خبير استراتيجي: محاولات أمريكية لتوريط "السعودية" فى حرب ضد "داعش"

تقارير وحوارات

أرشيفية
أرشيفية


التقاعس الأمريكى عن ضرب الجيش السورى سبب توترا مع حليفته السعودية
 
من المستحيل استقلال القرار السعودى بعيدا عن الادارة الأمريكية
 
أوباما يحاول استدراج قوات التحالف العربى لحرب فى العراق كما نجح فى استدراجها لحرب اليمن
 
اخشى استجابة السعودية للضغوط الأمريكية فى اعاقة تشكيل القوة العربية المشتركة
 
حجم التباعد المصرى الأمريكى يجعل انتهاج السعودية لسياسة توافقية بين الطرفين مستحيلا
 
 بعد فترة توتر عابرة التقى الصديقان العاهل السعودى الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الأمريكى باراك اوباما فى قمة عقدت بالأمس فى البيت الأبيض ، ويبدو أن البلدين الحليفين لم يستطيعا تحمل الجفاء الذى شاب العلاقات الحميمة بينهما على خلفية مجموعة من الأسباب على رأسها التوقيع على البرنامج النووى الإيرانى ، وما اعتبرته السعودية تقاعسا أمريكيا عن اصدار قرار من مجلس الأمن لضرب الجيش السورى العربي. 

ولكن ييدو أن التوافق السعودى الأمريكى الكبير خاصا فيما يتعلق بشخص ومصير الرئيس السورى بشارالأسد قد اعاد الأمور بينهما إلى نصابها خاصا مع التأثيرات المحتملة لذلك على شق الصف العربى واعاقة التوصل إلى صيغة عربية جامعة للأزمة السورية من جانب ، واعاقة المبادرة الروسية إزاء ذات الأزمة استناداعلى خلفية سياسية واتاحة المجال للشعب السورى لاختيار من يمثله ، الأمر الذى قد يحقق الأهداف الأمريكية العدائية ضد الوطن العربى.

ويأتى هذا اللقاء المثير للشبهات عن ما قد يتوصل إليه الجانبان الصديقان خلف الأبواب المؤصدة بعيدا عن متطلبات الأمن القومى العربي ، عقب تأجيل اجتماع جامعة الدول العربية الذى كان مخصصا لاتخاذ قرار بشأن تشكيل القوة العربية المشتركة بناء على طلب من السعودية ، مما يفتح المجال واسعا لتساؤلات عن مدى نجاح الضغوط الأمريكية فى التأثير على القرار السعودى.

كما يبدو أيضا أن حجم التباعد الكبير بين الموقف المصرى والأمريكى يجعل السياسة التوافقية السعودية بين الطرفين مسألة مستحيلة ، كما يجعل القرار السعودى مترنحا لا يقوى على التوازن بين الأضداد ويبقى الخلاف هو سيد الموقف.

الفجر فى لقاء خاص مع اللواء محمد الغباشى الخبير الإستراتيجى ومساعد رئيس حزب حماة الوطن لالقاء الضوء على القمة السعودية الأمريكية ، وتفسير الموقف السعودى الذى يثير تساؤلات فى ظل متطلبات الأمن القومى العربي وسط ما تموج به المنطقة العربية من تهديدات غير مسبوقة مصدرها فى الأساس السلوك العدائى الأمريكى تجاه الوطن العربى عامة والمصري خاصة.

* ما هى أسباب توتر العلاقات السعودية الأمريكية ؟
 
 هناك ثلاثة أسباب لتوتر العلاقات بين البلدين الحليفين ، أولها التقارب الأمريكى الإيرانى على خلفية برنامجهها النووى ، حيث ينظر الخليج بعين القلق إلى تنامى النفوذ الإيرانى فى المنطقة خاصا فيما يتعلق باستخدام الكارت الطائفى كأداة للتدخل فى الشأن الداخلى للدول.

