خبراء: الصين عملاق من الماضى يبنى مستقبل إنساني أكثر عدالة

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


 مستشار باكاديمية ناصر: امريكا خططت للانتقال من الشرق الأوسط للتركيز على الصين عدوها الجديد
 
خبير استراتيجى : انسجام الفيتو الروسى والصينى ينهى عصر الهيمنة الأمريكية
 
خبير إقتصادى: وجهة النظر الأمريكية فى الاستحواز والارضاخ اصبحت قيما من الماضى تجاوزها الزمن
 
 
 
فى عرض عسكرى مهيب يحمل الكثير من الدلالات العميقة ، احتفلت الصين بعيد النصر وسط حضور دولى رفيع المستوى . وكشف هذا العرض عن رسالة لا تخطئها العين وهى صعود الصين كقوى إقتصادية عالمية بخطوات هادئة ولكن فاعلة تحميها قوتها العسكرية ، لا لكى تقتنص مكانة دولية تؤهلها لفرض قرارها على المجتمع الدولى  وتمكنها من الدفاع عن مصالحها فحسب ، بل لتعيد تشكيل موازين القوى العالمية التى ظلت لسنوات تحت القيادة الأمريكية استحوذت خلالها على القرار الدولى وقدمت شتى أشكال البطش العسكرى لتحقيق أهدافها  ، مسجلة بذلك مرحلة عصرية جديدة لا تسيطر عليها الولايات المتحدة  ، ومتطلعة إلى عالم اكثرعدالة تتعدد فيه القوى الإقتصادية والسياسية .
 
فى هذا الاطار تتخذ العلاقات المصرية الصينية ذات التاريخ الثقافى والسياسى العريق منحى جديدا خاصا مع الحضور المصرى المتميز فى عيد النصر ، بمشاركة سرية مصرية فى العرض العسكرى ، وكأن الدولتين تتكاملان من أجل توجيه ذات الرسالة إلى العالم حول بدء عصر جديد تسوده قيم التعاون لا الصراع والتكامل لا الارضاخ  والتنوع لا التفرد والاستحواذ بما يخدم الشعوب ويحقق الرخاء للبشرية  ، وجاءت كلمة الرئيس شى جين بينغ لتتسق مع ما اكدته مصر منذ ما يزيد على الثلاثين عاما ، إن السلام هدف تحميه القوة العسكرية  ، لتعلم البلدان ذات الأصول الحضارية الشرقية العريقة المجتمع الدولى قيما غابت كثيرا فى خضم سطوة الآلة العسكرية وصراع فرض الارادات افقدت العالم الإنسانى قيم العدل والحق .
 
الفجر فى لقاء مع عدد من الخبراء لالقاء الضوء على العلاقات المتميزة المصرية والصينية  وعلى بزوغ الصين كقوة إقتصادية عملاقة فى عالم نعيش لحظات ولادته.
 
 
 الانتقال من الشرق الأوسط
 
فى البداية قال اللواء طلعت موسى المستشار باكاديمية ناصر العسكرية أن الصين وما حققته من أعلى نسبة نمو فى العالم بلغت 17% اصبحت مصدرا للإزعاج الولايات المتحدة مما جعلها العدو الجديد لتلك الدولة التى تريد ارضاخ العالم إلى ارادتها  ، اضف إلى ذلك القفزة الإقتصادية والسياسية الكبيرة التى حققتها روسيا الاتحادية احتواء لصدمة انهيار الاتحاد السوفيتى ،  مما دفع الولايات المتحدة لاعداد الخطط لتوجيه اهتماماتها فى المرحلة القادمة إلى عدوها التقليدى وهو روسيا وعدوها الجديد وهو الصين .
 
واكد اللواء موسى أنه فى اطار تلك الخطة الأمريكية يعاد ترتيب المنطقة العربية ، حيث لجأت الولايات المتحدة إلى وكلائها فى المنطقة العربية تركيا وإيران ورسمت لهما أدوارا جديدة تتلائم مع متطلبات أهدافها ، أبرزها اذكاء الصراع الطائفى ، كما اكد أنه طبقا لهذا الوضع المأمول والمستهدف فإن الولايات المتحدة قد حققت ثلاثة أهداف رئيسية تمثل أبرز ملامح الاستراتيجية الأمريكية ، وهى ضمان أمن وسلامة إسرائيل واستمرار الهيمنة الأمريكية على المنطقة واطالة امد الصراع بما يزيد من تدفق السلاح الأمريكى والانشغال بعيدا عن إسرائيل ،  وكل ذلك يخلق الأوضاع التى تهيئ الولايات المتحدة لتغادرها إلى الشرق الأدنى وروسيا وهى مطمأنة على مصالحها  تحت شعار " الانتقال من الشرق الأوسط ".
 
