وداع رمضان عند الشعراء والأدباء

إسلاميات

بوابة الفجر


اعتاد مؤذنو المساجد والجوامع في الأيام الأواخر من شهر رمضان الكريم، أنْ يودعوه بكلمات ذات نبرات مؤسية، ونغم حزين، لها وقعها على آذان السامعين.

حيث يكون الضيف الكريم قد جهَّز نفسه ليودعنا بعد أن حلَّ بين ظهرانينا حاملًا معه الخير والعطاء، والأجر والثواب وهو أكرم الشهور، شهر الله وشهر القرآن المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام. وقد ردَّد المؤذنون من المأثور عن الوداع أو التوحيش، قائلين:

لا أوحشَ الله منك يا رمضان ... لا أوحشَ الله منك يا شهر القرآن

لا أوحشَ الله منك يا شهر الصيام ... لا أوحشَ الله منك يا شهر القيام

لا أوحشَ الله منك يا شهر الكرم والجود ... لا أوحشَ الله منك يا شهر الولائم

لا أوحشَ الله منك يا شهر العزائم

وقال الخوارزمي في معنى: "لا أوحش الله منك"، أي لا أذهبك الله، فتوحش أحباءك من جانبك بالفراق، ومنه قول الشاعر الأبله البغدادي:

مَادَامَ جُودُ يَدَيْكَ مَوْجُوْدًا فما مَاتَ الكِرَام ... لا أُوحَشَتْ دَارُ السّلامِ مِنْ ارتيَاحِكَ والسَّلام

وأشار أبو العلاء المعري إلى ذات المعنى ببيته القائل:

لا أوْحَشَتْ دَارك من شَمْسِها ... ولا خَلا غَابُكَ مِنْ أُسْدِه

مقطوعات نثرية في وداع رمضان

وكتب الكُتَّاب العرب مقطوعاتً نثرية، بيَّنوا في ثناياها بأسلوبهم وبيانهم الرشيق ألم الفراق الذي سيتركه الشهر الفضيل وهو يشد رِحاله مودعًا على أمل العودة في العام القادم، فكتب أحدهم عن تلك اللحظات الأليمة على نفوس الصائمين قائلًا:

"يا شهر رمضان أين أرباب القيام؟ أين المجتهدون في جنح الظلام ؟ أين الذين يهجرون المنام؟ وتمنوا لو كان رمضان على الدوام، ذهبوا إلاَّ قليلًا منهم فعليهم السلام، كانوا قليلًا من الليل يهجعون وبالأَسْحَارِ هم يستغفرون".

وداع الشعراء لشهر رمضان

أودع الشعراء العرب في وداع رمضان الكثير من القصائد الشعرية عبر العصور الأدبية المختلفة، والتي توضح اهتمامهم بهذا الشهر وما يتركه في نفوسهم من حسرة على أيامه المباركات، فقال بعض الشعراء القدامى، وهو ما كان يهتف به من مآذن المساجد، ويسمعه الصائمون في كل مكان:

يا صَائِمِي رَمَضانَ فُوْزُوا بالمُنَى ... وتَحَقَّقُوا نَيْلَ السَّعادةِ والغِنَى

وَثِقُوا بِوَعْدِ اللهِ إذْ فيهِ الهَنَا ... أوَ ليسَ هذا القَوْلُ قولَ إلهِنَا

الصومُ لي وأنا أجزي بهِ

مَنْ صَامَ نالَ الفَوزَ من رَبِّ العُلا ... جهِهِ أضْحَى عَلَيهِ مُقَبِّلا

يَا مَنْ يَرُومُ تَوَسُّلًا وتَوصُّلًا صُمْ ... رَغْبَةً في قولِ ربٍّ قَدْ عَلا

الصومُ لي وأنا أجزي بهِ

وكتب الشاعر الأبيوردي قصيدة في مدح الوزير رشيد الدولة ابن أبي الفرج، مودعًا شهر الصيام الكريم، ذاكرًا في أبياتها محاسن رمضان، وكونه ليس أول من يرحل عنه ويتركه فقال فيها:

صَوْمٌ أغارَ عليهِ فِطْر كالنَجْمِ بَزَّ سَنَاهُ جَمْر

بِنْ يا صِيَامُ فَلَمْ تَزَلْ فَرْعَا لهُ الإفطارُ نَجْر

ولهُ الشُّهُورُ وإنّما لكَ مِنْ جميعِ الحَوْلِ شَهْر

ما كنتَ أوّلَ راحِلٍ ودَّعتَ والزَّفَراتُ جَمْر

كالظَّعنِ ليلةَ فاحَ في جَيْبِ التَنُوفَةِ منهُ عِطْر

بَدَأوا بأخذِ قُلُوبِنا زَادًا وقَالوا نَحْنُ سَفر

ومَضُوا وما بِقِبَابِهِم إلاّ عَجَاْجُ الخيَلِ سِتْر

وبيَّن أحد الشعراء في قصيدته كيف سيكون مآلهم، عندما يودعون أيام الصيام، فهل ستقبل أعمالهم أم لا؟ فقال:

أيُّ شَهْرٍ قَد تَوَلَّى يا عِبَادَ اللهِ عنَّا

حَقَّ أن نَبْكِي عَلَيهِ بِدمَاء لو عَقِلْنَا

كيفَ لا نَبْكِي لِشَهرٍ مَرّض بالغَفْلَةِ عنَّا

ثُمَّ لا نَعْلَمُ إنّا قَدْ قُبِلْنَاَ أو طُرِدْنَا

ليتَ شِعْرِي مَنْ هُوَ المَحْ رُومُ والمطرود منَّا

وَمَن المَقبولُ مِمّن صَائِمٌ مِنَّا فَيَهْنا