أحمد فايق يكتب: الإخوان وحماس فى بيت الطاعة السعودى ومحاولات لتحييد الإمارات

مقالات الرأي



يسعون لتشكيل حلف سنى فى حرب وهمية مع الشيعة

قبل أن تقرأ.. لا تنتظر فى هذا المقال تهييجا أو إثارة مشاكل، لكن ستجده محاولة عاقلة للفهم، فقد اختلطت الأوراق، ولا أحد يعرف من يلعب مع من؟

إن «س ١٨» آخر مقاتل آلى من حضارة أطلانتس فى انتظار تعليمات من المقدم نور الدين محمود.. «س ١٨» فى خدمتك ياسيدى ، وحينما أتت التعليمات، كانت بالضرب فى أدهم صبرى.. لماذا أصبحنا هكذا؟!

كل شىء مرتبك مازنجر يضرب أفروديت وأبو الغضب يتعامل برفق مع ماهر وكابتن ماجد أصبح شريرًا.

لقد أيقنت كل بلاد المنطقة أن العلاقات لم تعد زواجاً كما كانت من قبل، ولا تتوافق الدول حول سياسات واحدة طوال الوقت، إذا كانت السعودية حليفا استراتيجيا لمصر فهذا يعنى أن تتبنى مصر نفس وجهات نظر السعودية فى سوريا والعراق وليبيا واليمن.

العقيدة فى النظام المصرى واحدة، وهى مواجهة الإخوان فى الداخل والخارج، والدفاع عن الأمن القومى المصرى بداية من الأراضى التركية وحتى سيناء، وأن تقوم مصر بدورها الطبيعى كقائدة للعالم العربى، العقيدة فى النظام السعودى أيضا واحدة وهى مواجهة التشيع فى المنطقة، واعتبار نفسها قائدة للسنة فى العالم، هذه الأهداف تتعارض دائما تاريخيا، فالصراع على قيادة العرب بين مصر والسعودية تاريخى، وسيظل موجودا لعشرات السنوات، هذا الصراع وصل إلى مواجهات عسكرية فى حرب اليمن الأولى.

تاريخيا مصر لها أفضال على السعودية، والسعودية أيضا لها أفضال على مصر، لكن ليس بالأفضال وحدها تدار السياسة، هناك حدود كبيرة من الاتفاق بين مصر السعودية، فالنظام الملكى السعودى أياً كانت توجهاته وخلافاته الداخلية يرفض أن تقع مصر، أو تنهار ضحية لمؤامرة أو إرهاب، لذا تتدخل المملكة بكل ثقلها، لدعم مصر والوقوف بجوارها ومنعها من الوقوع فى الفخ، فهى تعلم أنه لو انهارت مصر ستنهار وراءها السعودية ولن تصمد أو تتحمل المنطقة فوضى وسط 90 مليون مواطن مصرى، مصر تدرك أيضا أنه فى إطار واجبها القومى لا تسمح بانهيار السعودية أو تعرضها لمخاطر، لذا لم نتردد لحظة فى دعم السعودية عسكريا فى عملية عاصفة الحزم، ولكن فى حدود الأمن القومى المصرى، لكن فى نفس الوقت لن تترك السعودية مصر تستعيد دورها الطبيعى فى المنطقة الذى لعبته طوال التاريخ، وتظل العلاقة بين البلدين فى إطار هذه الحدود المرسومة.

مؤخرا تبنى الإعلام السعودى من خلال كتابات صحفية لأشخاص مقربين من السلطة خطابا معاديا لمصر، ومارست المملكة ضغوطا اقتصادية ضد القاهرة كى تقبل بالصلح مع الإخوان وفق الشروط التى يراها السيسى مناسبة؟

السؤال هنا.. لماذا تريد السعودية الصلح فى مصر مع الإخوان ؟

الإجابة مرتبطة بالاتفاق النووى الذى تم فى إيران، ورغبة السعودية فى إقامة حلف سنى تقوده مع تركيا ومصر ضد إيران وسوريا وحزب الله، لتتحول المنطقة إلى حرب طائفية بين السنة والشيعة، وفى هذا يجب أن أعود إلى تصريحات النائب المعارض البريطانى جورج جالاوى فى كازاخستان 10 مايو 2013 حيث قال بالنص:

منذ اتفاقية سايكس بيكو، العرب أصبح تقسيمهم سهلا العرب، لم يتعلموا من دروس سايكس بيكو الأولى، وظلوا طوال مائة عام يقتلون بعضهم البعض من أجل ملوكهم وأشياء أخرى تافهة، طبقا لما كان مخططا له، فقد نفذ العرب بجدارة كل بنود سايكس بيكو، ونحن الآن أمام سايكس بيكو 2 لخلق صراع طائفى بين السنة والشيعة. ويذهب العرب أيضا فى نفس المنحنى، وربما يعيشون 100 عام أخرى يقتلون بعضهم، بسبب السنة والشيعة. إذا أراد العرب أن يدخلوا القرن الـ24 عليهم أن يعرفوا كيف يخطط لهم الأجانب، ويقفوا أمام هذه المخططات. ففى سايكس بيكو 1 قال الأجانب إنه ليس فى مصلحتهم أن تظل هذه المنطقة الكبيرة والغنية بالثروات الطبيعية والبشرية فى استقرار، وإلا أثرت على العالم كله، لذا، ظلوا 100 عام يتصارعون لخدمة الأجانب. وأتذكر ذات مرة قبل وفاته، ذهبت إلى الصين رفقة الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، أتذكر وقتها حين قال له رئيس الصين إن العرب ليسوا جديين حيال القضية الفلسطينية وتحرير الأراضى المحتلة، ولو كانوا جديين لتوجه جميعهم إلى فلسطين من أجل تحريرها وقتها، كان عدد الإسرائيليين أربعة ملايين مقابل 300 مليون عربى، ولو اتحد العرب وقتها وكان هدفهم الحقيقى هو نصرة القدس وتحرير الأراضى الفلسطينية، لفعلوا ذلك منذ وقت طويل، واعذرونى إن قلت إننا فى طريق توقيع اتفاقية سايكس بيكو 2 بعد نجاح سايكس بيكو 1 بامتياز، فالأوضاع الملتهبة وحالة الانقسام الشديد التى تعيشها المنطقة العربية يكرّس ذلك، حيث بات من السهل جدا تفتيت المنطقة.

كلام جورج جالاوى عمره أكثر من عامين، والسيناريو يتم تطبيقه لأننا لا نتعلم شيئا...

السؤال هنا من يستفيد من حرب بين السنة والشيعة فى المنطقة؟

بالتأكيد شركات السلاح فى أمريكا وأوروبا، والفلاحون والبسطاء فى الغرب ممن يصنعون لنا إف 16 والقنابل والدبابات...!

فمن أجل أن يعيشوا يجب أن يموت الآخرون، المنطقة لن تتحمل حروبا عربية إسرائيلية، ومن الأفضل توجيه كل طاقة الشر ناحية صراع سنى شيعى، وصراع ينقذ اقتصاد دول كثيرة من الانهيار، فإذا أردت أن تقرأ خريطة العالم من حولك عليك أن ترى صفقات السلاح وستعلم من خلالها كل شىء.

هناك 100 شركة سلاح فى العالم تحتكر 85% من سوق السلاح، بينهم 10 شركات من روسيا و38 شركة من أمريكا و21 شركة من أوروبا الغربية، هذه الشركات تديرها الجيوش الغربية أو تقف وراءها، وتدعم اقتصادياتها، وبلغ نصيب كل مواطن على الكرة الأرضية من السلاح فى السنة 250 دولارًا، الأهم من هذا أن مبيعات السلاح فى فترات ثورات الربيع العربى تراجعت بنسبة 5% وهذا أثر على اقتصاديات بعض الدول، وقررت الـ100 شركة الكبرى أن تصل بميزانية مبيعات السلاح فى 2020 إلى تريليون دولار أى ألف مليار دولار، ولن يشترى أحد سلاحا بهذه القيمة إلا إذا زادت التوترات فى العالم، وزادت احتمالية الحروب، ووفقا للتقارير المنسوبة لمواقع استخباراتية أمريكية مثل «جلوبال فاير باور» فإن السعودية احتلت المرتبة الرابعة فى العالم من حيث شراء السلاح فى عام 2014 واشترت بـ80 مليار دولار، وتركيا اشترت سلاحًا بـ20 مليار دولار والإمارات دفعت 19 مليار دولار، واحتكر الشرق الأوسط وحده تقريبا 40% من مبيعات السلاح فى العالم، وقريبا ستتوسع الأسواق أكثر فقد تم الإفراج عن 150 مليار دولار من أموال إيران التى ستتوجه بالتأكيد للأغراض العسكرية، ولن تصمت السعودية وستدخل فى سباق تسلح معها.

