من المقصود بقوله تعالي: «ثم أورثنا الكتاب الذين ...»

إسلاميات

بوابة الفجر


 
قال تعالى: (( ثُمَّ أَورَثنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصطَفَينَا مِن عِبَادِنَا فَمِنهُم ظَالِمٌ لِنَفسِهِ وَمِنهُم مُقتَصِدٌ وَمِنهُم سَابِقٌ بِالخَيرَاتِ بِإِذنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضلُ الكَبِيرُ )) أن كان ورثة الكتاب هم الانبياء او اوصيائهم فهل منهم ظالم لنفسه ... كما بينت الايه ومنهم مقتصد ومنهم سابق للخيرات لان الورثه لكتاب الله كما تزعم الشيعه هم الاوصياء أأمتهم الاثنا عشر
فهل من الاثنا عشر من هوا ظالم لنفسه....... ومن هوا مقتصد كما تبين الايه ....ومن هو سابقا للخيرات
أو ان المقصود بالورثه هنا هم المسلمون أمة محمد عليه الصلاة والسلام فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابقا للخيرات
قال تعالى
(( ثُمَّ أَورَثنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصطَفَينَا مِن عِبَادِنَا فَمِنهُم ظَالِمٌ لِنَفسِهِ وَمِنهُم مُقتَصِدٌ وَمِنهُم سَابِقٌ بِالخَيرَاتِ بِإِذنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضلُ الكَبِيرُ ))
بمعنى : ثُمَّ جَعَلنَا القَائِمِينَ بِالكِتَابِ العَظِيم المُصَدِّق لِمَا بَين يَدَيهِ مِن الكُتُب الَّذِينَ اِصطَفَينَا مِن عِبَادنَا وَهُم هَذِهِ الأُمَّة ثُمَّ قَسَّمَهُم إِلَى ثَلَاثَة أَنوَاع 
فَقَالَ تَعَالَى : (( فَمِنهُم ظَالِم لِنَفسِهِ )) وَهُوَ المُفَرِّط فِي فِعل بَعض الوَاجِبَات المُرتَكِب لِبَعضِ المُحَرَّمَات (( وَمِنهُم مُقتَصِد )) هُوَ المُؤَدِّي لِلوَاجِبَاتِ التَّارِك لِلمُحَرَّمَاتِ وَقَد يَترُك بَعض المُستَحَبَّات وَيَفعَل بَعض المَكرُوهَات (( وَمِنهُم سَابِق بِالخَيرَاتِ بِإِذنِ اللَّه )) وَهُوَ الفَاعِل لِلوَاجِبَاتِ وَالمُستَحَبَّات التَّارِك لِلمُحَرَّمَاتِ وَالمَكرُوهَات وَبَعض المُبَاحَات . 
قَالَ عَلِيّ بن أَبِي طَلحَة عَن اِبن عَبَّاس فِي قَوله تَعَالَى : (( ثُمَّ أَورَثنَا الكِتَاب الَّذِينَ اِصطَفَينَا مِن عِبَادنَا )) قَالَ هُم أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَرَّثَهُم اللَّه تَعَالَى كُلّ كِتَاب أَنزَلَهُ فَظَالِمهم يُغفَر لَهُ وَمُقتَصِدهم يُحَاسَب حِسَابًا يَسِيرًا وَسَابِقهم يَدخُل الجَنَّة بِغَيرِ حِسَاب
الجواب:
الأخ احمد المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
ليس المراد من الذين أورثوا الكتاب هم الأنبياء، بل وردت الأحاديث عن أهل البيت(عليهم السلام) أن المراد بالذين أورثوا الكتاب هم العترة، وأن السابق بالخيرات هو الإمام والمقتصد العارف للإمام والظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام.
فكل الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) سيدخلون في السابق للخيرات،فعن الريان بن الصلت قال:حضر الرضا (عليه السلام) مجلس المأمون بمرو, وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان, فقال المأمون : أخبروني عن معنى هذه الآية (( ثُمَّ أَورَثنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصطَفَينَا مِن عِبَادِنَا )) (فاطر:32) .
فقالت العلماء : أراد الله عز وجل بذلك الأمة كلها . فقال المأمون : ما تقول, يا أبا الحسن ؟ فقال الرضا (عليه السلام) : لا أقول كما قالوا, ولكني أقول : أراد الله العترة الطاهرة . فقال المأمون : وكيف عنى العترة من دون الأمة ؟ فقال له الرضا (عليه السلام) : إنه لو أراد الأمة لكانت بأجمعها في الجنة, لقول الله تبارك وتعالى : (( فَمِنهُم ظَالِمٌ لِّنَفسِهِ وَمِنهُم مُّقتَصِدٌ وَمِنهُم سَابِقٌ بِالخَيرَاتِ بِإِذنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضلُ الكَبِيرُ )) (فاطر:32) ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال : (( جَنَّاتُ عَدنٍ يَدخُلُونَهَا يُحَلَّونَ فِيهَا مِن أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ )) (فاطر:33) فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم.
وقال صاحب (الميزان): وأعلم أن الروايات من طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في كون الآية خاصة بولد فاطمة (عليهم السلام) كثيرة جداً، وقال في تفسير الآية القرآنية: قوله تعالى : (( ثُمَّ أَورَثنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصطَفَينَا مِن عِبَادِنَا )) (فاطر:32) إلى آخر الآية . يقال : أورثه مالا كذا أي تركه فيهم يقومون بأمره بعده وقد كان هو القائم بأمره المتصرف فيه, وكذا إيراث العلم والجاه ونحوهما تركه عند الغير يقوم بأمره بعد ما كان عند غيره ينتفع به فايراث القوم الكتاب تركه عندهم يتناولونه خلفا عن سلف وينتفعون به .

