إسراء عباس تكتب: "البوعزيزي".. مات شهيدًا أم كافرًا ؟

مقالات الرأي

أرشيفية
أرشيفية


"إن أردت تمييع أي قضية أو حق والقضاء عليه فهاجم صاحبه بما ليس له علاقة بالقضية ثم أدخل الدين في الموضوع"، هذا ما يحدث في بلادنا العربية.

في ١٧ ديسمبر من عام ٢٠١٠ أقدم شاب تونسي يُدعى محمد البوعزيزي في السادسة والعشرين من عمره على إحراق نفسه أمام مبنى محافظة "سيدي بوزيد" بتونس؛ بعد أن ضاق به الحال فاشترى عربة خضار يتجول بها، قامت البلدية بمصادرتها وصفعته إحدى الشرطيات على وجهه قائلةً له "ارحل"، وعندما تقدم بشكوى ضدها رفضتها المحافظة.

ربما لم يكن ذلك الموقف هو الإهانة الوحيدة التي يتعرض لها بائعٌ متجول في بلدٍ عربي ولكن البوعزيزي أبى هذه الإهانة وواجهها بإحراقِ نفسه ليلقى حتفه بعدها بـ١٨ يومًا.

أشعل البوعزيزي الثورة في تونس ورفعت شعار "ارحل"، كما انتهت بهروب رئيسها زين العابدين بن علي وتلتها ثورة في مصر انتهت بتنحي مبارك، ثم ثورات في ليبيا وسوريا منها ما حُسِم ومنها ما لم يُحسَم حتى الآن.

وأصبح الانتحار حرقًا وسيلةً يعتمد عليها الشباب في احتجاجهم فثار الجدل حول هل البوعزيزي مات كافرا أم شهيدا ؟ وهو السؤال الذي اتخذته معظم الدول العربية من حكام ومؤيدين لهم منهجا للتغطية على أية قضية أو مطلب يطالب به المواطنون.

فقبل أن تسأل عن مصير البوعزيزي إن كان شهيدا أم كافرا، لأن كلتا الكلمتين ليس من حق بَشر أن يحكم فيهما فالحكم فيهما لله، اسأل أولاً عن الأسباب التي دفعته وغيره لذلك.

هكذا يحدث في بلادنا العربية نترك الفقر والبطالة وقلة الحيلة التي أوصلت شخصًا في زهرة شبابه إلى الانتحار ونتحدث عن مصيره هل هو الجنة أم النار ؟ وهل مات شهيدا أم كافرا يائساً من رحمة الله ؟، وتحدث الشجارات والتراشقات بين بعض رجال الدين والمعترضين على كلامهم وننسى القضية الأساسية وهي البطالة ويكون المستفيد هم الحكام وأتباعهم.

وأصبح هذا السؤال هو منهج الفاشلين للتعامل مع مشاكل المجتمع، الشباب المعارض لسياسات الدولة نترك القضايا التي يطرحها والمشاكل ثم تسمع بعض الجمل البعيدة عن الموضوع.


 "شوفوا شكله عامل ازاي في ثوري يلبس توكة وحظاظة، على فكرة الشاب المعارض ده بيتعاطى مخدرات، في بنت محترمة تبات بره بيتها في الميدان؟ شوفتوا البنت اللي كانت عاملة نفسها ناشطة سياسية أهي خلعت الحجاب هما ده اللي عاوزينه وعاوزين بنات مصر توصله"

ويبدأ الجدل حول هذه الجمل بين مؤيد ومعارض وحوارات ونقاشات على شاشات التلفاز وصفحات الجرائد؛ لإلهائك عن القضية الأساسية التي تتحدث عنها إن كانت فقرا أم بطالة أم قمعا وتدخل في جدل الحلال والحرام الذي ينتصر فيه في الغالب تجار الدين ممن يُلبِسُون آرائهم لباس قدسية الدين لينتهي الجدل حولها بسهولة.

حادثة أخرى مثلت بعدا عن جوهر القضية وهو تحرش جماعي بفتاة نزلت للاحتفال بميدان التحرير بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في الثالث من يوليو ٢٠١٣، وسمعنا أحدى المذيعات تقول على شاشات التلفاز تعليقاً على ما أخبرته بها مراسلتها من حدوث حالا تحرش جماعي "الشباب مبسوط بقى لازم يحتفل"، وبدأت الأسئلة تثار "ايه اللي وداكي التحرير وهو زحمة، البنت دي ملهاش أهل يسألوا عليها؟ ازاي أخوها وأبوها يسيبوها تنزل وهما عارفين إنه هيتم التحرش بيها" لتتحول الجريمة إلى تعبير عن الانبساط وتتحول الضحية إلى جاني أو مشاركة في الجريمة.

نترك سبب حادثة إحراق  ملهى ليلي بالعجوزة في القاهرة التي حدثت منذ أيام، وراح ضحيتها عدد كبير من العمال، ومدى تأمين تلك المناطق، ثم نتحدث ونثير الجدل عن مصيرهم كشهداء أو كافرين بل ويبدأ البعض في نقدهم وهل أموالهم حلال أم حرام. 


نحتاج لأن نرتقي وننظر إلى جوهر القضايا المطروحة حتى لا نتحول إلى مجتمع عنصري فاشل يتمسك بمظاهر سطحية لن تخرجه من الجدل إلى علاج آفات المجتمع، ويكون شعارنا "البوعزيزي أيقونة الحرية" وليس "البوعزيزي شهيدا أم كافرا؟".