ناصر عراق يكتب: عن المثقف ومواقفه وآرائه

الفجر الفني

بوابة الفجر


السؤال يفرض نفسه بعد كل صراع حاد يشتعل بين الشعب المطحون والحكومة الظالمة، إذ يفاجأ الناس بأن (المثقف) غالبًا ما يقف في صف الحكومة، الأمر الذي يصيب معظم الناس بالارتباك والتشويش، على أساس أن المثقف إنسان راق رهيف المشاعر ينبغي أن ينحاز إلى العدل ويرفض الطغيان، وهكذا تنهال الشتائم على النخبة وعلى المثقفين الذين يبررون الديكتاتورية ويمالئون السلطان.

تعالَ نحاول وضع صورة سريعة محددة للمثقف حتى نفهم ما جرى في ثورة يناير وما تلاها حتى الآن.

من التعريفات الشائعة أن المثقف هو الذي يعرف معلومات أكثر، وهو تعريف صحيح نسبيًّا لكنه منقوص، ذلك أن المثقف الحق -كما أظن - هو الذي يمتلك منهجًا علميًّا يسمح له بقراءة الواقع قراءة صحيحة، الأمر الذي يدفعه إلى التنبؤ بما يحدث في المستقبل وفقا لهذه القراءة.

هذا المنهج العلمي لن يتأتى للمثقف إلا من خلال القراءة الواعية في الفلسفة والتاريخ والسياسة والاقتصاد والأدب والفن، حتى يتمكن من الإمساك بنظرية علمية توفر له الفرصة الصحيحة لفهم الواقع فهمًا عقلانيًّا دقيقًا، من أجل العمل على تغييره للأفضل.

هذا الفهم الصائب للواقع لن يحظى به سوى من أمسك بالمنهج العلمي، وقليل منا في مصر يدركون ما المنهج العلمي، وهكذا يتناسل (المثقفون) بالمئات دون أن يدركوا أن (معارفهم) مهما بلغ حجمها لن تفتح لهم الطريق إلى المنهج العلمي المنشود.

ومع ذلك دعنا نتفق على أن (المثقفين) ليسوا كتلة واحدة صاحبة مصالح مشتركة، حتى لو لم يمتلك هؤلاء المثقفون رؤية عقلانية للعالم الذي نعيش فيه، وهكذا من الصعب، أو قل من المستحيل أن نضع المثقفين المصريين كلهم في سلة واحدة، فهناك -وهم الغالبية- فئة تعشق مداهنة السلطان طمعًا في ذهبه أو خوفًا من بطشه، وبعض هؤلاء يتولون مناصب كبرى في  المؤسسات الثقافية الرسمية وفي وسائل الإعلام الحكومية، وهم دومًا أصحاب الصوت العالي "لاتنسَ فاروق حسني الذي كان يفخر بأنه أدخل معظم المثقفين إلى حظيرة وزارة الثقافة".

أما القلة من المثقفين المحترمين فهم الذين ينتصرون للعدل، ويقاومون الاستبداد، وقد يلقون في سبيل ذلك العنت والشقاء وربما قطع الأرزاق.

إذا كان هذا الكلام صحيحًا، وأظنه كذلك، فإننا يمكن فهم مواقف المثقفين من ثورة يناير وحتى هذه اللحظة، فالذين كانوا مع مبارك ونظامه، واظبوا على انتمائهم للذين حكموا من بعده، رغم أن الظلم ما زال هو السائد، ورغم أن راية العدل لم ترفرف بعد.

باختصار... نريد في مصر مثقفًا يفهم العالم ويعمل على تغييره من أجل تشييد مجتمع مصري أكثر عدلًا وحرية وجمالًا.  

نقلا عن التحرير