حسين معوض يكتب: تكلفة الحرب على الفساد

مقالات الرأي




■ قضية فساد واحدة فى وزارة الزراعة تكلف جيوب المصريين 4 مليارات جنيه سنويا ■ أحمد عز جمع تبرعات «الكفالة» ورد الجميل لتجار الحديد بعد خروجه من السجن بأسبوع ■ القانون يحمى المحتكرين وسقوطهم يرفع الأسعار فى لحظات!!

قبل أن نفكر فى إعلان الحرب على الفساد علينا أن نعيد حساباتنا لنعرف الفاتورة الحقيقية التى علينا تحملها.. نعم سوف ندفع فاتورة قاسية لمواجهة أى فاسد أو مفسد أو حتى محاولة تجفيف منابع الفساد.

لقد سلمت البلد فى سنوات غابرة لمحتكرين، وبررت القوانين الاحتكار بجملة مستقطعة فى القانون «الممارسات الاحتكارية".. جملة قننت «الاحتكار» وحرمت «الممارسات الاحتكارية».. وبفرض حسن النية وحسن السمعة للمحتكرين فقد حكم علينا قانونا أن نكرس وقتنا وأموالنا وكل السبل الممكنة لحماية المحتكرين لأن سقوطهم أو إفلاسهم قد يدفع بنا إلى عالم الجوع.

ولو خاب الظن واكتشفنا أن من حسبناه موسى هو فرعون، فلا حيلة لنا، والأفضل أن ندعى أننا من بنها، بلد وزير الزراعة المحبوس صلاح هلال ومساعده محيى قدح.

ولنا فى حكايات الراشى فى قضية فساد وزارة الزراعة عبرة.. حكايات تستحوذ على دور البطولة فى عالم البيزنس الآن.. رجل الأعمال دفع رشاوى قليلة لتمرير ورقة ملكيته لأرض مساحتها لن تزيد من ثروته كثيرا.. الرجل محبوس حاليا بصحبة وزير الزراعة ومدير مكتبه والوسيط.

قضية الفساد الأشهر والتى أطاحت بحكومة المهندس إبراهيم محلب.. دخلت عالم النسيان، وخرجت لنا تفاصيل مرعبة من العالم السفلى للبيزنس..

ساعات قليلة عقب تفجر القضية الشهيرة كانت كفيلة برفع سعر طن الذرة 660 جنيها، ليرتفع سعر الطن من 1700 إلى 2360، فرض المحبوس كلمته، وعجزت الحكومة عن المواجهة أو المقاومة.. فارق السعر «الـ 660 جنيهًا» ترجمتها بلغة المعاملات المالية السنوية لمستهلكى الأعلاف الحيوانية يعنى 3.6 مليار جنيه، وذلك بفرض تأثر الذرة المستوردة فقط بفارق السعر، وكمية الواردات سنويا 6 ملايين طن، يصبح إجمالى ضرب 600 جنيه فى 6 ملايين طن تساوى 4 مليارات جنيه!!

بالطبع لا يبرر ما حدث فى سوق الذرة سوى أن المتهم هو نفسه المحتكر لواردات مصر من الذرة، والخوف من اختفاء الذرة هو الذى رفع السعر، وبالطبع هناك وكلاء توزيع ينتظرون اللحظة التى يغيب فيها «كبير السوق» لتحقيق طفرة فى سعر بضاعة مكدسة فى مخازنهم.

الذرة هى المادة الخام الرئيسية فى العلف الحيوانى، لا يصح أن تأكل المواشى علفا لا يحتوى على نسبة معتبرة من الذرة، وهو ما يعنى أن تأثيرات قضية وزارة الزراعة تصل الى سوق اللحوم، خاصة فى موسم «عيد اللحمة» أو العيد الكبير.

عندما تورط هشام طلعت مصطفى فى قضية سوزان تميم وحكم عليه بالسجن سادت حالة من الجنون فى سوق العقارات، وكأننا لن نجد من يبنى «الكمبوندات» غير هشام طلعت مصطفى.. وعندما خرج أحمد عز من السجن تسابق تجار الحديد للمساهمة فى دفع كفالته التى وصلت وقتها إلى 150 مليون جنيه.. ولم يخب محتكر الحديد ظن الموزعين وكبار التجار.

بعد أسابيع قليلة من خروج عز من السجن صدر قرار من وزير التجارة والصناعة بفرض رسوم حماية مؤقتة ضد الحديد المستورد، وبعد أشهر تحول القرار المؤقت إلى دائم لمدة ثلاث سنوات، واستقرت سوق الحديد لصالح عز وتجاره.. ولو كان سجن عز فى ظروف غير الثورة لدفعنا ثمن سجنه مليارات من جيوبنا، لكن حسابات الرجل وقتها عرفت أن اللعب ضد الجماهير التى حبسته والتى تنتظر فى الشوارع قد يؤدى إلى كارثة..

ومع تمدد الاحتكارات فى السوق المصرى ضعفت قدرة الدولة والأجهزة الرقابية على مواجهة الفساد الذى علق فى ثوب بعض المحتكرين، فالحسبة أصبحت اجتماعية، سجنهم يدفع ثمنه الفقراء، كاش.