أحمد فايق يكتب: HSBC بنك رجال مبارك يتجسس على المصريين

مقالات الرأي



■ الاتحاد الدولى للصحافة الاستقصائية أثبت تورطه فى قضايا تهرب ضريبى وإخفاء أموال الحكام العرب

■ اشتهر بأنه بنك لجنة السياسات ومجلس إدارته ضم جمال مبارك وإبراهيم كامل

5 أسئلة إجبارية مشبوهة فى استمارة بيانات عملاء البنك البريطانى

■ هل لك علاقة بوزير أو رئيس حكومة أو رئيس حزب؟
 ■ هل تساهم فى جمعية خيرية أو منظمة حقوقية دولية؟
 ■ ما تواريخ ميلاد زوجتك وأولادك وجنسياتهم؟
 ■ هل لديك حسابات فى بنوك أخرى وماقيمتها وقيمة الاستثمار فيها؟ 
■ هل أنت شخصية عامة؟

جملة بسيطة تجدها مكتوبة فى ماكينة الصراف الآلى وأنت تتعامل مع هذا البنك، رجاء التوجه إلى أقرب فرع من البنك لتحديث المعلومات، هذه الجملة تراها كثيرا فى التعاملات البنكية، ويكون مقصودا به ملء استمارة بيانات عادية، لكن هذه المرة استمارة البيانات لم تكن عادية، وليست صفحة واحدة مثل بقية البنوك بل ثلاث صفحات كاملة يطلب منك موظف البنك أن تملأها.

الصفحة الأولى من الاستمارة فيها بيانات تقليدية جدا مثل الاسم والعنوان والتليفونات والرقم القومى وعنوان المراسلات، وهى بيانات تمت كتابتها من قبل عند فتح الحساب، فقد اضطررت لظروف عملى أن أفتح حساباً ببنك «hsbc» الإنجليزى، استمارة البيانات الأولى تقليدية جدا مثل بقية البنوك، لكن استمارة تحديث البيانات، بدت مشبوهة وأقرب إلى تحقيقات النيابة أو طريقة لجمع المعلومات وتحليلها واختراق لخصوصية أى عميل..

الورقة الثانية كان فيها أسئلة من نوعية....

هل أنت شخصية عامة؟

هل لك علاقة مع أى من هؤلاء؟

وزير سابق.. وزير حالى.. رئيس حكومة سابق.. رئيس حكومة حالى.. ديبلوماسى.

هل لديك درجة قرابة بأى مسئول سياسى فى الدولة؟

ما دخلك الشهرى؟

كم مبلغ الاستثمار فيه؟

هل لديك حسابات فى بنوك أخرى؟

إذا كانت الاجابة بنعم...

اسم البنك؟

رقم الحسابات؟

قيمة الرصيد؟

قيمة الاستثمار؟

وتم تذييل هذه الأسئلة المشبوهة بطلب توقيع البنك..

الأمر لم يتوقف عند هذا...

هل لك علاقة بأى عمل خيرى؟

هل لك علاقات بالمنظمات الحقوقية المحلية والدولية؟

هل تعرف رئيس حزب سياسى أو لك علاقة به؟

البيت الذى تسكن فيه؟

ملك أم بيت العائلة أم إيجار

هل لديك جنسية أخرى؟

إذا كانت الإجابة بنعم ماهى؟

اسم الزوجة رقم بطاقتها أو جواز السفر الخاص بها وتاريخ الميلاد؟

هل لدى زوجتك جنسية أخرى وماهى؟

أسماء الأبناء وتواريخ ميلادهم؟

هل لديهم جنسيات أخرى؟

نظرت إلى الموظف المسئول بفرع البنك فى الدقى قائلا.. دى استمارة تحقيقات المكتب الخامس البريطانى مايقدرش يعملها معايا.. ارتبك الموظف قليلا ثم حاول تبرير كل سؤال باعتبار أن هذا مفيد لهم فى علاقتهم بالعميل، قلت له هذه البيانات خاصة وليس من حق أحد اقتحام الخصوصية...

طلب منى الموظف تصوير البطاقة الشخصية لى ثم اختفى 3 دقائق ثم عاد ليحاول إقناعى بأن هذه البيانات عادية وموجودة فى كل البنوك.