إن الوقوع فى فخ حرب سنية شيعية فى المنطقة سيفقر شعوبنا حتى يلعب رجال الأعمال القمار فى لاس فيجاس، وتستطيع هوليوود أن تنتج أفلاما تقنعنا فيها أن أمريكا هى الرب الأعظم.

هذا ماتريده السعودية الآن.. إسقاط بشار الأسد فى سوريا وبالتالى إسقاط الجيش السورى، التحالف مع الإخوان فى اليمن لإسقاط على عبدالله صالح، التحالف مع الإخوان فى ليبيا، والتحالف مع إخوان العراق ضد الشيعة. لكن السؤال هنا ما تأثير هذا على مصر.. لو سقط الجيش السورى سيكون هذا مدخلا لمحاولة إسقاط الجيش المصرى، ولو تحالفوا مع الإخوان من حولنا سيصدرون إرهابهم لنا، ولو تحالفوا مع الإخوان فى ليبيا ستحاصرنا أنظمة إخوانية من جميع الحدود.. حماس فى الشرق البشير فى الجنوب إخوان ليبيا فى الغرب وإسرائيل تستمتع بالفرجة علينا ونحن نتمزق.

هذا السيناريو ترفضه مصر وتعلم أنه يؤثر على أمنها القومى، ويتمناه الإخوان المسلمون، لذا فقد تراجع التنظيم الدولى خطوات للوراء، وبعد أن كان يتحدث راشد الغنوشى مرشد إخوان تونس بمصطلحات من نوعية «الانقلاب العسكرى» و«شرعية مرسى» عاد ليتحدث بخطاب آخر، ووجه نداءه الأول للسعودية من خلال حوار أجراه مع جريدة الخبر الجزائرية، حيث طرح كلامه الذى بدا بالتنسيق مع الرياض، وهدد فيه بشكل مباشر بأن بديل عدم المصالحة مع الإخوان هو إرهاب داعش، وسأكتفى بنقل ثلاثة أسئلة من الحوار لتعرفون كيف يدار هذا الأمر.

دخلت مصر دوامة عنف ونفقا مظلما، كيف تعلق على الأوضاع والتطورات فى هذا البلد؟

مصر تغرق فى الظلام، وقيادتها تدفعها إلى المجهول وإلى الكارثة، ولذلك دعوت ولا أزال أدعو إلى الإعراض عن هذا الخيار الكارثى واللجوء إلى الصلح والحوار، سيبقى فى مصر جيش، والأمة تحتاج إلى جيش يدافع عنها وليس ليقمع شعبه، وتصوُّر أن جيشا سيخرج من السياسة تصور بعيد، كما أن تصور أن الإخوان المسلمين الذين مضى على تأسيسهم قرابة قرن سيختفون من المشهد بين عشية وضحاها، بينما هناك 5 أجيال أو أكثر من أجيال الإخوان المسلمين متغلغلة فى مصر، والتصور أنها ستختفى بإصدار مئات أحكام الإعدام تصور خاطئ، فلماذا تضييع الوقت؟ ولماذا الرهان على الحلول الخاسرة والجواد الخاسر؟ سيظل هناك جيش وسيظل هناك إخوان وسيظل هناك أزهر وستظل هناك كنيسة وستظل هناك قوى ليبرالية، لا مناص من أن يعترف الجميع بالجميع وأن الوطن يتسع للجميع، والبحث عن معادلة تعايش وليس معادلة استئصال وإقصاء وانفراد بالبلاد.

