانت الأزمة محتدمة بين الحكومة والرئاسة من جانب ونادى القضاة من جانب آخر بعد تصريح المرشد السابق للإخوان مهدى عاكف المستفز ضد القضاة بتخفيض سن تقاعدهم إلى ستين سنة ليتخلصوا من ربع عدد القضاة وليأتوا بغيرهم ممن يسهل السيطرة عليهم.. فى مجزرة جماعية.. لم يسبق لها مثيل فى دولة ديمقراطية أو فاشية.

هنا.. يكشف المستشار أحمد الزند عن معدن أصيل.. مستخرج من قيم الحق والعدل والحرية.. فقد واجه بضراوة الإقالة المتعسفة للنائب العام الأسبق المستشار عبدالمجيد محمود.. وأعلن اعتصاما مفتوحا فى نادى القضاة حتى يعود.. وعقد مؤتمرا حاشدا فى صالة دار القضاء العالى.. وتعرض لمحاولات قتل لم توقف مسيرته.. وبدعمه المباشر لحركة «تمرد» لابد من أن يوضع اسمه فى قائمة الشرف التى تعلق على جدران ثورة يونيو.

لم يستقل بجاتو إلا بعد تظاهرات 30 يونيو هو وعدد آخر من الوزراء خوفا من سفك دماء المصريين من الأبرياء على حد قول بعضهم.

لم يستقل بجاتو قبل ذلك رغم أنه كان شاهدا على واقعة مخزية كانت تستحق منه الانصراف فورا.

فى يوم السبت 29 يونيو عبر بجاتو عرض الطريق الذى يفصل بين مكتبه ومكتب رئيس الحكومة.. كان اليوم إجازة.. ومكتب هشام قنديل يخلو من الزوار.. مما سمح للرجلين بالدردشة بحرية ودون ضغوط مواعيد متلاحقة.

كان قنديل فى ذروة النشوة الشخصية وهو يقول لبجاتو: «شفت يا معالى الوزير.. عدد المتظاهرين النهاردة لا يزيد على 15 ألف شخص.. كده جابوا آخرهم.. وبكره حنكنسهم».

لم يتوقف بجاتو عند الكلمة المسيئة للمصريين.. «حنكنسهم».. كأنهم قمامة ملقاة فى عرض الطريق.

واستطرد قنديل بفخر: «التعليمات وصلت للنائب العام بتحويل 35 اعلاميا وسياسيا إلى نيابة أمن الدولة العليا باتهامات متعددة.. أقلها قلب نظام الحكم».

ومرة أخرى لم يعلق بجاتو.

قبل التمهيد لثورة يونيو بشهور طويلة قدمت مراكز الأبحاث الإخوانية تقارير رصدت فيها تصورات المستقبل بالنسبة لحكم مرسى.

مثلا.. فى يوم السبت 22 ديسمبر رفع مدير مركز القدس الدكتور يحيى حسين تقريرا تحت عنوان «احتمالات المرحلة المقبلة: إلى مكتب الإرشاد.. لخصها فى: «محاولة اغتيال الرئيس».. «التظاهرات المستمرة بادعاء تزوير الاستفتاء على الدستور».. بجانب «أحداث العنف والبلطجة السياسية».. و«اعتصامات فلول القضاة والنيابة العامة».. على حد ما جاء فى التقرير.

لم يستبعد التقرير إمكانية اغتيال مرسى خاصة بعد الاعتداء على موكبه من المعتصمين أمام الاتحادية.. واقترح التقرير تشديد الحراسة بزيادة عدد أفراد وضباط الحرس الجمهورى.. وضم المجندين من الإخوان حاليا أو الذين انتهت مدة خدمتهم إلى الحرس الجمهورى بطلب من وزير الدفاع.. وتعيين 2000 إلى 3000 فرد من الإخوان فى القصور الرئاسية ولو فى مهن بسيطة مثل النظافة والزراعة والبوفيه والمطعم تحسبا لوقت الخطر وبالتنسيق مع رئيس الديوان رفاعة الطهطاوى.. وتفعيل القصور الرئاسية خارج القاهرة (مثل رأس التين وبرج العرب وشرم الشيخ) ليتردد عليها الرئيس لو حوصرت قصور العاصمة.. وقصر ظهور الرئيس على القاعات المغلقة مثل قاعة المؤتمرات وألا يصلى إلا فى مساجد صغيرة بالقرب من مسكنه.. وتفعيل دور نائب الرئيس.. واختيار رئيس حكومة من الإخوان وليكن سعد الكتاتنى بعد الاستغناء عن هشام قنديل.

ولا مانع من تدبير محاولة وهمية لاغتيال الرئيس تكون مبررا للقبض على معارضين وإعلاميين بتهمة التحريض كما أنها فرصة لتجديد البيعة للرئيس.