 
واشار اللواء موسى أن الصين تدرك تلك الخطة الأمريكية ، وتدرك الأخطار والتهديدات التى يعانى منها العالم العربى ،  الأمر الذى يجعل من الولايات المتحدة مصدرا للتهديدات المشتركة للعالم العربى ومصر على وجه الخصوص وكذلك الصين ، مما يمثل الأرضية الصلبة من القواسم والتهديدات المشتركة التى ينبنى عليها مزيد من التعاون بين البلدين  وتدفع لتنسيق المواقف لمواجهة التهديدات المشتركة والارتقاء بالعلاقات الثنائية كما تتلائم مع مكانة البلدين وتاريخ علاقاتهما المتميزة والعريقة.
 
 
عصر جديد لا تسيطر علية الولايات المتحدة
 
من جانب آخر أشار اللواء محمد الغباشى الخبير الإستراتيجى ومساعد رئيس حزب حماة الوطن إلى أن انسجام الموقف والفيتو الصينى والروسى حيال الأزمة السورية والاوكرانية كشف عن حجم التغيير الذى اصاب الواقع الدولى ، حيث لم تعد الولايات المتحدة قادرة على فرض قرارها على مجلس الأمن كما حدث وقت حرب أفغانستان والعراق ، كما كشف عن القوة السياسية الصاعدة لمجموعة بريكس الإقتصادية وقدرتها على الدفاع عن مصالح أعضائها ضد التهديدات الأمريكية.
 
 
مضيفاً أن عالم اليوم وإن كان يختلف فى طبيعة الصراع و العلاقات الدولية عن تلك القواعد وقت الحرب الباردة ، الا أنه اعاد تدوير هذا الصراع بالشكل الذى يتلائم مع متغيرات العصر ، حيث يتصارع الآن قوتان رئيسيتان ، روسيا والصين فى جانب و الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى على الجانب الآخر ، مؤكدا أن روسيا وما تمثله من قوة عسكرية والصين وما تمثله من قوة إقتصادية قادرتان على ترجيح كفتهما فى موازين القوى فى خصم كبير للنفوذ الأمريكى المترنح ، ومن أجل تدشين عصر جديد متعدد الأقطاب لا تسيطر عليه الولايات المتحدة . 
 
 
وأوضح اللواء الغباشى أن الصين نجحت نجاحا باهرا فى تقديم نفسها كنموذج إقتصادى وسياسى فى عصر العولمة ، والتى تعنى سيطرة النموذج الأمريكى على العالم  وفرض القيم والمعايير الأمريكية على الجميع بشكل عابر للقارات والثقافات ،  واستطاعت الصين الحفاظ على هويتها وافشلت كل محاولات السيطرة الأمريكية على قرارها وشخصيتها على الرغم من العلاقات الإقتصادية المتميزة  التى تجمع البلدين غيرعابئة بالشعارات الأمريكية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وهى القيم التى يتستر خلفها الوجه القبيح للولايات المتحدة التى لا تعرف الا التخريب والاستحواذ على ثروات الشعوب وقرارات الدول.
 
 
كما وصف اللواء الغباشى الصين بالصديقة للموقف العربى ، حيث تتبنى الصين القرارات الدولية التى تتسق والحق العربى وأبرزها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ، حيث تتبنى الصين اقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 يوينة 67 وعاصمتها القدس الشرقية ، موضحا أن لقاء الزعمين المصرى والصينى اكد على توافق وجهات النظر حول الكثير من القضايا الدولية والتى تمثل اهتماما خاصا بالأمن القومى العربى أبرزها الحل السلمى للأزمة السورية وضرورة التكاتف الدولى لمواجهة الإرهاب مواجهة جدية.
 
 
موضحاً أنه على الرغم من العلاقات المتميزة التى تجمع الصين وإيران ، الا أن الصين ترقب  بدقة التقارب الإيرانى الأمريكى وتتفهم القلق العربى والخليجى على وجه الخصوص من تنامى النفوذ الإيرانى فى المنطقة ، مؤكدا أن الصين تنتهج سياسات متوازنة حيال الطرفين وهى لن تسمح لإيران بانتاج القنبلة النووية كما لن تسمح بما يعكر صفو علاقاتها بالعالم العربى.
 
