مى سمير تكتب: الحرب العالمية الثالثة

مقالات الرأي




بوتين فى مواجهة خروف أمريكا
«الناتو» يعلن دعم أنقرة ويعقد اجتماعاً استثنائياً ويراقب التطورات.. القوات الخاصة الأمريكية تدخل سوريا قريباً

شهدت سوريا التى تعد واحدة من أكثر المناطق سخوناً فى العالم، لحظة فاصلة فى تاريخها وتاريخ العالم، عندما أسقطت تركيا طائرة حربية روسية، قرب الحدود التركية السورية، فقد تكون هذه الحادثة هى بداية النهاية للحرب فى سوريا مع التوقعات بأن روسيا ستصعد من وجودها العسكرى بالأراضى السورية، وأن يكون إسقاط طائرتها مجرد بداية لحرب عالمية ثالثة فى ظل تعدد الأطراف الدولية التى تشارك فى الصراع، وتعارض أهدافها.

1

تفاصيل إسقاط الطائرة الروسية

ذكرت تركيا أن عملية إسقاط الطائرة، هى رد على الانتهاك المتكرر للطائرات الروسية للمجال الجوى التركى، وبحسب مسئول فى حلف شمال الأطلنطى، دعا الحلف إلى اجتماع استثنائى فى وقت لاحق، فى يوم الحادث لمناقشته فى مؤشر يعكس دلالة الواقعة على الصراع فى سوريا.

بحسب وكالة أنباء «سبوتنيك» الرسمية الروسية فإن الطائرة سقطت نتيجة إطلاق النار عليها من الأرض، ونفى مسئولون روس أن تكون الطائرة انتهكت المجال الجوى التركى.

وأكدت تركيا أنها أصدرت 10 إنذارات للطائرة التى اقتحمت مجالها الجوى، وهو الأمر الذى نفاه تماماً وزير الدفاع الروسى، الذى أشار إلى أن المقاتلة الجوية الروسية من طراز سوخوى-24 كانت فى المجال الجوى السورى وعلى ارتفاع 6 آلاف متر.

وبحسب محطة «سى إن إن» الأمريكية، فإن مسئولا فى وزارة الدفاع الأمريكية، قال أن أنقرة أبلغت واشنطن بأنها أسقطت طائرة عسكرية روسية قرب الحدود السورية بعد انتهاكها المجال الجوى التركى.

تعكس الحرب السورية مدى الاختلاف بين روسيا من جهة وحلف الأطلنطى من جهة أخرى، حيث تعارض أنقرة عضو الحلف، بشدة نظام الرئيس السورى، بشار الأسد، بينما تدعم روسيا نظام الأسد، ووقعت مناوشات سابقة بين الأتراك والسوريين، حيث اتهم المسئولون الأتراك الطائرات السورية بانتهاك المجال الجوى التركى.

2

تصعيد خطير

فى تقرير لمحطة «سى إن إن» الأمريكية حول التطورات الأخيرة، أشار إلى أن هذه الحادثة هى تصعيد خطير للوضع فى سوريا، وفى نهاية المطاف لا مفر من وقوع مثل هذه الحوادث، نظراً لانخراط عدد من البلدان المعنية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر فى الحرب السورية.

ووصف مدير الأمن الدولى فى مؤسسة آسيا والمحيط الهادئ، المعنية بالقضايا الأمنية والعسكرية «ساجان جول» إسقاط الطائرة بأنه تصعيد كبير جداً، لأن مثل هذه الحادثة هى آخر أمر يحتاج له الوضع فى الوقت الراهن، خاصة فى أعقاب هجمات باريس، حيث كان هناك أمل فى إمكانية أن تشكل روسيا تحالفاً مع فرنسا ومع الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، ولكن الحادث سيؤدى إلى عرقلة الجهود المبذولة لتشكيل جبهة موحدة ضد التنظيم الإرهابى.

ويعكس الحادث واقعا شديد التعقيد خاصة إذا تم النظر إليه فى سياق العلاقات الاقتصادية القوية التى تجمع بين البلدين، فمن المعروف أن تركيا تعتمد على روسيا كمصدر الطاقة الأول الذى يدعم الاقتصاد التركى، والمجازفة بهذه العلاقات الاقتصادية والسياسية بالإقدام على استهداف طائرة روسية، يعنى أن تركيا درست هذه الخطوة جيداً، ويعنى أن موسكو تدرك أن أنقرة على استعداد للمجازفة بعلاقتهما معاً.

وبحسب «سى إن إن»، حاولت روسيا عقد اجتماع فى أنقرة بين مسئولين من الدولتين لتجنب حدوث أى سوء تفاهم، ولكن يبدو أن المحاولات الروسية قابلها رفض تركى، وينذر هذا الوضع بمزيد من التطورات والتصعيد خاصة فى ظل الإصرار الروسى على دعم نظام الأسد ومحاربة داعش، خاصة بعد إسقاط الطائرة الروسية فى مصر، فى المقابل يرفض التحالف الدولى بقيادة أمريكا هذا التدخل وتحاول أمريكا إبعاد روسيا بأى ثمن عن الحرب الدائرة فى سوريا.

