أحمد فايق يكتب: فبراير الأسود

مقالات الرأي



1-طبول الحرب تدق فى ليبيا وحفتر يستغيث بمصر.. داعش يسيطر على آبار النفط فى المنطقة الغربية

2-السيسى يعيد محور القذافى الساحل والصحراء فى اجتماع وزراء دفاع 29 دولة فى شرم الشيخ

3-السعودية تعارض قوة عربية مشتركة حتى لاتصطدم بتركيا ويفشل التحالف الإسلامى

المشهد هذه المرة معقد، وليس سهلا، الحدود الغربية لمصر فى خطر، مصر لديها 1200 كيلو متر مربع حدوداً مع ليبيا، وهى منطقة معرضة للاختراق إذا انفجر الوضع فى ليبيا أكثر من ذلك، فستتحول الحدود المصرية إلى ملاذ للدواعش، هل تعلم ماذا يعنى تأمين 1200 كيلو متر حدود؟

إنها حدود توازى 10 أضعاف مساحة إسرائيل والاردن، ووراءها بلد متمزق وفى حالة حرب، المشهد فى ليبيا الآن مرعب، ويضع مصر فى كارثة كبيرة، لذا فنحن أمام «فبراير أسود» يحتاج إلى الكثير من القرارات الحازمة فى أهم ملف يخص الأمن القومى المصرى، الكثيرون يعتقدون أن أكبر خطر يواجه مصر هو الحدود الشرقية، وهذا ليس حقيقة كاملة.. الخطر القادم من الحدود الشرقية كبير ولكن ليس بحجم الحدود الغربية.

يوجد فى ليبيا الآن ثلاث حكومات، وانقسمت إلى ثلاث دول، الحكومة الشرعية فى طبرق والتى يحميها الفريق خليفة حفتر، والتى تهدف إلى الحفاظ على وحدة وتماسك الدولة الليبية، وضد تفتت الجيش الليبى إلى ميليشيات، هذه الحكومة تدين بالولاء لمصر، وتنسق أمنيا مع القوات المسلحة لتأمين الحدود الغربية لمصر.

هذه الحكومة لا تلقى قبولا من بعض الدول التى تريد الخراب لليبيا ومصر، والحكومة الثانية وهى غير شرعية يمثلها المؤتمر الوطنى المنتهية ولايته، وهى كيان يمثل جماعة الإخوان المسلمين فى ليبيا ويتلقى تمويلا ودعما اقتصاديا وعسكريا من تركيا وقطر وتتولى سرقة النفط الليبى لصالح تركيا وقطر، أما الحكومة الثالثة فهى حكومة الوفاق الوطنى التى يرأسها سيد سراج، وهى حكومة ائتلافية تم تشكيلها فى المغرب وبدعم غربى واضح جدا، ورفض برلمان طبرق الشرعى إعطاءها أى صلاحية، لذا زار سيد سراج القاهرة والجزائر ليحصل على دعم فى التوافق مع برلمان طبرق، باختصار هذه الحكومة تمثل حلف الناتو، وربما يتدخل لحمايتها إن لزم الأمر .

المشهد المعقد فى ليبيا ليس سياسيا فقط بل عسكرى أيضا، فكل حكومة لديها قوات عسكرية تدعمها على الأرض، وهناك معارك عسكرية بين كل الأطراف، ووسط هذه الصراعات يحقق تنظيم داعش الارهابى انتصارات على الأرض.

لقد زار الفريق خليفة حفتر القاهرة فى زيارة استثنائية لم يكن معلنا عنها، لكن تسربت أخبارها إلى الصحف، وصل حفتر إلى مطار القاهرة فى زى مدنى، طلب مقابلة بعض الشخصيات فى القاهرة، لقد قدم للقاهرة تقرير «تقدير موقف» أكد فيه أنه يشعر بالخطر تجاه ما يحدث فى طبرق، قال إن الوضع على الأرض يحتاج تدخلاً فوريًا من مصر، فقد سيطر داعش على آبار البترول، قواته متماسكة وتستطيع أن تحقق مكاسب على الأرض لكنها تحتاج دعما لوجستيا وسياسيا من مصر، فهو لا يحارب الإخوان وداعش فقط بل يحارب قطر وتركيا وحكومة جديدة تم اختراعها من قوى غربية.

حفتر قال إنه كفيل بمواجهة كل هذا لو القاهرة تدعمه، لأنه يعلم تماما أن مسرح العمليات الليبى لا يتقن التعامل معه سوى الليبيين وخبرة الجيش المصرى.

فى المقابل مصر تجد نفسها فى مأزق، هى لا تستطيع التدخل عسكريا إلا فى إطار تحالف دولى، وتحالف دولى يحفظ لها دورها القومى العربى، بمعنى أن مصر لا يمكن أن تنضم لتحالف «الناتو» الذى يبحث عن مصالح الغرب فقط.

