القمع والظلم والجهل شعار الأفلام العربية فى مهرجان القاهرة

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


بزواج القاصرات فى اليمن والكبت والتهميش فى المغرب واغتيال الأرواح والأحلام فى سوريا

ربما كان إطلاق مسابقة آفاق السينما العربية كفاعلية موازية داخل مهرجان القاهرة السينمائى الدولى سبيلاً ليتعرف محبو السينما على تجارب جديدة من بلاد عربية تشارك لأول مرة فى المهرجان مثل اليمن بفيلم «أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة»، والبحرين بفيلم «الشجرة النائمة»، وشهدت الدورة الأولى لهذه المسابقة العام الماضى عرض 8 أفلام عربية حصلت على العديد من الجوائز الدولية منها فيلم «تمبكتو» من موريتانيا للمخرج عبدالرحمن سيساكو والذى نافس حتى وصل للمركز الثانى أوسكار أفضل فيلم، وفيلم «ذيب» من الأردن للمخرج ناجى أبو نوار الذى حصل على جائزة مهرجان فينيسيا، ولا تقل هذه الدورة قوة عن العام الماضى بعرض مجموعة من الأفلام العربية التى ناقشت موضوعات مختلفة مثل القمع والجهل والفقر وأيضًا والأمل.

البداية من فيلم «أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة» للمخرجة خديجة السلامي، وهو أول فيلم روائى طويل يتم تصويره فى اليمن، وصورته المخرجة سراً، ويستلهم أحداثه من قصة حقيقية، هى قصة الطفلة نجوم التى سلط عليها الإعلام الأضواء عام 2008، لذلك قررت المخرجة مواجهة وطأة التقاليد وضعف التعليم فى بلاد يعيش أكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر، وتدور أحداث الفيلم حول «نجوم» البالغة عشر سنوات من العمر، ويرغمها أهلها على الزواج من رجل يكبرها بعشرين عاماً، وهى طفلة بريئة فى عمر اللعب بالدمى، تعتقد كغيرها من الفتيات أن الزواج هو فستان أبيض وحفل أميرات «ألف ليلة وليلة» وحلم بالسعادة، وتتحول حياتها لشبه كابوس، بعدما يغتصبها زوجها ليلة زفافها، ويضربها ويرهبها، حتى تنجح فى الهروب من بيتها وتلجأ إلى القضاء، وتواجه بشجاعة مجتمعها، وتحصل فى النهاية على طلاق.

ويناقش فيلم «البحر من ورائكم» المغربى القمع أيضاً لكن من نوع آخر وهو القمع النفسى فى إطار سيريالى، حول التقاليد والتعصب والصداقة والروابط الأسرية، من خلال شخصية طارق، الذى يفقد أولاده، ولا يعبر عن حزنه بذرف الدموع، لكنه يتحول إلى راقص شعبي، ويندرج هذا الفيلم تحت ما يسمى سينما المؤلف، ويزاوج الفيلم بين تيمة الحب والعنف، ويسلط الضوء على مشاعر إنسانية معقدة ومتضاربة، يسيطر عليها الخوف والعاطفة والمغامرة والتردد، والحب، ربما يسقط مؤلف هذا الفيلم على حالة القمع والتهميش، وعدم الاهتمام بالاحتياجات التى يواجهها أغلب الشعوب العربية، وفكرة الكبت التى تمارسه الدول العظمى على الدول العربية والإفريقية.

وبما يمكن أن يتم تسميته بالكوميديا السوداء رصد الفيلم السورى «بانتظار الخريف»، أوضاع السوريين فى ظل الحرب الدامية التى تشهدها سوريا حالياً، وتدور أحداثه حول فريق كرة يد نسائية يسعى للفوز بالكأس، متجاوزاً الواقع المؤلم الذى يحاصره من كل اتجاه، ويتطرق لحالة اغتيال الأرواح والأحلام التى نالت من الشعب السورى حتى يحول هذا الدمار لعمار والكره إلى حب والحزن إلى فرح، ليعطى الفيلم رسالة من الأمل.

ربما يشترك فى هذه الفكرة الفيلم البحرينى «الشجرة النائمة» ليرسخ مفهوم «الأمل فى الحياة»، ويستعرض حكاية عائلة بحرينية تترقب شفاء ابنتهما المريضة التى تعانى من مرض عضال، هذا الترقب يقود الزوج فى رحلة روحية لإعادة اكتشاف الموسيقى الشعبية التى فقدها منذ وفاة والده، فى حين تذهب الزوجة إلى رحلة اكتشاف إيمانها العميق بقدرة الخالق على شفاء ابنتها، هذه الرحلة تمكن الزوجين من فهم الحب كقيمة إنسانية كبيرة، مع استعراض تراث البحرين وتاريخها العريق.

ولم ينس قاسم حوّل مخرج فيلم «بغداد خارج بغداد» أيضاً سحر مدينة بغداد، التى شهدت عصوراً ذهبية فى ذاكرة الثقافية العربية، واستلهم منها أسطورة «جلجامش»، نصف الإنسان ونصف الإله، الذى يتعذب بعد أن يشهد تجربة الموت بعد وفاة صديقه الحميم «أنكيدو» ويرفض أن يدفنه، تشبثا بفكرة الأبدية، فيترك جثته على الفراش تتعفن، ثم يذهب حزيناً، ليبحث عن سر الخلود، وفى حانة إلهة الخمر السومرية «سيدورى»، يعرب لها عن خشيته من الموت، فتقول له إن الموت قدر على الإنسان، وتنصحه بنبذ الحزن والاستمتاع بالحياة.

ليركب «جلجامش» قارباً يبحر بشخصيات الفيلم المختلفة فى النهر، منتقلاً عبر الأزمنة الحديثة المختلفة فى القرن العشرين، ليظل حتى النهاية يبحث دون جدوى عن سر الخلود.