بالصور.. "الموسكى" من تشويه التاريخ إلى تشريد آلاف العمال

تقارير وحوارات

بوابة الفجر



من آن لآخر تقوم محافظة القاهرة بعمل حملات لإزالة الإشغالات والباعة الجائلين، المنتشرين فى غالبية المناطق، إن لم يكن كل أحياء العاصمة، ومؤخرا اتجهت الأنظار إلى حى الموسكى، الذى يضم ميدان العتبة،  من أجل استعادة الشكل الحضارى والقيمة الجمالية لهذا الحى العريق.

وفى الوقت الذى يشكو فيه البعض من وجود "الفاترينات" التجارية، التى  تشوه مداخل العمارات الأثرية، يؤكد آخرون أن الفاترينات مرخصة قانونا، وإن إزالتها يساوى تشريد آلاف الأسر والعاملين، خاصة أن الدولة لم توفر لهم بديل، ومن هنا حاولنا رصد بعض الحقائق والوقائع المتعلقة بهذه المنطقة.
 
أولا.. يحتاج إلى تأهيل خاص

حي الموسكي أحد الأحياء التاريخية الشهيرة، التي لابد أن يكون لها رعاية خاصة وتعامل بشكل مختلف، فالحي أطلق عليه هذا الاسم نسبة إلي الأمير "عز الدين مؤسك" قريب السلطان صــلاح الدين الأيوبي،  وهو الذي أنشأ القنطرة المعروفة بقنطرة الموسكي،  ويحتوي الحي علي العديد من المباني التاريخية ذات الطابع المعماري الفرنسي و البلجيكي المميز، و التي أنشئت في عهد الخديوي إسماعيل، تأثراً بالعمارة الأوروبية خاصة الفرنسية منها، والتي كان الخديوي يعشقها ومن أمثلتها إدارة الدفاع المدني والحريق (المطافئ سابقاً) ومبني هيئة البريد ومبني قسم الشرطة و كذا مبني مديرية الشئون الصحية لمحافظة القاهرة، والذي كان مقراً لصندوق الدين، الذي فرضته أوروبا علي الخديوي ليراقب الإنفاق المصري آنذاك، وأيضا تياترو الخديوي (المسرح القومي الآن)، كما كانت دار الأوبرا المصرية والتي احترقت عام 1968 م، ومقر المحكمة المختلطة خلف الأوبـرا والتي أزيلت أيضا أمام إنشاء جراج الأوبرا.
 
ثانيًا.. عقارات ذات طابع فريد.

وهناك العديد من العقارات ذات الطراز المعماري الفريد مثل عمارة "تيرنج" بسوق الجوهري، والتي يعلوها كرة يحملها أربعة ملائكة، و تعتبر تحفة فنية و أثراً تاريخياً يستحق الحفاظ عليه،  وأيضا مبني لوكاندة البرلمان الذي تحول إلي مول تجاري وكذا العديد من العقارات ذات الطابع التاريخي والطراز المعماري الفرنسي بشارع القلعة وشارع عبد العزيز وغيرها.
 
وهناك محلات تاريخية أيضا أقيمت علي غرار المحال الكبري في باريس، حيث محل سمعان "صيدناوي" ومحل عمر أفندي والبيت المصري وداود وعدس .
 
ثالثاً.. مجمع للأديان السماوية

 كما للحي مكانة خاصة في الديانات السماوية الثلاثة ( الإسلام والمسيحية و اليهودية)، حيث المساجد الأثرية ذات التاريخ العريق والكنائس ذات الطراز الفريد والمعابد اليهودية،  ومن المساجد الأثرية نجد مسجد العزباني ومسجد الرويعي والجامع الأحمر وجامع البكري، ومن الكنائس المسيحية  نجد كنيسة الأقباط الأرثوذكس وكنيسة الأرمن (الغرغوري) وكنيسة الإفرنج الكاثوليك وكنيسة الأرمن الكاثوليك، ومن المعابد نجد المعبد اليهودي القابع بشارع الجيش.
 