3

حلف الناتو على اتصال مع السلطات التركية

تركيا عضو فى حلف الناتو الذى يعتبر أى هجوم على أى عضو من أعضائه بمثابة هجوم على جميع أعضاء الحلف، أكبر دليل على حرص حلف الناتو على إعلان تأييده لتركيا ودعمه له هو إعلان الحلف عقد اجتماع استثنائى فى نفس يوم وقوع الحادث، وصرح مسئول من الحلف بأنه يراقب الأحداث عن كثب. وقال: «نحن على اتصال مع السلطات التركية، وسنضطر إلى الانتظار لنرى كيف يتطور»، مشيراً إلى أنه عندما انتهكت الطائرات الروسية المجال الجوى التركى قبل بضعة أسابيع، اجتمع المجلس فى دورة غير عادية، ما أدى إلى إدانة عملية التوغل، ورفض المسئول التعليق على ما إذا كان الحلف على اتصال مع السلطات الروسية على خلفية الحادث.

أصبح الصراع الداخلى فى سوريا حرباً ضخمة بالوكالة للعديد من القوى الدولية، سواء من المنطقة أو خارجها، منها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا ودول الخليج وتركيا وإسرائيل وإيران والأردن وحزب الله، الأمر الذى يدفع المحللين العسكريين إلى اعتبار حادثة إسقاط الطائرة الروسية بمثابة شكل من أشكال الحوادث الحتمية المتوقع وقوعها.

4

تصميم روسى

ورغم معارضة الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل الروسى فى سوريا، إلا أن موسكو ملتزمة بشدة بدورها فى سوريا، وكانت جريدة «الدايلى ميل» البريطانية، نشرت تفاصيل ما يحدث فى غرفة إدارة الحرب الروسية فى سوريا، وهى عبارة عن مبنى ضخم مكون من 3 طوابق ويتضمن أحدث وسائل الاتصال والمتابعة ويوجد فيه فلاديمير بوتين بشكل مستمر لإدارة الصراع هناك.

وعلى مكتب فى المستوى المركزى فى الطابق الأول، يحرص الرئيس الروسى على مراقبة جميع التفاصيل الخاصة بالحرب ويحيط بوتين مستشاروه العسكريون الموثوق بهم، الذين يعملون بجد لدعم نظام الأسد، وكانت روسيا صعدت ضرباتها الجوية ضد الجماعات الإسلامية فى سوريا مع قاذفات بعيدة المدى وصواريخ كروز بعد أن قال الكرملين إنه يريد الانتقام من المسئولين عن تفجير طائرة الركاب الروسية على الأراضى المصرية، حيث كانت موسكو بدأت حملة قصف واسعة ضد أهداف تنظيم داعش فى سوريا منذ 30 سبتمبر الماضى.

وكانت وكالة الأنباء الفرنسية، نشرت تقريرا أشارت فيه إلى أن موسكو ترغب فى تشكيل تحالف دولى يضم إيران أبرز داعمى الأسد، والأردن ودولاً أخرى فى المنطقة العربية وكذلك دولة غربية بهدف محاربة تنظيم داعش فى سوريا، ولكن الاقتراح الروسى يصطدم بتحفظ الغربيين وبعض الدول العربية إزاء فكرة انضمام نظام الأسد فى دمشق لهذا التحالف المقترح.

5

القوات الخاصة الأمريكية تصل قريبا

على الجانب الآخر، يشهد الصراع فى سوريا تطورا جديدا تلعب فيه القوات الخاصة الأمريكية دور البطولة، فمنذ أن أعلنت الولايات المتحدة لأول مرة عن خططها لنشر قوات برية فى سوريا، أتى إعلان المبعوث بريت ماكيرك هذا الأسبوع بأن أمريكا سترسل قواتا خاصة إلى سوريا بمثابة أول خطوة فعلية لهذا التدخل الأرضى.

وذكر ماكيرك أن عدد القوات الخاصة سيتراوح ما بين 30 و50 فرداً سينضمون إلى المعارضة السورية، بهدف حصار تنظيم داعش وقطع قنوات الاتصال بين مركزه فى العراق بالموصل ومركزها فى سوريا الموصل بالرقة.

وذكرت تقارير أن القوات الخاصة الأمريكية ستنزل فى منطقة «الحسكة» ما يعنى أنها ستتعاون مع القوات الكردية، وكانت أمريكا استعانت بقوات من البيشمركة الأكراد فى العراق وفى الحرب على داعش.

6

لماذا تدعم تركيا داعش؟

يبقى السؤال المهم فى ظل هذا التصعيد التركى ضد روسيا، هو لماذا تتردد تركيا فى محاربة تنظيم داعش؟ وكان معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، نشر تحليلاً أشار فيه إلى 3 أسباب تدفع تركيا لعدم محاربة داعش، وهو أنه بينما ترى أنقرة أن التنظيم الإرهابى يشكل تهديداً، إلا أنها تهتم بشكل أكبر بإسقاط نظام الأسد، وبينما لا تدعم أنقرة داعش بشكل مباشر، تتغاضى عن بعض نشاطاته، بما فى ذلك أنشطة التنظيم فى تركيا، حيث تسمح بحرية التحرك لأفراد يعبرون أراضيها لمحاربة الأسد بغض النظر عن الجماعة التى قد ينتمون إليها.

ويضيف التقرير أن تركيا تستفيد بشكل مباشر من البترول الذى يتحكم فيه التنظيم والذى تعد تركيا واحدة من أكبر المستفيدين منه، وأخيراً تحاول أنقرة استخدام احتمال اتخاذ إجراءات أكثر حدة ضد التنظيم كنفوذ لكسب رضوخ واشنطن لفكرة فرض منطقة حظر جوى تركية فى شمال سوريا، وللضغط على حزب الاتحاد الديمقراطى، ليكون أكثر جرأة ضد الأسد وأقل توسعاً فى المناطق العربية قرب الحدود مع تركيا.