 ثانيا : ادراك الخليج الدور المنوط بجماعة الإخوان الإرهابية والمرسوم لها من قبل الادارة الأمريكية فى اعادة ترتيب المنطقة العربية بالتوافق مع الدور الإيرانى لاقامة دويلات دينية طائفية، الأمر الذى جعل الخليج يساند وبقوة للثورة الشعبية المصرية فى  30 يوينة كمحاولة لكبح جماح المخطط الأمريكى الذى سيؤدى إلى تآكل الآراضى الخليجية وتقسيم السعودية ذاتها ، مما سبب مزيدا من التوتر بين الطرفين.

ثالثا : عجز الادارة الأمريكية فى توجيه ضربات عسكرية موجعة إلى الجيش السورى الوطنى بسبب الفيتو الصينى والروسى ، الأمر الذى اعتبرته السعودية تقاعسا امريكيا عن تحقيق رغباتها الملحة فى التخلص من الرئيس السورى  بشار الأسد.

* كيف تقيم العلاقات السعودية الأمريكية فى الوقت الراهن ؟
 
 يصعب تصور انسلاخ الخليج تماما من العباءة الأمريكية حتى وإن حدث قدر من التباعد أو التوتر ، كما أن مسألة استقلالية القرار الخليجى محل شكوك كبيرة ، وذلك نظرا للعلاقات العسكرية والأمنية والإقتصادية الحميمة بينهما.

ولكن السعودية طبقا للأسباب السالف ذكرها علاوة على ادراكها لمتغيرات الواقع الدولى الذى تقلص خلاله النفوذ الأمريكى قد انتهجت سياسة اكثر استقلالية تمثل ذلك فى تنامى علاقاتها مع كل من روسيا وفرنسا مؤخرا كاطراف فاعلة فى الخريطة الدولية التى باتت متعددة الأقطاب ، ولكن ذلك لا يعنى قدرة الخليج على انتهاج سلوك متعارض تماما مع الادرارة الأمريكية.

فى هذا الاطار يتفاوت انسجام المواقف بين البلدين الحليفين من قضية لأخرى ولكن تبقى الأزمة السورية وتحديدا مصير الأسد أبرز قضايا الاتفاق ، ويبقى البرنامج النووى الإيرانى أبرز قضايا الاختلاف.
 
* ما هى أسباب لقاء القمة السعودية الأمريكية ؟
 
هناك أربعة أسباب رئيسية ، أولا فالولايات المتحدة نظرت بعين القلق إلى تنامى العلاقات السعودية الروسية خاصا مع زيارة وزير الخارجية السعودى عادل الجبير إلى موسكو مؤخرا والتعاقد على صفقات متعلقة بنقل التكنولوجيا النووية ، بخلاف التوافق على الحل السياسى للأزمة السورية ، وما يدعو للأمل بالنسبة للادارة الأمريكية  أن السعودية لازالت تتعنت وبشدة ضد الأسد.

إضافة إلى ذلك فإن السعودية فضلت الضغط على إيران من خلال روسيا وليس  الولايات المتحدة ، ومن ثم فكان ضروريا عقد هذه القمة كمحاولة أمريكية لتلطيف الأجواء بينها وبين حليفتها السعودية ، وحتى لا تكون اضافة إلى الرصيد الروسى خاصا مع تنامى العلاقت المصرية الروسية.

السبب الثانى فالولايات المتحدة  تريد استثمار القلق الخليجى والسعودى خاصا ، المتنامى جراء التوقيع على البرنامج النووى الإيرانى فى تسويق صفقات سلاح كبرى ، وهناك أنباء مؤكدة أن الرياض فى مرحلة متقدمة لشراء فرقاطتين بما يزيد على المليار دولار ، بخلاف الاتفاق على برنامج تحديث سفن البحرية الملكية السعودية.

وكذلك الاتفاق على وضع اللمسات النهائية على تفاصيل صفقة بقيمة 1.9 مليار دولار لشراء 10 طائرات هليكوبتر من طراز " ام .اتش 60 آر " قد تستخدم فى العمليات الحربية المضادة للغواصات ومهام أخرى ، علاوة على التعاقدات السابقة فى 2014 إحداها بقيمة 13 مليار دولار لشراء مركبات مدرعة خفيفة ، أيضا التعاقد مع شركة بوينج  لتصنيع 84 مقاتلة من طراز " اف 15 " للسعودية ضمن صفقة قيمتها 33.4 مليار دولار .