وفى مواجهة المليونيات المضادة للجماعة اقترح التقرير: إلهاء المعارضة بتعيينات مجلس الشورى والتعديلات الدستورية.. ومن جانب الجماعة.. تقديم قانون جديد للشرطة يسمح بفض الاعتصامات بإطلاق الرصاص الحى ولكن فى الركب.. ودعوة الجمعيات الحقوقية فى كل مرة يفض فيها اعتصام لكى تكون شاهدة على تطبيق القانون.

وطالب التقرير بفض حصار المحكمة الدستورية العليا لعدم جدواه.. فى اعتراف نادر بأنهم كانوا وراءه.. وفى الوقت نفسه أصر التقرير على تفعيل اعتصام مدينة الإنتاج الإعلامى بصورة أكبر.. بجانب الملاحقة القانونية لرموز المعارضة (مثل محمد البرادعى وعمرو موسى وحمدين صباحى) ومنعهم من السفر لأى سبب.. والملاحقة القانونية للإعلاميين «الكاذبين على نشر الشائعات وإهانة الرئيس ونشر مواد دستورية مزيفة ومدسوسة».

على الجانب الآخر كانت جبهة يونيو تتحرك بكل ما تملك من قوة وقدرة فى سباق حاد مع سلطة باطشة تنتظر الانتقام.

فى يوم الأحد 23 يونيو اتصلت بالدكتور ممدوح حمزة طالبا منه العودة من نيويورك حيث كان يشرف على دخول ابنته مى جامعة هناك ليعود إلى القاهرة لكى نضاعف من جهد الحشد.. خاصة أنه واحد من أبرع من يقومون بمثل هذا الدور.. مستمدا خبرته من تظاهرات الطلبة فى عام 1968 حين كان أحد زعمائها.. بجانب خبرته الأخيرة فى تأمين وحماية معتصمى التحرير فى يناير 2011 وتوفير ما يلزمهم من طعام ودواء وخيم إيواء.

بعد يومين عاد حمزة إلى القاهرة.. وقبل أن يذهب إلى بيته استقبلته فى بيتى لنحدد ما المطلوب وندبر تكاليفه.

كان علينا فى البداية توفير 50 ألف جنيه ندفعها للباعة الذين يبيعون بضاعتهم فى ميدان باب الحديد لضمان ألا يستولى الإخوان على الميدان بما يخنق وسط القاهرة ويدمر شوارعها التجارية.. ومن جانبى سارعت بتدبير المبلغ بعد أن وجدت حشود الإخوان تستعد للاعتصام فى حرم محطة السكك الحديدية.

وحدد حمزة مطالب أخرى لم يلحظ أهميتها وتأثيرها فى الحشد كل من نزل إلى الشوارع والميادين.

منها بناء أكبر منصة خشبية أمام قصر الاتحادية مساحتها 180 مترا مربعا ليقف عليها الموسيقار سليم سحاب وخلفه 100 عازف ومنشد.. بجانب وحدة صوت وضوء قوية يصل تأثيرها للملايين التى ستقف بالقرب منها.

ومنها خمس إذاعات متحركة ستتجول ليل نهار على سيارات نصف نقل فى أحياء المطرية ودار السلام وأرض اللواء وغيرها وسيكون مع كل منها رجل مسلح من باعة باب الحديد.. وسيشرف عليها من النشطاء أحمد دومة وخالد السيد وعتر عز ونور الهدى زكى وكريمة الحفناوى.

ومنها عشرة آلاف وجبة إفطار يوم مليونية العاشر من رمضان للقادمين من المحافظات.. تتكلف الواحدة منها 32 جنيها.

ومنها 1500 لافتة بطول متر وعرض 70 سنتيمترا عليها شعارات مثل: «الشعب يريد محو الإخوان».. «قوم يا سيسى شعب مصر بيناديك».. «أمريكا أوروبا أرفعا أيديكما عن مصر».. «الإخوان مش مسلمين سابوا القدس وسابوا فلسطين وقتلوا المصريين».. «الإخوان فى العريش ضربوا النار فى ظهر الجيش».

وقد تبرع محمد فريد خميس بربع مليون جنيه.. وقدم أحمد العزبى كل ما يلزم من شنط إسعاف وأدوية طوارئ تصل قيمتها إلى 10آلاف جنيه بجانب استعداده لتنفيذ كل ما يطلب منه. لقد لعب ممدوح حمزة دورا فى يونيو يصعب نكرانه.. لكن.. المؤلم أنه لم يدع فيما بعد فى حفلات القوات المسلحة التى وجدنا شخصيات تعاونت مع الإخوان وهم فى السلطة مثل عمرو الليثى وإبراهيم المعلم وحسن راتب يتصدرون الصفوف الأولى.