أحمد شوبير يكتب: بين المصري وبرشلونة

الفجر الرياضي



لم أجد عناءً كبيراً فى اختيار موضوع هذا الأسبوع، فالأحداث تفرض نفسها على الجميع، لذلك كان من السهل أن أختار المقارنة بين برشلونة والمصرى، وسمير حلبية وبارتوميو، ولويس إنريكى وحسام حسن، وأيضاً بين النظام والثقافة هنا وهناك، ولنبدأ بالمصرى وبرشلونة وهل فجأة أصبح المصرى نداً لبرشلونة؟ والإجابة بالطبع: لا المصرى ولا الأهلى ولا الزمالك ولا غيره قادر على منافسة برشلونة، ولكن الأمر فقط هو ما يتعلق بما حدث مع برشلونة فى مباراة الدور ربع النهائى لبطولة أوروبا، والمصرى فى مباراة الدورى العام مع سموحة، فبرشلونة حُرم من ضربة جزاء صحيحة فى الوقت بدل الضائع أمام فريق أتلتيكو مدريد نتيجة لمسة يد للاعب أتلتيكو مدريد جابرييل الذى اعترف بأنه بالفعل لمس الكرة بيده، ولا يعرف إن كانت داخل منطقة الجزاء أم خارجها، وقد أظهرت الإعادة بوضوح أنها كانت بالداخل جداً بما لا يدع مجالاً للشك، والوقت كان قاتلاً لأن احتساب ضربة الجزاء وتسجيلها كان يعنى تعادل برشلونة مع أتلتيكو مدريد بنفس نتيجة الذهاب أى ستذهب إلى وقت إضافى وربما إلى ركلات الترجيح، ولكن الحكم لم يحتسبها، فماذا حدث؟ تعالوا لنرى رئيس النادى حامل اللقب، بارتوميو، الذى خرج ليعلن أنه يقبل بالنتيجة تماماً، وأنه يهنئ أتلتيكو وإدارته ومدربه، وأن علينا عملاً كبيراً فى الموسم المقبل لكى نستعيد اللقب، وأنه من الواجب الآن أن يفكر اللاعبون فقط فى الفوز بالدورى والكأس، لأنه ليس لدينا وقت نضيعه فى البكاء على اللبن المسكوب.


أما لويس إنريكى، مدرب برشلونة، فخرج للجميع ليعلن أنه المسؤول الأول عن الهزيمة، وأنه فعلاً توجد ضربة جزاء صحيحة لفريقه، ولكن فى نفس الوقت استحق الهزيمة، وأن أتلتيكو مدريد استحق الفوز بجدارة على الرغم من أن إحصائيات المباراة تقول إن برشلونة استحوذ على الكرة بنسبة ٧٤٪ مقابل ٢٦٪ لأتلتيكو، ولكن الرجل احترم كرة القدم وذهب إلى سيميونى، مدرب أتلتيكو، ليهنئه لا ليسب ويتطاول عليه وينعته بأبشع الألفاظ، لأنه تجرأ وفاز على البطل وحرمه من الاستمرار فى التنافس على اللقب الذى يحمله، بل الأكثر من ذلك أن هذه الهزيمة ستحرم برشلونة من لقبه «بطل العالم للأندية»، بل قد تحرم نجمه الأول ميسى من الاحتفاظ بلقبه كأفضل لاعب فى العالم، ورغم كل ذلك لم يعترض أحد أو يغضب، بل العكس هو الصحيح.. صفحة وانتهت والقادم أهم أمام برشلونة.. هذا عن ميسى وبارتوميو وإنريكى، فماذا عن المصرى وحلبية وحسام حسن وسموحة، نعود قليلاً إلى الوراء فالمباراة كانت عادية جداً لن تُبعد المصرى عن الفوز ببطولة الدورى العام ولن يهبط إلى القسم الثانى، صحيح أنه من الممكن أن تؤخر من ترتيب المصرى قليلاً فى جدول المسابقة ولكنها فى النهاية مباراة عادية فى كرة القدم، فماذا حدث؟ لاعب من سموحة يشتت الكرة تصطدم بيد زميله دون أى تعمد، وهو شرط احتساب ضربة الجزاء فإذا بالدنيا تقوم ولا تقعد ويخرج علينا الجميع فى النادى المصرى حاملين نظرية المؤامرة وأن الجميع ضد المصرى فى محاولة لإيقاف مسيرته، وأن رئيس لجنة الحكام «بيغير» من مدرب الفريق، لأنه نجم أكبر منه بكثير، لذلك فهو يحاربه ويحاول أن يعوقه عن الفوز!!


