«حليب الأطفال» المدعم أزمة تؤرق العائلات.. ومختصون: الحل في رفع سعره

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


رحلة البحث عن علبة «حليب الأطفال» من أصعب ما يقوم بها العائلات في مصر، في ظل أباطرة السوق السوداء، الذين يهيمنون على الأسعار دون الشعور بأولياء الأمور خاصة محدودي الدخل؛ لتباع في الخفاء لمصانع الحلويات بأضعاف ثمنها والتي بدورها تحقق ربح عالي.

ترصد "الفجر"، تباين آراء عدد من الاقتصاديين والمواطنين حول اختفاء عبوات ألبان الأطفال المدعمة من الصيدليات.‏

معاناة شديدة
زادت شكاوي الأمهات والآباء من صعوبة الحصول علي الألبان المدعمة لأطفالهم إلي جانب ارتفاع سعر العبوة إن وجدت‏، فيقول إسلام محمود، والد طفل رضيع: «بعض الصيدليات تستغل الظروف وتبيع الألبان المدعمة بأسعار تصل إلي ثلاثين جنيهًا للعلبة الواحدة وبالواسطة‏».‏

ويتابع عبد الهادي رجب، موظف: «أنجبت زوجتي طفلها الأول قبل أربعة‏ أشهر ولظروف صحية خاصة لم تتمكن من إرضاعه وطلب منا الطبيب المعالج تغذية الطفل باللبن المدعم والذي يبلغ ثمن العبوة الواحدة منه‏ ثلاث جنيهات، ومنذ ذلك الحين وأنا أمر علي الصيدليات وأبرز روشته الطبيب التي تؤكد حاجة طفلي للبن ولكني أفاجأ بالصيدلي يخبرني أن الألبان غير متوافرة ويتكرر الحال في كل صيدلية وأمام المشكلة ذهبت إلى منفذ شركة الأدوية، ولكن رفضوا إعطائي أية عبوات بدعوى أن التوزيع يتم من خلال الصيدليات فقط ولم أنجح في الحصول علي اللبن إلا من خلال أحد أصدقائي والذي يعمل بإحدى الصيدليات"، موضحًا أن ثمن عبوة اللبن المستوردة‏ ثلاثون‏ جنيهًا بينما يبلغ ثمن اللبن المدعوم‏ بثلاث جنيهات فقط وهو ما يجعل الطلب عليها كثيفًا للغاية‏.

الدعم لا يكفي
وتؤكد بثينة عبد المولى، مدرسة، أن مشكلة الألبان ليست جديدة والجميع يعرف أسبابها، مشيرةً إلى أن نسبة ليست بالقليلة يتم بيعها إلي أصحاب المقاهي ومحال الألبان فهي رخيصة الثمن مقارنة باللبن الطبيعي فضلاً عن سهولة تخزينه وتحضيره وتقديمه إلى الزبائن.

وأشار حلمي السيد، سائق تاكسي، إلى أنه منذ أن رزق بمولوده الجديد‏، والذي يحتاج إلى علبة لبن واحدة أسبوعيًا، نظراً لأن لبن الأم الطبيعي قليل؛ وهو كأنه يبحث عن «إبرة في كوم قش»‏‏ خاصةً أن ظروفه لا تسمح بشراء اللبن غير المدعم والذي يصل سعر العبوة منه إلي‏ ثلاثين جنيهًا بينما سعر المدعم‏ ثلاث جنيهات لا غير‏، مضيفًا أنه بحث عن اللبن المدعم في كل الصيدليات إلا أن محاولاته باءت في أغلب المرات‏ بالفشل‏.‏

أما سعيد حسن، موظف حكومة، فيقول: «دخت السبع دوخات من أجل الحصول علي لبن الأطفال المدعم لحفيدتيه التؤام بعد الولادة مباشرة‏، خاصةً أن حالة الأم لم تكن تسمح بإرضاعهما أو إرضاع أحدهما‏،‏ وأنه لم يجد مفراً من شراء اللبن غير المدعم لإنقاذ حياة التؤام‏»، ولكنه يتساءل‏:‏ هل يستطيع رب أسرة محدود الدخل أن يشتري لأطفاله التؤام عدد 16 علبة لبن شهرياً‏ً، بمبلغ يصل إلى 500‏ جنيه في الوقت الذي لا يتجاوز دخله 1000جنيه.

إثقال كاهـل المواطن
"حرام أنا مش لاقيه أكل علشان أشتري كمان لبن من السوق السودة"، بهذه الكلمات عبرت حليمة محمود، ربة منزل عن استيائها من عدم حصولها على علبة اللبن المدعم لطفلتها، لافتة أن ابنتها ولدت مريضة بحساسية الصدر، ودخل زوجها بسيط جداً، ولا تستطيع شراء عبوة اللبن المدعم إن وجد.