مصر كانت ترى أن الملف الليبى يمكن أن يدار فى إطار دول الجوار مصر والجزائر وإيطاليا، وهى الدول التى تتضرر بشكل مباشر من الوضع فى ليبيا.

ثم سعت القاهرة إلى عمل تحالف بين الدول العربية فى إطار الجيش العربى الموحد لمكافحة الإرهاب، لقد سعت القاهرة بكل قوتها لعمل الجيش العربى الموحد من خلال أكثر من قمة عربية، وستكون ورقة مطروحة أمام القمة العربية فى المغرب، وحدث خلاف حول قيادة الجيش ودولة المقر، هذا الجدل كان مجرد نتيجة لرغبة بعض الدول فى عدم إكمال المشروع.

سوف أعيد ترتيب الدومينو من جديد حتى لا تشعر بالملل أو تختلط الأوراق، السعودية تدعم تحالفا إسلاميا وليس عربيا، حتى تضم إليه تركيا وباكستان فى مواجهة إيران، نحن نتحدث عن تحالف سنى فى مواجهة شيعة إيران، لو دعمت السعودية فكرة الجيش العربى الموحد، فسيكون من مهامه ضبط الوضع فى ليبيا وبالتالى مواجهة ذيول تركيا فى طرابلس، وليس ذيول تركيا فقط بل بقايا الميليشيات التى صنعتها الرياض لإسقاط نظام القذافى.

إذن مصالح السعودية تقتضى عمل تحالف سنى فى اليمن ومواجهة شيعة إيران، لكن الملف شديد التعقيد إن تكتل الشيعة ليس فقط فى نطاق جغرافى واحد أو دولة واحدة، الشيعة موجودون بنسب متفاوتة فى العراق والبحرين والسعودية نفسها وسوريا ولبنان، وتحالف سنى ضد الشيعة هو حرب طائفية داخلية وليست حربا قومية، حرب كفيلة بتفتيت العالم العربى والإسلامى أكثر مما هم فيه الآن، أما الحرب على الإرهاب فأهم لأنها استئصال لكل قوى الإرهاب التى تواجه المجتمعات العربية، وتنظيف لها من داعش والمتطرفين.

هذه الخلافات بين مصر والسعودية فى السياسات الإقليمية لن تؤثر على علاقة القاهرة بالرياض، لأنه من مصلحة السعودية أن تظل الدولة المصرية متماسكة وقوية، ومن مصلحة مصر أن تظل المملكة متماسكة وقوية، لكن يظهر الخلاف حينما يتنافس الطرفان على قيادة المنطقة العربية، وهى منافسة وربما صراع تاريخى، منذ عصر محمد على حتى الآن، لكنه يظل دائما الصراع على المقدمة وليس على هدم كل طرف للآخر.

أما العلاقة بين مصر وتركيا أو بين أى دولة عربية وتركيا، ليست فى إطار المنافسة مع السعودية، كما وضحت سابقا، لكن فى إطار الهدم، لأن رجب طيب أردوغان لا يضع أمام نفسه سوى هدف واحد فقط إمبراطورية عثمانية عاصمتها أنقرة، هذه الامبراطورية تريد أن تتحول القاهرة والرياض إلى ولايتين تابعتين لها تدفعان الجزية سنويا.

الغرب لا يريد من ليبيا سوى السيطرة على آبار النفط، ويريدون مد خط الغاز القطرى إلى أوروبا عبر سوريا وإنهاء سيطرة روسيا على الغاز الذى يدخل لأوروبا.

هذه الآبار بين يدى 3 قوى تتصارع، لكن يظل الجيش الليبى الشرعى فى طبرق على علاقة طيبة مع القاهرة وهو الضامن الوحيد لاستقرار الحدود مع ليبيا حتى الآن.

هذه المشاكل على أى مائدة أمن قومى فى مصر، ويسعى الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى أن تصبح عضوا فاعلا فى أى تجمع دولى فى العالم ضد الإرهاب، وليست عضوا بل صاحبة قرار وتصبح دولة ترسم استراتيجيات عالمية لمكافحة التطرف، لذا أصبحت القاهرة عضوا غير دائم فى مجلس الامن، ثم مجلس السلم والأمنى الإفريقى، ثم تشكيل قوات مشتركة فى شمال إفريقيا لمواجهة الإرهاب تحت مظلة الاتحاد الإفريقى.

لكن يبقى التحالف الأهم الذى لم يلحظه أحد، لقد أعاد السيسى محور القذافى «س ص» وهو تجمع دول الساحل والصحراء إلى الحياة، وأصبحت مصر تقوده الآن، هذا التجمع أسسه القذافى فى 4 فبراير بطرابلس ليبيا، وضم وقتها مالى والنيجر والسودان وتشاد وبوركينافاسو، ثم توسع التجمع ليضم 28 دولة عربية وإفريقية من بينها تونس وتوجو وجيبوتى وساحل العاج والسنغال وسيراليون والصومال وغانا وغينيا وليبريا والمغرب ونيجيريا.