ومقدم البرنامج الفلانى يغير هو الآخر من المدرب، لأنه كان نجماً أكبر منه ولا يوافق على عمل مداخلات معه فى برنامجه، لذلك فهو يتمنى له الهزيمة، والغريب أن بعض الإعلاميين وقفوا موقف المساند للخروج عن النص وضرب الحائط بكل القوانين واللوائح، والنتيجة أن بعضاً من الجماهير المهووسة انقادت هى الأخرى إلى هذا الجنون، فصدقت أن هناك مؤامرة لإيقاف مسيرة النادى المصرى، وأن المصرى كان على أبواب الفوز ببطولة الدورى لولا مؤامرة اتحاد الكرة والغندور وبعض الإعلاميين، والأغرب أن يخرج رئيس النادى هو الآخر ليساند موقف المدرب، وهو أصلاً غير مقتنع ولكنه، وكما قال، وراءه جماهير متحمسة وهو لا يمكنه أن يحرمها من حماسها وإخلاصها، لذلك فهو مضطر لمساندة المدرب فى هجومه أو فى خطئه لتزداد الأزمة اشتعالاً ويغيب صوت العقل تماماً، ثم بعد ذلك نلوم على الجماهير ونلقى بالمسؤولية عليها فى التعصب والخروج على النص مع العلم بأن الجميع كان قبل هذا اللقاء قد أشاد، وبعنف، بتجربة المصرى الرائعة هذا الموسم ومدربه الواعد، واخترناه كأفضل مدرب لأنه، وبأقل الإمكانيات، يقدم أفضل العروض ويحقق نتائج مبهرة، لذلك كان مثار احترام الجميع بلا استثناء، ولكن يبدو أنه، ومع أول انتقاد لخطأ واضح وفادح، أصبح الأمر مؤامرة ضد المدرب والنادى ورئيسه وكأنها ثقافة أصبحت هى الأساس فى كرة القدم المصرية الآن، وبكل أسف أصبح لدينا إعلام من نوع جديد فى بعض البرامج يسمى إعلام الانبطاح، هذا الإعلام الذى يوافق على الخطأ بل ويزكيه ويغمض عينيه عن الحقيقة، والأكثر من ذلك أنه أصبح إعلام تنافس فى تمرير الأخطاء وتبريرها، بل وإيجاد الأعذار لأصحابها مع أن نفس هذا الإعلام هو الذى يقيم الدنيا ولا يقعدها عند خطأ لاعب على غير هواه أو مدرب ليس له ظهر أو قوة جماهيرية، فتجد نفس المذيع وهو يعطينا دروساً وعظات ويعلمنا الحكمة والموعظة الحسنة، ثم فجأة ينقلب إلى العكس تماماً لمجرد أن هذا اللاعب أو المدرب قوى الشخصية ويقف خلفه ناد أو مسؤول كبير..

الآن هل علمتم لماذا أصبح برشلونة ومدربه فى هذه المكانة ولماذا لم تبارح الكرة المصرية مكانها؟.. أعتقد الإجابة، بكل أسف، واضحة، ولكننا وأيضاً بكل أسف مش واخدين بالنا.

المقال نقلاً عن جريدة المصري اليوم