مصطفي سعيد يكتب: حريق الرويعي و دروس مستفادة

ركن القراء

حريق الرويعي
حريق الرويعي


مرَّ ما يزيد على أسبوعين منذ الحريق الهائل الذي شبَّ في شارع الرويعى بالعتبة,  و الذي تسبَّبَ في الكثير من الخسائر للتجار و أصحاب المخازن, حيث التهمت النيران بضائع بملايين الجنيهات, ثم تلا ذلك, عدة حرائق في أماكن مختلفة في نفس الأسبوع.
و بعيداً عن أسباب و تفاصيل اندلاع  و انتشار النيران في هذه الحرائق, أعتقد أن الوضع كان سيختلف في وجود إنذار للحريق بصوت مُدَوِّي و مسموع للقاصي قبل الداني. الخسائر كانت ستصبح أقل إذا كان هناك مضخة للمياه مع خراطيم معتمده للإطفاء بدلاً من انتظار سيارة الحريق التي قد تستطيع الوصول للمكان أو لا تستطيع. وجود طفايات يدويه و بطانيات حريق و الأدوات اللازمة للإسعافات الأولية كانت لتقلل من الخسائر و الإصابات.
لذلك, فقد حان الوقت لفتح ملف شائك و خطير جداً ألا و هو ملف السلامة و الصحة المهنية, و هو من أخطر الملفات الذي يجب أن تهتم به الدولة, حيث لا يقل في أهميته عن تحسين شبكة الطرق مثلاً, لأن المستثمر الذي يسمع عن حرائق و إصابات لن يغامر بدفع أموال طائلة و توظيف عمال ذوي ثقافة محدودة في ما يخص سلامة العمل.
و كلنا شاهدنا على الهواء كيف تعاملت السلطات في إمارة دبي باحترافية شديدة للسيطرة على حريق فندق العنوان ليلة احتفالات رأس السنة. العالم كله عرف أن دبي بها إدارة محترفة للتعامل مع الكوارث و الأزمات و من يذهب هناك للعمل أو السياحة فهو في أيدٍ أمينة, تعرف جيدا كيف تحافظ علي حياته و ممتلكاته.
نحن لا نملك في مصر ثقافة السلامة و الصحة المهنية حتى داخل المنزل فكثيرا ما نسمع عن حريق نتيجة انفجار خرطوم أنبوب الغاز أو حوداث تسمم مثل تناول الأطفال لأحد المنظفات.
و هنا يجب أن نسأل أنفسنا: كم مواطن مصري يمتلك بطانية أو طفاية حريق في مطبخه؟ كم مواطن مصري يعلم جيداً الاسعافات الأولية في حالة إصابة أحد الأشخاص بحروق أو كسر في الأطراف أو ابتلاع مواد سامة أو ابتلاع شئ معدني؟.
"نحن شعب يتأكد من عدم تسريب الغاز من أنبوب البوتاجاز بتقريب عود الثقاب المشتعل في اتجاه الأنبوبة"
أما عن بيئة العمل فحدِّث و لا حرج فكثيرا ما نسمع في الورش و المصانع عن عامل يقطع اصبعه نتيجة للتناول الخاطئ للآلة التى يستخدمها أو عامل يصاب بالتهاب جلدي نتيجة تعامل خاطئ مع مواد كيماوية. هذا بالإضافة إلى الطريقة الخاطئة لتخزين المواد; سواء مواد غذائية, أو مواد صناعية, فتكون النتيجة تسمم غذائي أو استخدام مادة غير صالحة فيكون المنتج النهائي في غاية السوء ما يتسبب في ضياع الكثير من الجهد و المال.
الإصلاح في ملف السلامة و الصحة المهنية يبدأ من وجود كليات و معاهد متخصصة لمهندسي و ممثلي السلامة مع وجود مناهج تعليمية متطورة بالإضافة للتدريبات العملية المستمرة.
"دور مهندس السلامة لا يقل بأى حال عن دور ضابط الشرطة الشريف فالهدف الأساسي لكليهما الحفاظ على الأرواح و الممتلكات"
ملف السلامة يبدأ من نشر الأفلام الوثائقية و الإعلانات و النشرات عن حوداث العمل و حوداث المنزل و كيفية التعامل باحترافية في حالة الطوارئ. يجب أيضاً توفير دورات تدريبية إجبارية مع الترخيصات الجديدة للمنازل و الشركات و المصانع و المحلات التجارية بالإضافة إلى ضرورة اشتمال الترخيصات الجديدة لهذه الأماكن على وسائل مكافحة الحرائق و صناديق الإسعافات الأولية و عوازل الكهرباء الأتوماتيكية و مخارج الطوارئ...الخ.
فيما يخص المواد الغذائية و التسمم الغذائي, يجب تشديد الرقابة على الأسواق و محاسبة مفتشي الصحة التى امتلأت بطونهم بأموال أصحاب المطاعم و شركات انتاج المواد الغذائية ليتجاوزا عن الكوارث التي تحدث أثناء عملية تصنيع و تعبئة المواد الغذائية.
في المنزل يجب على جميع أفراد الاسرة عامةً و الأبوين خاصة أن يكونوا على دراية بكل ما يجعل منزلهم آمن. هناك فرع كبير جداً في السلامة و الصحة المهنية يسمى "منزل آمن" لا نعرف عنه الكثير و هو يوضح بالتفصيل طريقة التعامل مع الحرائق و مصادر الكهرباء و المواد السامة و المنظفات داخل نطاق المنزل بالإضافة للأُطُر العامة للصحة البدنية و أنواع الطعام الصحي و طرق التعامل مع الأمراض الموسمية,....الخ.
الموضوع لا يتسع له عشرات المقالات فهناك الكثير و الكثير و لكن يجب أن نبدأ في الإصلاح و البداية يجب أن تكون الآن و ليس غدا و إلا فالعواقب سوف تكون وخيمة على الجميع و لن ينجو منها أحد.