بينما قال  بكر إبراهيم، عامل، «الصيدليات حالياً لا يباع فيها سوى المخدرات، وحصولنا على علبة اللبن أصبح زي البحث على لبن العصفور»، مطالباً اهتمام الحكومة بهم، واهتمام المحلات الأخرى بهم خاصة من يبيعون اللبن في السوق السودة، بأن يرعوا الله، وأن يباع اللبن بسعر يسهل للجميع شرائه.

عدم الرقابة
من جانبه أكد الدكتور كمال القزاز، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن أزمة اختفاء ألبان الأطفال المدعمة، ليست بجديدة، إلا أن عدم الرقابة من وزارة الصحة على الصيدليات أدى إلى تفاقم هذه الأزمة، خاصةً وأن الصيادلة طرف أساسي في هذه القضية إذ إنهم يلجؤون لبيع الألبان لمصانع الحلويات من أجل تحقيق ربح هائل من ورائها خاصةً وأن هامش الربح من بيع هذه الألبان المدعمة يعد ضئيلاً للغاية، بجانب أن تقصير الصيادلة في بيع الألبان المدعمة للمواطنين دون أي روشتة من الطبيب يجعل دعم هذه الألبان لا يصل لمستحقيه، لافتًا إلى أن المواطنين يقومون بشرائها وهم ليسوا في حاجة لها، ليقوموا ببيعها في السوق السوداء بأثمان باهظة الثمن.

وأوضح «القزاز»، أن الآباء والأمهات يلجؤون لشراء الألبان المدعمة من السوق السوداء لسبب رئيسي وهو أن مكاتب الصحة بجميع المحافظات لا تمنح الطفل حتى عمر تسعة أشهر سوى علبة واحدة شهريًا، وبالتالي فهذه العلبة لا تكفيه سوى ثلاثة أيام فقط، ونظراً لاختفاء وجوده بالصيدليات لا يكون أمام أي أسرة سوى شراء هذه الألبان من السوق السوداء.

وأردف الدكتور عادل عبدالمقصود، رئيس شعبة الصيادلة، بغرفة القاهرة التجارية، أن بيع الألبان المدعمة بالصيدليات لا يتم إلا بالواسطة والمحسوبية، فضلاً عن أن هناك تلاعباً من قبل مندوبي توزيع العبوات على الصيدليات في حصص الألبان، فهذه الأمور هي السبب الرئيسي وراء النقص الحاد في عبوات الألبان بالصيدليات والأسواق.

وأضاف عبد المقصود، أن مصانع الحلويات تلجأ لشراء ألبان الأطفال المدعمة كبديل للألبان البودرة، خاصةً بعدما ارتفعت أسعارها بشكل لا تستطيع مصانع الحلوى عليه، خاصة وأنها إذا اعتمدت على ألبان البودرة فإن هامش ربحها سينخفض بشكل كبير.

الحل يكمن في ارتفاع سعر "اللبن المدعم"
في حين أكدت الدكتورة يمنى الحماقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن نقص الألبان المدعمة بالصيدليات أمر طبيعي للغاية، خاصةً في ظل تقليص عدد العبوات المخصصة لكل صيدلية والمقدرة بـ 18 علبة شهريا، بعدما كانت 65 علبة شهرياً، إذ إنه تم تقليص هذه الكمية جراء إغلاق عدد من مصانع الألبان نتيجة سوء التعبئة والتخزين ولعل أبرزها المصانع المنتجة لعبوات ألبان «بيبي زان»، فضلاً عن أن الدولة رفعت الدعم نهائياً عن عبوات ألبان «لاكتوجين» ليصل سعر العبوة الواحدة 40 جنيهاً، ومن ثم لم يكن أمام وزارة الصحة سوي أن تقوم باستيراد كميات كبيرة من الخارج والتي تعد أسعارها مرتفعة وذلك من أجل سد احتياجات الأطفال الرضع.

وأضافت «الحماقي»، أن هذه الأمور خلقت زيادة على طلب الألبان المدعمة، والتي يبلغ سعرها ثلاثة جنيهات، الأمر الذي وضع الآباء والأمهات في مأزق حقيقي.

وترى الحل إذا قامت وزارة الصحة برفع أسعار الألبان المدعمة لتصبح بنحو 15 جنيها بدلاً من ثلاثة جنيهات، سيؤدي لمنع استيراد لبن الأطفال، فضلاً عن أن هذا المبلغ سيكفي تكلفته تماماً، ومن ثم سيقضي على أي محاولات لتهريبه والتخلص نهائياً من السوق السوداء له.