تقرير يوضح دوافع إعلان "أردوغان" الحرب على "داعش"

عربي ودولي

بوابة الفجر



قالت مجلة "تايم" الأمريكية، في مقال نشرته على موقعها الإلكتروني، إن تركيا دخلت في معركة ضد تنظيم داعش الإرهابي، ولكن يبدو أن السبب الحقيقي وراء ذلك لا يكمن في دحر التنظيم، وإنما استهداف الأكراد.

وترى المجلة أن انضمام تركيا الرسمي في الحرب ضد داعش جاء في أعقاب التفجير الانتحاري في المدينة الحدودية سوروتش، وعلى الرغم من ذلك، فإن الهدف الحقيقي الذي تسعى إليه تركيا لايزال غامضاً، لاسيما في ظل التراجع الذي يعاني منه الاقتصاد التركي الذي يتهاوى حسب وصف المجلة، فضلاً عن هشاشة الوضع السياسي الداخلي داخل تركيا في الوقت الراهن. بحسب "24"

يذكر المقال خمسة حقائق تشرح الدوافع المتعددة التي جعلت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتخذ قرار خوض الحرب، وهي كالتالي: 

أولاً: تعثر الاقتصاد 
حتى وقت قريب، كانت تركيا من الأسواق الناشئة الواعدة، وفي عام 2010 وصل تزايد معدل نموها الاقتصادي إلى 9,2%. بيد أنه بحلول عام 2013، تغيرت الأوضاع وانخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 4,1%، وللأسف يستمر هذا التراجع وتشير التوقعات أن النمو الاقتصادي لن يتجاوز 3,1% لعام 2015، كما ارتفعت نسبة البطالة داخل البلاد لتصل إلى 11%، وهي أعلى معدل شهدته تركيا خلال السنوات الخمس الماضية. 

ومن غير الواضح إذا كان انضمام تركيا لمحاربة تنظيم داعش من شأنه أن يساعد الاقتصاد التركي بصورة مباشرة، والواقع من المحتمل أن يحدث عكس ذلك، خاصة أن الحروب القتالية، ذات النهايات المفتوحة، تحتاج إلى تكاليف باهظة. 

ولكن السبب الحقيقي، كما يرى المقال، يكمن في شغل انتباه الرأي العام، وصرفه عن الاهتمام المتزايد بالتراجع وعدم الاستقرار الذي يشهده الاقتصاد. 

ثانياً: تراجع حزب العدالة والتنمية
كان لتراجع الاقتصاد تأثيره على الأوضاع السياسية داخل تركيا التي شهدت انحداراً مماثلاً، وكانت تركيا دولة علمانية طوال فترة قرن تقريباً حتى عام 2002 عندما صعد حزب العدالة والتنمية، حزب أردوغان السياسي، وقد نجح الحزب في الفوز بأربعة انتخابات متتالية، ووصل إلى ذروة نجاحه في عام 2011 بنسبة 49,9%، وكان يترأس فترة الازدهار الاقتصادي في تركيا. 

ولكن منذ تلك الفترة، خسر أردوغان مقداراً هائلاً من شعبيته الشخصية التي كانت 71% وتراجعت إلى 37,5% في الوقت الحالي، كما تراجع تأييد حزب العدالة والتنمية بمقدار 10% وفقا لنتيجة انتخابات يونيو الماضي، وخسر حزب العدالة والتنمية الأغلبية التشريعية المطلقة التي كان يتمتع بها طوال ثلاثة عشرة عاماً. 

واستغل حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد التدهور الذي حدث لشعبية حزب العدالة والتنمية، ونجح للمرة الأولى في دخول البرلمان من خلال الحصول على 13% من التصويت (يجب على الأحزاب السياسية الحصول على نسبة 10% على الأقل من التصويت حتى تتمكن من دخول البرلمان التركي). 

وبحسب المقال، لا يتبقى أمام حزب العدالة والتنمية سوى الاختيار ما بين دعوة الحزب المعارض (حزب الشعوب الديمقراطي) للانضمام إلى حكومة ائتلافية، أو الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة في محاولة لاستعادة الأغلبية المطلقة، ويحقق الانضمام إلى الحرب ضد داعش هدفين سياسيين: الأول هو تشويه حزب الشعوب الديمقراطي الذي يرتبط بالجماعات الكردية الانفصالية التي يتم اتهامها بالإرهاب، والثاني هو إثارة المشاعر القومية لحشد التصويت من حزب الحركة القومية اليمني المتطرف. 

وسوف يراقب أردوغان نتائج استطلاعات الرأي، وإذا ارتفعت نسبة حزب العدالة والتنمية إلى 50%، فإنه على الأرجح سيدفع إلى إجراء تصويت آخر. 

