جهاد التابعي تكتب: الكعب والروج والشغل مقالب رجالي

مقالات الرأي

بوابة الفجر



 عندما أفكر في تاريخ الكعب والروج والكورسيه وطلاء الأظافر وكيف اخترعهم الرجل في البداية له فقط أو له وللمرأة معا، لكنه عندما وجد في استعمالهم مشقة تركهم بمنتهي السهولة والتلقائية و" دبس" بهم المرأة وحدها وجعلها تعتقد أنها فازت في نفس الوقت، لا أملك سوي أن أضحك ضحكة ساخرة وأضرب كف بكف وبداخلي نفس شعور خالد صالح في فيلم ابن القنصل نحو أحمد السقا ولسان حالة في آخر الفيلم يقول " يا ابن الايه"! 
بالنظر لتاريخ كل أدوات التعذيب هذه التي تنفق المرأة فيها مالها ووقتها وتقايضها بصحتها وراحتها، نتذكر بصعوبة أنها كانت في الأصل أدوات رجالي.
كان الرجال في العصور القديمة يرتدون الكورسيه مثل النساء لتشكيل الجسم ومنحهم مظهر ارستقراطي، لكن الرجال أصبحوا عمليين، وتطوروا مع الحياة، وتركوا الكورسيه للنساء فقط، وكان الرجال أيضا يضعون الماكياج مثل النساء فرغم أنه لا يمكن التأريخ لمستحضرات التجميل بشكل واضح، إلا أن ما وجد من أدلة يؤكد ظهورها في عصر الفراعنة قبل الحضارات الأخرى واستعمالهم لها رجال ونساء لأسباب عقائدية وانتشر الماكياج في باقي أنحاء العالم لأسباب عقائدية وتجميلية  وطبقية لها تاريخ طويل ومثير، مثل الصينيون الذين بدأوا في استخدام أصباغ الأظافر لتمييز الطبقة الاجتماعية حيث كان محظورا علي الطبقات الفقيرة وضع اللون الأحمر كطلاء أظافر، لكن في النهاية تطور العالم وأصبح الرجل يستيقظ من النوم ليغسل وجهة ويذهب لعمله في مرونة بينما المرأة تقف بالساعات أمام المرآة لوضع الأصباغ علي وجهها وأظافرها وأحيانا ترتدي مشد (كورسيه) يكتم أنفاسها أيضا، ليجعلها تبدو أنحف لأن صانعي الموضة من الرجال وأصحاب تجارات المواد الغذائية الخاصة بالدايت والأغلى من الأطعمة العادية وأصحاب تجارات التجميل بكل ما يتعلق بها من شد وشفط وإعادة تشكيل وأجهزة إذابة الدهون وتبريد الدهون و"شعبطه" الدهون و"شقلطة " الدهون و( أي حاجه فيها دهون بتجيب فلوس)، كل هؤلاء أقنعوا المرأة أن النحافة المبالغ فيها تمنحها مظهر أرقي وأكثر إغراء ودعمت صناعة الأفلام الإباحية وجهة نظرهم جنبا إلي جنب، كل هؤلاء هم أنفسهم من أقنعوها سابقا أن الوزن الزائد والحركة المتباطئة دليل علي الرقي وعلي عدم اضطرارها للحركة والكفاح في العمل وصدقت المسكينة بمنتهي السهولة في الحالتين ، بينما يأكل الرجل العملي وجباته المفضلة ويحرق سعراتها في أنشطة الحياة الممتعة بمرونة دون أن يعيش في خوف ومجاعة دائمة أو إطعام قصري ممل " تزغيط".