ومن ثم يتضح من حجم الانفاق السعودى المهول مدى الاستفادة العظيمة التى حققتها الخزانة الأمريكية .
 
اما السبب الثالث هو استدراج قوات التحالف العربى إلى حرب فى العراق ضد داعش ، وذلك مرده تصريحات وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى مؤخرا عن ضرورة التدخل البرى حيث قال " إن دولا فى الشرق الأوسط سترسل فى الوقت المناسب قوات برية إلى سوريا لقتال داعش " مع تأكيده أن القوات الأمريكية لن تشترك فى مثل هذا الاجراء.

كما اعتبرت دوائر سياسية أن واشنطون فى حاجة إلى عمل إرهابى على غرار 11 سبتمبر أو حملة دعائية ضخمة على غرار استخدام أسلحة كيميائية فى سوريا لتختلق المناخ الدولى للالتفاف على مجلس الأمن وتكرار سيناريوهات العراق وسوريا عبر تحالفات كانت تشارك فيها دول عربية أيضا.

واود أن أشير إلى المباركة الأمريكية السريعة لاعلان السعودية تشكيل قوات التحالف العربى والبدء فى عملية استعادة الشرعية فى اليمن ، على الرغم أنها لم تفعل المثل حيال ضربة الثأر المصرية المشروعة ضد الجماعات الإرهابية فى ليبيا فبراير الماضى  عقب العمل الإرهابى الذى استهدف 21 مصريا مسيحيا فى ليبيا ، ومن ثم فإن اوباما كان يخطط لاستدراج الجيش السعودى إلى مواجهات فى اليمن.

وها هو يكرر نفس الفخ باستدراج السعودية لحرب مع داعش فى العراق وسوريا وهو يعلم جيدا أن القدرات العسكرية السعودية غير مؤهلة لمثل هذا النوع من المواجهات خاصا مع التدريب رفيع المستوى للجماعات الإرهابية والتى تتلقى دعما لوجستيا أمريكيا كبيراً. 

اما السبب الرابع وهو اخطرهم على الاطلاق أن يكون الهدف من استدراج الجيش السعودى لمواجهات مع داعش مقدمة أو تمهيد لاستدراج الجيش المصرى إلى مساندة السعودية وذلك على خلفية سياسة  " مسافة السكة " التى اعلن عنها الرئيس السيسي فى بداية توليه مهام الرئاسة.

ومن ثم يكون اوباما نجح فى أحد أخطر وأهم أهدافه ، إما شق الصف المصرى السعودى حال رفض مصر التورط فى أعمال عسكرية خارج حدودها ، وإما استجابة مصر للضغوط السعودية لمساندتها عسكريا فى اليمن والعراق وسوريا.

* كيف ستؤثر الضغوط الأمريكية على الموقف السعودي ؟
 
الحقيقة اخشى أن تفلح الضغوط الأمريكية على السعودية لانتهاج سياسة من شأنها شق الصف العربى خاصا وأن السعودية تتعنت وبشدة ضد شخص الرئيس بشار الأسد بالتوافق مع الادارة الأمريكية وبالتعارض مع الموقف المصرى ، حيث تتبنى مصر اتاحة المجال للشعب السورى لاختيار من يمثله وتتخذ من مخرجات وثيقة جنيف 1 مرجعية كحل للازمة ، ومن ثم فأن الموقف السعودى يقف حجر عثرة للتوصل إلى موقف عربى جامع للأزمة السورية.

كما أنى اخشى أن يكون هناك ثمة علاقة بين تأجيل اجتماع الجامعة العربية الذى كان مخصصا لاتخاذ قرار بشأن تشكيل القوة العربية المشتركة و الضغوط الأمريكية على السعودية ، خاصا وأنها كانت إحدى الدول التى طالبت بتأجيل الاجتماع.   