ثالثاً: اللاجئون السوريون في تركيا
توفر تركيا مأوى إلى ما يقرب من 2 مليون شخص من اللاجئين السوريين، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 2,5 مليون بنهاية عام 2015، وهذا يعني أن أكثر من نصف السوريين الذين فروا من بلادهم بسبب الحرب الأهلية – البالغ عددهم حوالي 4 مليون – يقيمون فعلياً في تركيا التي قامت ببناء 25 مخيم للاجئين، وتفيد التقارير أنه يتم إدارتها بصورة جيدة نسبياً، بيد أن المشكلة بالنسبة إلى أنقرة تكمن في التكلفة، وتقدر أنقرة أنها انفقت ما يقرب من 5.6 مليار دولار على اللاجئين منذ بداية الأزمة السورية. 

ويلفت المقال إلى أنه في ظل اقتصادها المتعثر، لا يمكن توقع مقدار الوقت الذي يمكن أن تواصل فيه تركيا تحمل هذا العبء، وإذا ما انتهى الصراع في سوريا بصورة أسرع، سيعود هؤلاء اللاجئين إلى ديارهم. 

رابعاً: التاريخ العنيف مع حزب العمال الكردستاني
وتشير "تايم" إلى أن الأمور تبدو غامضة في هذا الشأن، إذ أنه في أعقاب الهجوم الانتحاري في سوروتش، تلقى حزب العدالة والتنمية انتقادات شديدة لعدم حماية البلاد ضد الإرهاب، وفي الوقت نفسه، اتهم الأكراد الحكومة التركية بالتواطؤ في هذا الهجوم الذي راح ضحيته أنصار حزب العمال الكردستاني الموالين لوحدات حماية الشعب التركية التي تقاتل تنظيم داعش الإرهابي في سوريا. 

ويرى الأكراد أن حكومة أردوغان تساهلت مع هجمات داعش ضد الأكراد، لأن ميليشيات داعش تمثل تهديداً لنظام بشار الأسد (عدو تركيا)، وتحول أيضاً دون حصول الأكراد على مكاسب في الأراضي السورية ربما تساعدهم في خلق وطن للأكراد في المنطقة. 

وترى المجلة أن أردوغان أعلن الحرب ضد داعش لمواجهة تلك الانتقادات التي تتهمه بالتساهل مع الإرهاب، ولكن تفجير سوروتش بعكس بالفعل العلاقة المتوترة بين الأتراك والأكراد منذ فترة طويلة؛ إذ أن الأكراد أقلية عرقية كبيرة في المنطقة، ويتم تحريضها على الاستقلال منذ عقود. وعلى مدى الأربعين عاماً الماضية، أودت أعمال العنف التركية الكردية بحياة أربعين ألف شخص تقريباً، وتم التوصل إلى وقف إطلاق النار بين الجانبين في مارس 2013، ولكنه لم يدم طويلاً. 

ووفقاً إلى السلطات الأمنية التركية، وصل عدد أعمال العنف التي قام بها حزب العمال الكردستاني إلى 2000 خلال عام 2015 وحده. 

خامساً: حرب ضد من؟ 
وتقول تايم: "من الواضح أن أنقرة انزعجت بشدة من التقدم الذي حققه المقاتلون الأكراد في سوريا ضد تنظيم داعش الإرهابي، الذي يثير أحلام استقلال الأكراد الأتراك، وهو الأمر الذي تخشاه تركيا بشدة، وفي أعقاب تفجير سوروتش، شنت الشرطة التركية غارات أمنية في جميع أنحاء البلاد، وقامت بالقبض على أكثر من 1300 مشتبه به في غضون أيام قليلة، ولكن عدد المسلحين المحتجزين من حزب العمال الكردستاني يفوق عدد المؤيدين لداعش بمقدار 6 إلى 1، وخلال الفترة ما بين 23 إلى 26 يوليو، قامت الطائرات التركية (عددها 75) بـشن 155 غارة جوية ضد ما يقرب من 400 هدف لحزب العمال الكردستاني، مقارنة بـ 3 أهداف فقط لتنظيم داعش الإرهابي". 

ويخلص مقال المجلة إلى أن الانضمام رسمياً للحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي يعطي تركيا الغطاء الذي تحتاج إليه لقصف الانفصاليين الأكراد في المقاطعات على طول الحدود التركية، ويبدو أن واشنطن مستعدة لتجاهل الهجمات ضد الأكراد في مقابل استخدام قاعدة إنجرليك الجوية؛ لقصف تنظيم داعش الإرهابي داخل الأراضي العراقية، وسيكون الوقت وحده كفيلاً لإثبات إذا ما كانت الاستراتيجيات السياسية والعسكرية لكل من تركيا والولايات المتحدة سوف تؤتي ثمارها.