وتصح هذه النسبة وإن كان القائم به بعض القوم دون كلهم, قال تعالى : (( وَلَقَد آتَينَا مُوسَى الهُدَى وَأَورَثنَا بَنِي إِسرَائِيلَ الكِتَابَ * هُدًى وَذِكرَى لِأُولِي الأَلبَابِ )) (المؤمنون:53-54), وقال (( إِنَّا أَنزَلنَا التَّورَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحبَارُ بِمَا استُحفِظُوا مِن كِتَابِ اللّهِ )) (المائدة:44), وقال : (( وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الكِتَابَ مِن بَعدِهِم لَفِي شَكٍّ مِّنهُ مُرِيبٍ )) (الشورى:14). 
فبنو إسرائيل أورثوا الكتاب وإن كان المؤدون حقه القائمون بأمره بعضهم لا جميعهم . والمراد بالكتاب في الآية على ما يعطيه السياق هو القرآن الكريم كيف ؟ وقوله في الآية السابقة : (( وَالَّذِي أَوحَينَا إِلَيكَ مِنَ الكِتَابِ )) (فاطر :31) نص فيه, فاللام في الكتاب للعهد دون الجنس فلا يعبأ بقول من يقول : إن اللام للجنس والمراد بالكتاب مطلق الكتاب السماوي المنزل على الأنبياء . والاصطفاء أخذ صفوة الشئ ويقرب من معنى الاختيار والفرق أن الاختيار أخذ الشئ من بين الأشياء بما أنه خيرها والاصطفاء أخذه من بينها بما أنه صفوتها وخالصها.
وقوله : (( مِن عِبَادِنَا )) (يوسف:24) يحتمل أن يكون " من " للتبيين أو للابتداء أو للتبعيض الأقرب إلى الذهن أن يكون بيانية وقد قال تعالى : (( وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصطَفَى )) (النمل:59). واختلفوا في هؤلاء المصطفين من عباده من هم ؟ فقيل : هم الأنبياء, وقيل : هم بنو إسرائيل الداخلون في قوله : (( إِنَّ اللّهَ اصطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبرَاهِيمَ وَآلَ عِمرَانَ عَلَى العَالَمِينَ )) (آل عمران:33).
وقيل: هم أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أورثوا القرآن من نبيهم إليه يرجعون وبه ينتفعون علماؤهم بلا واسطة وغيرهم بواسطتهم .
وقيل : هم العلماء من الأمة المحمدية . 
وقيل : - وهو المأثور عن الصادقين (عليهما السلام) في روايات كثيرة مستفيضة - أن المراد بهم ذرية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أولاد فاطمة (عليها السلام) وهم الداخلون في آل إبراهيم في قوله : (( إِنَّ اللّهَ اصطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبرَاهِيمَ )) (آل عمران : 33) . وقد نص النبي (صلى الله عليه وآله) على علمهم بالقرآن وإصابة نظرهم فيه وملازمتهم إياه بقوله في الحديث المتواتر المتفق عليه : ( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) . وعلى هذا فالمعنى بعد ما أوحينا إليك القرآن - ثم للتراخي الرتبي - أورثنا ذريتك إياه وهم الذين اصطفينا من عبادنا إذا اصطفينا آل إبراهيم وإضافة العباد إلى نون العظمة للتشريف . 
وقوله : (( فَمِنهُم ظَالِمٌ لِّنَفسِهِ وَمِنهُم مُّقتَصِدٌ وَمِنهُم سَابِقٌ بِالخَيرَاتِ )) (فاطر:32) يحتمل أن يكون ضمير ( منهم ) راجعا إلى ( الذين اصطفينا ) فيكون الطوائف الثلاث الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات شركاء في الوراثة وإن كان الوارث الحقيقي العالم بالكتاب والحافظ له هو السابق بالخيرات . ويحتمل أن يكون راجعا إلى عبادنا - من غير إفادة الإضافة للتشريف - فيكون قوله : " فمنهم " مفيدا للتعليل والمعنى إنما أورثنا الكتاب بعض عبادنا وهم المصطفون لا جميع العباد لان من عبادنا من هو ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق ولا يصلح الكل للوراثة .