رابعًا.. إهمال القيمة التاريخية من أجل الربح التجاري
 
على مدار السنوات والعقود الماضية، لم تراع محافظة القاهرة المكانة التاريخية لهذا الحي، بأن أسندت إدارته إلي قيادات أهملت الحي تماما وأغفلت الأهمية التاريخية له، وكان كل هدفها الربح التجاري فقط، قاموا بتأجير العقارات ذات الطابع المعماري الذى ينتمى لطراز القاهرة الخديوية، إلي شركات وتوكيلات تجارية.  
 
خامسًا.. "أكل عيش" الناس لايقل أهمية عن القيمة التاريخية

والآن وبعد أن انتبهت الدولة لأهمية هذه المنطقة، ونجحت حملات إعادة وسط البلد، أو بالأدق استعادتها من احتلال الباعة الجائلين، تبرز علامات استفهام حول مصير بائعى العتبة والموسكى، وهؤلاء بأعداد ضخمة جدا، ليصبح السؤال هو كيف سيتم التضحية بهذا النشاط التجارى الضخم؛ لإنقاذ القيمة الحضارية والجمالية للعقارات، والأهم إلى أين سيتم نقل البائعين؛ لأن مصدر رزق و"قوت" آلاف الأسر، لايقل أهمية عن عبق تاريخ القاهرة الخديوية.
 
البائعين: لن نذهب إلى الترجمان، ومستعدون لتأجير أماكننا
 
قال أحد البائعين يدعي محمد السيد: لا نريد أن ننقل إلى الترجمان، مثلما حدث لبائعى وسط البلد، لأن  المحافظ يعرف قبلنا أنه بلا زبائن، ونفاجئ أن فاترينات الموسكى مؤجرة لناس بعينهم، ونحن نقول" إشمعنى".
 
ويضيف محمد حسن أحد البائعين بشارع الجيش، عرضنا على رئيس الحى أن نؤجر أماكننا، كمجموعة من "البياعين"، وهو رفض نهائيا وقال "الأماكن دي مش للإيجار"، وطالما أنها ليست للإيجار لماذا تم تأجيرها لأصحاب الفاترينات ؟
 
 
ومن جانبه قال العميد أحمد عبدربه رئيس حى الموسكى، بالفعل لدينا عمارات ذات قيمة حضارية، وتنتمى للقاهرة الخديوية، وكل عمارة لها سجل داخل مجمع التنسيق الحضاري، ولا يوجد فاترينات إلا فى عمارات 1 و 3، وهى فاترينات مرخصة قانونا.


وأضاف "عبدربه" إن من حق رئيس الحى أن يلغى الترخيص بالقانون، إذا أسيئ استخدامه، لافتا إلى أنه خلال الشهر القادم، سيتم عمل حصر لجميع الباعة الجائلين، مشددا على أنه لن ينقل أحدهم من مكانه، إلا بعد توفير مكان بديل، حيث سيتم عمل حصر بالتعاون مع جمعية الباعة الجائلين، لينقل كل بائع إلى مكان يشبه مكانه الأول، بعد أن يتم تحديد موقع الأسواق البديلة.


وتابع رئيس الحي: لدينا فى العتبة حوالى 4 آلاف بائع، و40 ألف محل، ونقوم حاليا بعملية تطوير الميدان وإعادة تخطيطه وطلاء واجهات العمارات، مشددا على أن أى عمارة مصنفة وفقا للتنسيق الحضارى كعقار تاريخي، ممنوع تعليق إعلان فوقها، أو فتح فاترينة تحتها، "حتى لو كان بترخيص".


وأشار إلى أن عملية التطوير التى يشهدها ميدان العتبة حاليا، لم تحدث منذ سنوات طويلة، بدء من  دهان وتجميل واجهات المسرح القومى والبريد والمطافئ، وعمارة حلاوة، وحاليا يتم عمل "لاند سكيب"، أو تخطيط حديقة الميدان، ولم يتبق إلا عمارتين فقط، ليظهر الميدان فى شكله الجديد، بعدها سيلغى أى ترخيص لفاترينة أو كشك، فى عقار تاريخى، وسينقل الجميع إلى الأسواق البديلة.