ملأت الاستمارة ورفضت الرد على الأسئلة التى تقتحم خصوصيتى وكتبت فى نهاية الاستمارة جملة «هذه الأسئلة 40% منها فيها تعد على بيانات شخصية واقتحام للخصوصية وليس من حق البنك أو أى أحد أن يسأل هذه الأسئلة»

أصيب الموظف بالاندهاش مما كتبته، وأخذ الاستمارة وقال أعطنى دقيقة...

دخل إلى مكتب مدير الفرع وقال لى: «سوف أرسل الاستمارة ولكن لا أتوقع أن يوافقوا على تحديث المعلومات لأنك لم تجب على الأسئلة»

قلت : وماذا سيحدث لو لم يتم تحديث المعلومات

قال : سيتم وقف الفيزا الخاصة بك

قلت : هذه الفيزا ليست على المكشوف بل على حساب موجود بالفعل لديكم فى البنك.. هل تهددنى بوقف التعاملات على الحساب إذا رفضت اقتحام خصوصتى وبياناتى؟

ارتبك الموظف وقال : لا أعلم لكنهم لن يقبلوا تحديث البيانات.

قلت له: بسيطة سوف ألغى حسابى لديكم وسأفتح حساباً فى أى بنك آخر.

ازداد ارتباك الموظف ودخل مرة أخرى إلى مكتب مدير الفرع وقال وهو يشعر بالخجل: آسف يافندم دى تعليمات البنك المركزى.

خرجت ثائرا لاعنا البنك المركزى، معتبرا أن هذه سقطة كبيرة له، لكننى أعلم جيدا أن القائمين على البنك المركزى لا يقعون فى هذا الخطأ، وهم مصرفيون كبار، فسألت وتأكدت ودققت أن هذه ليست تعليمات من البنك المركزى المصرى، بل تعليمات من البنك المركزى البريطانى الذى يطبق قانونه على أرض مصرية.

تعليمات البنك المركزى البريطانى صدرت لـ«اتش اس بى سى» بعد فضيحة «سويس ليكس» وهى فضيحة شهيرة فجرتها صحيفة اللوموند الفرنسية حينما حصلت على أوراق 100 ألف عميل للبنك، وأرسلت هذه الأوراق إلى الاتحاد الدولى للصحفيين الاقتصاديين، والذى طلب مشاركة 45 وسيلة إعلامية من معظم بلاد العالم، وشارك فيه من مصر جريدة الوطن، وكشف التحقيق تورط البنك فى عمليات تهرب من الضرائب، وتم اكتشاف 10 حسابات سرية باسم رشيد محمد رشيد وحسابات سرية بأسماء سياسيين من بريطانيا وروسيا ودول إفريقية وأسر حاكمة عربية ومن بينهم رامى مخلوف ابن خال الرئيس السورى بشار الأسد.

هذا البنك هو عبارة عن تحالف مجموعة كبيرة من البنوك فى ائتلاف مع البنك البريطانى فى الشرق الأوسط، ويحقق صافى أرباح سنويا تقريبا 16 مليار دولار وهو رقم كبير يضعه فى المرتبة الثانية كثانى أكبر بنك فى العالم.

وتم اتهامه من قبل بإخفاء حسابات تقدر بـ100 مليار دولار لشخصيات مقربة من أنظمة عربية، ومن أشهر عملائه حسين سالم وابناؤه وخديجة الجمال زوجة جمال مبارك وجمال مبارك نفسه، وكان جمال عضو مجلس إدارة فيه، وأيضا رجل الأعمال إبراهيم كامل عضو لجنة السياسات بالحزب الوطنى المنحل، وكان رئيس مجلس إدارة البنك فى مصر عبد السلام الأنور وهو فى نفس الوقت أحد الأصدقاء المقربين لجمال مبارك وأمين صندوق جمعية جيل المستقبل.

البنك كان تقريبا أرضا خصبة لأصدقاء جمال مبارك يلعبون فيه وقتما يحبون، وكانوا يصفونه شعبيا بأنه ابن التوريث، وبدأت ملفات البنك تفضح أمام الرأى العام العالمى، ومازال بداخله مليارات الدولارات المخبأة لصالح بعض رجال أنظمة الحكم المخلوعة فى الدول العربية حسب وصف اللوموند الفرنسية، وهو أحد البنوك التى دفعت غرامة قدرها مليار و900 مليون دولار للضرائب فى أمريكا بسبب إخفاء أموال المتهربين من الضرائب.