هل الحل فى إبعاد الرئيس السيسى من الحكم مثلا؟

ذاك شأن مصرى، لكن حلول الاستئصال لن تحل مشكلات مصر وإنما ستدخلها فى الظلام، ولذلك إذا نفذت إعدامات كما وعد السيسى فيخشى أن يفلت الزمام من قادة الإخوان، وأن تصبح السياسة التى أعلن عنها مرشد الإخوان «سلميتنا أقوى من رصاصهم» غير قابلة للصمود، ولذلك طالبت كل الرؤساء الذين قابلتهم بالتدخل لمنع وقوع الإعدامات، الرئيس بوتفليقة نفسه ذكر لى أن الجزائر تدخلت لمنع إعدام سيد قطب، والرئيس بورقيبة والبرلمان التونسى تدخلا أيضا، لكن سيد قطب أعدم، فهل أعدم فكره؟ أليست الجماعات الجهادية انطلقت من هناك، من دم سيد قطب، أن تعدم رئيسا منتخبا سابقة فى التاريخ، سيظل مرسى علما ورمزا لا ينسى، وستلاحق اللعنات كل من يتورط فى دمه، ما مصلحة مصر فى إعدام مرسى، مرسى سيموت اليوم أو غدا، لكن ماذا سيقدم دمه للمصريين؟

ما جدية تقديمك لمبادرة مصالحة فى مصر بين الإخوان والسلطة لوقف الانزلاق؟

لوحت فى عدة تصريحات بمبادرات، ودعوت القادة السعوديين والمملكة العربية سعودية بما لها من وزن روحى واقتصادى أن تقوم بمصالحات فى المنطقة كلها وفى مصر، أرجو أن تجد هذه الدعوات استجابة لدى القادة الذين التقيتهم فى السعودية وتركيا وفى الجزائر.

هل تعتقد أن داعش هو البديل عن رفض الأنظمة وإقصائها للتيار الإسلامى الوسطى والمعتدل الذى يقبل بالديمقراطية؟

واضح أن داعش هو البديل عن الاعتدال الإسلامى، فى العراق عندما أقصى المكون السنى المعتدل من العملية السياسية ظهرت داعش، وكذلك سوريا عندما أبيد التيار الإسلامى المعتدل قدم داعش نفسه كمدافع عن الطرف المقصى، تونس نفسها لمدة 30 سنة عندما كانت النهضة موجودة لم تعرف تطرفا وسلفية وقاعدة وداعش، كل هذا جاء بعد تغييب النهضة فى التسعينيات والعشرية الأولى من الألفية بكم هائل من العنف، وبعدما تم إقصاء للزيتونة الذى كان يمثل مرجعا للإسلام السنى المعتدل، ومع غياب النهضة كان الفراغ الذى ملأته دعوات التطرف القادمة عبر الفضائيات والإنترنت، فكان أنصار الشريعة. لا يمكن إقصاء التيار الإسلامى، مثلما كانت فى الخمسينيات الأيديولوجية الماركسية هى الشائعة، وكان عليك أن تختار بين شيوعية ماو أو شيوعية ستالين أو شيوعية أنور خوجة أو تشى جيفارا، اليوم عليك أن تختار بين إسلام النهضة أو إسلام أردوغان أو إسلام أنصار الشريعة، إذاً لا يمكن أن تقصى التيار الإسلامى جملة واحدة.

من خلال كلام راشد الغنوشى تستطيع أن تكتشف أن حدة خطابه تجاه السيسى تراجعت وهذا بالطبع بأوامر سعودية، والرجل يلعب دور محامى الشيطان، يتحدث باسم التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين، ويعرض الآن صفقة مع مصر برعاية سعودية إما داعش أو التنازل عن أحكام الإعدام وإعادة الإخوان المسلمين إلى الحياة السياسية وقبولهم بالرئيس السيسى مقابل أن يتوقف الارهاب فى سيناء، هو بالطبع لا يقول هذا بشكل مباشر إنما يقول بأنهم سيواجهون داعش فكريا بإسلامهم المعتدل كما يريد أن يصور لنا هذا، وبالتالى سيقدم التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين كل الخدمات على الأرض للسعودية فى اليمن وسوريا وليبيا، وفى نفس الوقت هناك رغبة فى تحييد الإمارات فالتحالف المصرى الإماراتى المناهض للإخوان فى المنطقة أصبح يشكل إزعاجا للمملكة والإخوان من قبلهم.

مصر رفضت هذا السيناريو لأنها دولة كبيرة لا تقبل بضغوط من أحد وهذا يبرر الهجوم فى بعض المنابر الإعلامية السعودية ضد مصر، وليس من مصلحة السعودية أن تخسر مصر لأن البديل سيكون قاسيا على الجميع ولن يتحمل أحد تقاربًا مصريًا إيرانيًا..!