* كيف تقيم وجهتى النظر السعودية والأمريكية إزاء الملفات الساخنة المطروحة للنقاش ؟

بشكل عام هناك توافق كبير بين الموقف السعودى والأمريكى ، حيث أن نقاط الالتقاء قوية ، وابزها موقف السعودية حيال الأسد الذى يبدو أنه موقف نهائى لا رجعة فيه.

كما يبدو أن السعودية تقف فى الخندق الأمريكى ضد تشكيل القوة العربية المشتركة ، وكذلك الموقف فى اليمن فهو ليس محل خلاف فى اطار المباركة الأمريكية للعمليات العسكرية ضد الحوثيين.
 
اما الموقف فى ليبيا فالموقف السعودى يبدو ضبابيا فسبق لمصر وللحكومة الليبية الشرعية التقدم بطلب إلى مجلس الأمن لرفع حظر توريد السلاح على الجيش الليبى الوطنى ، ولكن الولايات المتحدة تمارس ضغوطا لاعاقة ذلك القرار حتى يتسنى لها اثارة التوترات الأمنية على الحدود الغربية المصرية وممارسة الضغوط على القرار المصري.
 
أما البرنامج النووى الإيرانى فهو القضية الاكثر تعقيدا بين السعودية والولايات المتحدة ، حيث لم تفلح الأكاذيب الأمريكية فى طمأنة الخليج من تنامى النفوذ الإيرانى .

ولكن الأمر ليس مرتهنا بمدى التوافق السعودى الأمريكى بقدر ما هو مرتهن بعدم قدرة السعودية على الانسلاخ من العباءة الأمريكية.

ويبدو أن جهود السعودية فى تنمية علاقاتها بروسيا وفرنسا لم تفلح فى الضغط على الولايات المتحدة وإن حقق ذلك دافعا أمريكيا لبذل مزيد من الجهود لاسترضاء السعودية ، ولكن القواسم المشتركة محددة وكثيرة والعلاقات قوية ومرسومة بدقة فلا مجال للخروج عن السياق.
 
* كيف تؤثر الضغوط الأمريكية على السعودية على علاقاتها بمصر ؟
 
السعودية تدرك جيدا قيمة مصر وتدرك أن لا وجود للعالم العربى بدونها ، كما أنها ادركت أيضا أن " الى متغطى بالأمريكان عريان " ولكن كما اسلفت فى الذكر فإن الأمر مرتهن بالسيطرة الأمريكية على القرار الخليجى، ومن ثم فإن اقصى ما تستطيع السعودية فعله هو انتهاج سياسة توفيقية بينها وبين مصر من جانب  وبينها وبين الولايات المتحدة من جانب آخر ، ولكن حجم التباعد بين الموقف المصرى والأمريكى اكبر من محاولات السعودية للتوفيق بينهما أو احتوائهما.
 
واود الإشارة إلى حجم الضغوط الهائلة الواقعة على السعودية ، حيث تتمثل عبر ثلاثة محاور ، أولاها  " الكماشة " الأمريكية وذلك من خلال تنامى الجماعات الإرهابية فى الشمال الشرقى للسعودية والمتمثلة فى داعش والجماعات الإرهابية جنوبا والمتمثلة فى الحوثيين.

ثانيا تنامى النفوذ الإيرانى خاصا بعد التوقيع على برنامجهها النووى وما يترتب عليه من الافراج عن أموالها المجمدة والتى تقدر بالمليارات ، مما سيمكنها من مزيد ممارسة الضغوط على الخليج.

ثالثا انخفاض أسعار الطاقة وهى محاولة أمريكية للضغط على كل من روسيا والسعودية بهدف إثنائهما عن مساندة مصر عقب الثورة الشعبية التى اطاحت بجماعتها الإرهابية.

وما بين تلك الضغوط الكبيرة الواقعة على السعودية وبين رغبتها  لدعم مصر تحقيقا لمصالحها الذاتية، يبقى القرار السعودى مترنحا لا يقوى على التوازن بين الأضداد ، وتتقلص فرص التوصل إلى رؤية محددة للخروج من الأزمة أو التوصل إلى صيغة عربية جامعة ومشتركة حيال القضايا الرئيسية المطروحة على الجامعة العربية ، ويبقى الخلاف هو سيد الموقف.