إن استمارة بنك hsbc تجسس واضح على المصريين، وليست إجراءات حماية أو غيره، خاصة أن سمعة البنك تسبقه، وليس من حقهم معرفة معلومات شخصية عن العملاء بهذا القدر، وليس من حقهم إجبار العملاء على كتابة الاستمارة، وإلا وقف التعامل على الحسابات، ومايفعلونه مخالف للقانون والدستور المصرى، فالبنك على أرض مصر ويخضع للقانون المصرى ويجب أن يتلقى تعليماته من البنك المركزى المصرى وليس البنك المركزى البريطانى، ولا أعتقد أن فرع البنك فى الإمارات يجرؤ أن يفعل هذا لأن الدولة هناك سترفض هذا، ولا أعتقد أيضا أن هشام رامز رئيس البنك المركزى المصرى سيقبل أن تنتهك خصوصية المصريين أو يسمح لبنك أجنبى بالتجسس على بيانات العملاء بهذا الشكل السافر، وأتوقع منه قرارات حازمة ورادعة لهذا العبث.

انتهاك الخصوصية أصبح الآن منتشرا فى مؤسسات وشركات كبيرة دون قوانين رادعة، فى أوروبا هناك قانون لحرية تداول المعلومات من حقى كمواطن التعرف على معلومات أى شخصية عامة وبالتأكيد معلومات عامة وليست خاصة، لكن ليس من حقى التعرف على معلومات لشخصيات عادية.

هل تعرف أنه لا يجوز أن تحصل على رقم أى هاتف فى أوروبا قبل الحصول على موافقة منه؟

طبعا هذا يحدث فى الوقت الذى تتبادل فيه شركات الدعاية أرقام هواتفنا، وتتصل بنا فى اليوم ألف مرة.

هل تعرف أن هناك مواثيق فى كل الخدمات بالعالم تحمى الخصوصية؟

لك أن تتخيل أن قاعدة بياناتك وعائلتك وعملك ودخلك وحساباتك المالية وحتى انتماءاتك السياسية لدى بنك سيئ السمعة، وتسربت 100 ألف وثيقة منه للعملاء، تخيل أن قاعدة البيانات تخضع لتحليل من أجهزة أمنية غربية تعرف من خلالها طبيعة المجتمع وتوجهاته.

فى دول العالم يتعاملون مع قاعدة بيانات المواطنين باعتبارها ثروة قومية، لا يجوز الاقتراب منها، إن ضابط الشرطة فى مصر لا يستطيع أن يضع هذه الأسئلة لمواطن عادى، ربما يسألها له وكيل نيابة وفى حالة اتهام صريح وواضح.

كان يجب على البنك أن يعرض هذه الاستمارة أولا على البنك المركزى المصرى وأن يحصل على موافقته، وأن يضع أسئلة اختيارية وأخرى إجبارية، لكنه لم يفعل ذلك فهو لا يدين بالولاء ولا السلطة إلا للبنك المركزى الإنجليزى.

إن البنك المركزى فى مصر قوى ولا يقبل أن تفرض دول أخرى رغبات على بنوك تكسب جيدا من السوق المصرية، وهو أغنى سوق فى الشرق الأوسط، وسبق وحاولت بعض البنوك الالتفاف حول توفير الدولار، وتعرضت لموقف شخصى حينما كنت مسافراً لتصوير حلقة موسم جديد من برنامج «مصر تستطيع»، ورفض موظف البنك تحويل الجنيه المصرى إلى دولار رغم أننى أعطيته وثائق السفر، قلت له هذه ليس أموالكم بل أموال يوفرها البنك المركزى المصرى وفق قواعد يضعها للتنظيم، ولما رفض هددته بتقديم شكوى فى البنك المركزى، هنا تراجع وأعطانى ماطلبت وفقا للقانون، هذه المرة لما هددته برفع شكوى للبنك المركزى قال لى نصف الحقيقة المسمومة، قال إن هذه هى تعليمات البنك المركزى وطبعا لم يكمل جملة البنك المركزى البريطانى.

هذه الاستمارة كفيلة بتغريم البنك غرامة ضخمة لأنها محاولة واضحة لانتهاك خصوصية المصريين، وطريقة جديدة للتجسس عليهم، ومحاولة للضغط على من يرفض بوقف التعاملات على الحساب.

أعتبر هذا المقال هو شكوى مقدمة إلى هشام رامز رئيس البنك المركزى، متأكدا أنه لن يتردد لحظة فى فتح تحقيق عاجل ومنع هذه المهزلة واضعا قواعد منظمة للموضوع.