 والكعب أيضا والذي ينظر إليه الآن علي أنه من أرق مظاهر الأنوثة تم ارتداه في البداية من الجنود الفرس (إيران حاليا) لامتطاء الخيل خلال الحروب وتسهيل الوقوف علي ظهر الخيل أثناء رمي الأسهم، ومن هنا صدره الفارس الإيراني شاه عباس لحكام أوروبا الغربية  في نهاية القرن السادس عشر وهناك قام  الرجال الارستقراطيين بتطويره كموضة كان الغرض الأساسي منها هو تمييز الارستقراطيين لأنفسهم عن عامة الشعب، فكان يتم ارتداء الكعب من منطلق أن الرجل المُرفه الغير مضطر للعمل هو فقط من يستطيع ارتداء هذا النوع الغير عملي من الأحذية، وكان من الممكن أن نترك ظهر الرجل ينقسم وحده، لكن التقليد الأعمى للنساء، جعلهن يطورن من ملابسهم أيضا لتنافس الرجال وانتشرت موضة ارتداء القبعة الرجالي والكعب عام 1630 بين نساء الطبقة الارستقراطية واللاتي طورن فكرة وجع الظهر لتصبح الأحذية النسائية لها كعب أرفع من أحذية الرجال ثم تلاهم عامة الشعب من الطبقات الفقيرة والعاملة، وتحول الحال وأصبح " كله لابس كعب" وهو مالم يعجب رجال الطبقة الارستقراطية بالطبع، فحاولوا التميز عن الفقراء بجعل العكب أعلي ثم أعلي وبصبغ الكعب الأحذية باللون الأحمر الذي كان قاصرا علي الأغنياء بسبب ثمن الصبغة الباهظ، لكن كل ذلك لم يمنع الفقراء من مجاراة الأغنياء في ارتداء الكعب العالي، فأقلع الارستقراطيون عن ارتدائه  وتبعتهم النساء في ذلك، وانتهت موضة الكعب بحلول عصر التنوير، ليعيدها الرجال من جديد في  منصف القرن التاسع عشر، لكن هذه المرة ليس الرجال الارستقراطيين، بل صانعي المحتويات الإباحية وفقا لما تناولته " ليزا ويد " الكاتبة واستاذة علم الاجتماع الأمريكية في كتابها عن النوع الاجتماعي، حيث فسرت عودة الكعب العالي من جديد في هذه الفترة ببدأ مصورين المجلات الإباحية في الترويج للصور العارية لنساء مرتديات كعب عالي كنوع من أنواع جذب الانتباه.

أريد أن أن أصفق وأصفر للرجل الماكر عبر العصور الذي استطاع أن يقتطع من حريتنا المادية والجسدية ووقتنا بأشياء بدت لنا وكأنها جزء أنيق من حريتنا.
وأهدي تصفيق حار لكل الرجال الذين دافعوا عن حرية المرأة وحقها في العمل كي يجلسوا هم في البيت ويجبروها بالظروف والأولاد والعاطفة أن تنفق هي عليهم، تصفيق حار للرجال الذين تظاهروا باقتناعهم بعمل المرأة لأنها شريك مساوي لهم في الحياة، ثم تركوها معلقة في ساقية العمل خارج المنزل وداخل المنزل، تصفيق لزوج صديقتي الذي أقنعها أنه مؤمن بحق المرأة في العمل لتحقيق نفسها، ثم أجبرها على تغيير مجالها الذي تحبه لتعمل في شركة " كول سنتر" يفرض فيها مديرها مواعيد لدخول الحمام، ليأخذ زوجها أغلب مرتبها، وتكمل باقي يومها في الطبخ والتنظيف والمكوي وتربية الأولاد، ثم في الليل يقول لها زوجها لماذا يبدو وجهك شاحبا، ويطلب منها التزين له ووضع الماكياج!
ليست امرأة واحدة فقط التي أتحدث عنها، أعرف الكثير من النساء تنفق كل مرتبها على الكعب والروج والكورسيه، دائرة مغلقة من العبودية في أكتر شكل مبتكر لها، ورغم كل هذا أنا شخصيا لا أدري لماذا استمر في ارتداء الكعب ووضع الماكياج !!