هذا التجمع أقامه القذافى لأسباب اقتصادية لم تتحقق، كان الهدف منه عمل تحالف مثل الاتحاد الأوروبى ومناطق تجارة حرة، وفتح الحدود بين هذه الدول، اقتصاديا كانت أفكارًا نبيلة وفسدت، فهذا التجمع هو منجم الثروات الطبيعية فى العالم، ويستطيع أن يتحكم اقتصاديا فى العالم كله، وبعد مقتل القذافى لم يعد للتجمع تواجد حقيقى رغم أنه حصل على الشرعية من الاتحاد الإفريقى، وتم منحه صفة مراقب من الجمعية العامة للأمم المتحدة.

لقد نجح السيسى فى إعادة التجمع مرة أخرى وبقيادة مصر، لكنه سيعيده على المستوى الامنى، ودعا وزراء دفاع 28 دولة عربية وإفريقية إلى الاجتماع فى مصر مارس المقبل وربما قبل ذلك، لوضع استراتيجية موحدة لمواجهة الارهاب من مالى إلى سيناء، هذا التجمع كفيل بحل كل أزمات مصر سواء فى ليبيا أو اثيوبيا أو فى مواجهة تنظيم القاعدة فى المغرب العربى.

هذا التجمع كفيل بتعظيم مصالح مصر الاقتصادية مع هذه الدول التى تمتلك أكبر مواد خام فى العالم، بداية من البترول والغاز وحتى الحديد والنيكل والكوبلت.

إن التدخل المصرى العسكرى فى ليبيا أمر غير وارد على الإطلاق، لأن التكلفة الاقتصادية باهظة جدا، وهناك دول تنتظر مننا أن نتورط فى هذا حتى يشنوا حربا دولية لتكسير عظام مصر، فهم يرون الآن بلدا يسعى لاستعادة نفوذه الإفريقى والعربى والشرق اوسطى والدولى، دولة تعمل على مفاعلات الضبعة النووية وتحدث ترسانتها العسكرية.

وفقا لتقرير نشر على موقع روسيا اليوم فإن مصر عقدت صفقات سلاح فى عهد السيسى بقيمة 10 مليارات دولارت، صفقات امتدت من حاملات الطائرات الفرنسية ميسترال والغواصات الالمانية الدولفين والفرقاطة الفرنسية فريم بالإضافة إلى 50 طائرة كاموف روسى وهى البديل الاقوى للأباتشى الأمريكى، وأحاديث قوية عن 39 طائرة ميج 35 روسى، هذا غير طائرات رافال الفرنسية.

من السهل أن تقول: ما الداعى لدولة لا تجد قوت يومها أن تصرف كل هذه المليارات لصفقات السلاح؟

لكن الطريق الأصعب عليك أن تبحث وتعى أن هذه الصفقات تضمن أمن واقتصاد مصر وقوت يومها، فلولا قوة الجيش لتفتت مصر إلى دويلات صغيرة يتحكم فيها الدواعش والناتو، ولولا وجود سلاح ردع مصرى لتحولت مصر إلى صيد سهل لكل قوى الإقليم، إن البحرية المصرية الآن تؤمن مصر من مضيق باب المندب حتى قناة السويس، ولولا وجود قطع بحرية مصرية لتحول مجرى القناة إلى صيد ثمين لقوى الإرهاب، وفقدت مصر دخلها القومى من قناة السويس، إن البحرية المصرية فى البحر المتوسط تؤمن حقول الغاز المكتشفة جديدا، هذه الحقول تساوى بالنسبة لمصر 48 مليار دولار!

الجيش المصرى يقف بطول 1200 كيلو متر مدافعا عن الحدود مع ليبيا التى يتسرب منها يوميا قوى متطرفة تحاول تفجير مصر .

لو قال لك أحدهم إن مصر تصرف الكثير فى شراء السلاح قل له إن مصر أقل دولة تدفع أموالا للسلاح فى الشرق الأوسط، إسرائيل تصرف سنويا على السلاح 20 مليار دولار والسعودية 50 مليارا وتركيا 18 مليارا.

الفرق بيننا وبينهم أن لدينا قوى بشرية وفنية رائعة تستطيع إضفاء أضعاف أى قيمة لثمن السلاح، لأننا نضيف له أفكارا إبداعية مصرية.

إن صفقات التسليح المصرية تؤمن مصر من الإرهاب القادم إلينا من الجهة الشرقية، إرهاب الإخوان تركيا وإسرائيل، فليس من مصلحة أى طرف من هؤلاء أن تصبح مصر قوية، حينما كانت مصر قوية فقد دخل جيشها على مشارف الاستانة، وهذا ما لن ينساه العثمانيون فى تركيا، وسيقفون ضده، ولن تسمح به تل أبيب، لكن كل هؤلاء لا يعنون شيئا لو أرادت مصر أن تكون.