ويمكن تأييد أول الاحتمالين بأن لا مانع من نسبة الوراثة إلى الكل مع قيام البعض بها حقيقة كما نجد نظيره في قوله تعالى : (( وَأَورَثنَا بَنِي إِسرَائِيلَ الكِتَابَ )) (المؤمنون:53) وما في الآية من المقابلة بين الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات يعطي أن المراد بالظالم لنفسه من عليه شئ من السيئات وهو مسلم من أهل القرآن لكونه مصطفى ووارثا, والمراد بالمقتصد المتوسط الذي هو في قصد السبيل وسواء الطريق والمراد بالسابق بالخيرات بإذن الله من سبق الظالم والمقتصد إلى درجات القرب فهو أمام غيره بإذن الله بسبب فعل الخيرات قال تعالى : (( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ )) (الواقعة:10-11). وقوله تعالى : (( ذَلِكَ هُوَ الفَضلُ الكَبِيرُ )) (فاطر:32) أي ما تقدم من الايراث هو الفضل الكبير من الله لا دخل للكسب فيه .
هذا ما يعطيه السياق وتفيده الاخبار من معنى الآية وفيها للقوم اختلاف عجيب.

فقد اختلف في " ثم " فقيل : هي للتراخي بحسب الاخبار, وقيل : للتراخي الرتبي, وقيل : للتراخي الزماني . ثم العطف على (أَوحَينَا) أو على (( الَّذِيَ أَوحَينَا )) (الرعد:30) . واختلف في (أَورَثنَا) فقيل : هو على ظاهره, وقيل : معناه حكمنا بإيراثه وقدرناه, واختلف في الكتاب فقيل : المراد به القرآن, وقيل : جنس الكتب السماوية .
واختلف في (( الَّذِينَ اصطَفَينَا )) فقيل : المراد بهم الأنبياء, وقيل : بنو إسرائيل, وقيل : أمة محمد, وقيل : العلماء منهم, وقيل : ذرية النبي من ولد فاطمة عليها السلام . واختلف في " من عبادنا " فقيل : من للتبعيض أو للابتداء أو للتبيين ويختلف المراد من العباد بحسب اختلاف معنى " من " وكذا إضافة " عبادنا " للتشريف على بعض الوجوه ولغيره على بعضها .
واختلف في (فَمِنهُم) فقيل : مرجع الضمير (الَّذِينَ ) وقيل : (عِبَادِنَا) .
واختلف في الظالم لنفسه والمقتصد والسابق فقيل : الظالم من كان ظاهره خيرا من باطنه و المقتصد من استوى ظاهره وباطنه والسابق من كان باطنه خيرا من ظاهره, وقيل : السابق هم السابقون الماضون في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أصحابه والمقتصد من تبع أثرهم ولحق بهم من الصحابة والظالم لنفسه غيرهم, وقيل : الظالم من غلبت عليه السيئة والمقتصد المتوسط حالا والسابق هو المقرب إلى الله السابق في الدرجات .
وهناك أقوال متفرقة أخر تركنا إيرادها ولو ضربت الاحتمالات بعضها في بعض جاوز الألف.

أما أسئلة العصمة فارجع إلى الموقع فقد استوفينا البحث هناك.
وأما الأمة الوسط في الآية القرآنية فأنت ذكرت رأي المفسرين من السنة ونحن لدينا روايتنا عن المعصومين تثبت بكونهم هم الأمة الوسط وهم الشهداء على خلقه وحجته على عباده.
ودمتم في رعاية الله