 
وأخيرا قال اللواء الغباشى أن مصر والصين من الحضارات الشرقية ذات التاريخ العريق الضارب فى القدم بعكس الولايات المتحدة الدولة الحديثة التى يتآكل نفوذها يوما بعد يوم ، قادرتان على التواكب مع متغيرات الواقع الدولى بما يخلق عالما اكثر عدالة وانصافا ، وبما يعيد الحضارات الشرقية إلى أمجادها
 
 
مجموعة بريكسى وموازين جديدة للقوى
 
إقتصاديا  قال الدكتور صلاح جودة الخبير الإقتصادى ورئيس مركز الدراسات الإقتصادية أن الصين عملاق إقتصادى ضخم حيث حققت أعلى نسبة نمو فى العالم وتحتل المركز الثانى إقتصاديا على مستوى العالم ، كما تعد الصين أحد أبرز أعضاء مجموعة بريكس الإقتصادية الصاعدة التى سوف تتصدر إقتصاديات العالم فى غضوة أعوام قليلة بما يؤثرعلى نفوذ الولايات المتحدة ويفتح الباب على مصراعيه لعدد من الأقطاب القتصادية البازغة .التى سوف تغير موازين القوى فى العالم .
 
 
وأضاف الدكتور جودة الصين لها علاقات متميزة بعدد من دول العالم ذات الثقل الإقتصادى والسياسى أبرزها روسيا - عضو مجموعة بريكس - وقد مثلت صفقة الغاز التى تمت بين الجانبين اضخم صفقة غاز فى العالم خاصا وأنها بالروبل الروسى ، وما هو أخطر من ذلك فإن الصين وروسيا قد صفعتا الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة اللذين حاولا حصار الدب الروسى وذلك على خلفية أزمة اوكرانيا ، لتدشن البلدان خطوة نوعية على صعيد اعادة تشكيل موازين القوى وجبهات الصراع .
 
 
وأوضح جودة أن الصين ترتبط بعلاقات إقتصادية متميزة بإيران مكن الأخيرة من التعيش مع العقوبات الإقتصادية المفروضة عليها على خلفية برنامجهها النووى مما جعل تلك العقوبات ضعيفة الجدوى ، كما أوضح أن الصين  اكبر دائن للولايات المتحدة ، حيث تحتل حوالى 25 % من الدين الخارجى الأمريكى يمكنها من أخطر أداة ضغط على الولايات المتحدة ، ومن ثم فإن الصين لها علاقات متميزة بالدول ذات القدرة على التأثير الخطير فى القرارات الدولية ، مما يمكنها من مزيد من ادوات الضغط لفرض قرارها وتحقيق مصالحها.
 
 
وعن العلاقات الثنائية المصرية الصينية ، أشار الدكتور جودة أن الصين لازالت تتذكر أن مصر أول دولة اعترفت بجمهورية الصين الشعبية وحشدت دول عدم الانحياز للاعتراف بها بدلا من تايوان التى اصبحت فيما بعد جزءا منها فيما بعد ، مما أهلها لعضوية الأمم المتحدة ، ومن ثم فإن العلاقات المصرية الصينية ذات طابع خاص ومتميز يمهد لبناء لمزيد من التعاون.
 
 
وأكد جودة على أن الصين تتطلع من جانبها للاستفادة من الموقع الجغرافى المصرى الفريد وفقا لدوائر انتمائاتها المتعددة ، خاصا بعد انضمام مصر إلى اتفاقية التكتلات الإفريقية الثلاث بخلاف الاتفاقيات الأخرى مع العالم العربى و أوروبا مما يفتح آفاقا رحبة للمستثمر الصينى والقدرة على النفاذ إلى السوق المصرى والعربى والإفريقى قوامه ما يزيد على المليار نسمة.
 
 
وعلى الجانب الآخر فالصين وروسيا يستطيعان مساعدة مصر فى الانضمام إلى مجموعة بريكس الإقتصادية الصاعدة لتتحول إلى بريكسى مما سيمثل نقلة نوعية وقفزة غير محدودة للإقتصاد المصرى، علاوة على استفادة مصر من القوة الصناعية العملاقة للصين فى مجالات الصناعات الثقيلة والحربية.
 
 
هذا بخلاف امكانية عمل شراكة ثلاثية بين مصر والسعودية والصين لتتكامل عناصر المال والخبرة التكنولوجية والسوق والعمالة لتدشين اكبر وأخطر تكتل إقتصادى فى المنطقة، كما أن الآفاق الإقتصادية الرحبة المنتظرة من خلال إحياء طريق الحريرى التجارى خاصا بعد افتتاح مشروع محور قناة السويس دافعة لعلاقات تكاملية  بين مصر والصين والهند مما يفتح المجال لعلاقات اكثر تميز بين الدول الثلاث التى تحتل مكانة دولية خاصة.
 
 
واختتم الدكتور جودة حديثه قائلا : "إن التكامل المصرى والصينى والروسى يدشن عصرا جديدا من العلاقات الدولية تقوم على التعددية والتكاملية والتوافق مقابل وجهة النظر الأمريكية التى تقوم على الاستحواز والارضاخ مما جعلها دولة من الماضى لن يتوقف عندها الزمان ليحقق ارادتها بعيدا عن مصالح الأقطاب الجديدة البازغة".