مى سمير تكتب: أبطال.. وخونة!

مقالات الرأي



مى سمير تفتح الملفات السرية للجاسوسية (2)

فى عددها الخاص عن الجاسوسية فى العالم، رسمت مجلة بارى ماتش الفرنسية صورة مفصلة لتاريخ هذا العالم الغامض، ورصدت تفاصيل وملامح لأبطال وخونة لعبوا دورا أساسيا فى عالم تلعب فيه المعلومة دور البطولة المطلقة.

كيف تدير العالم من مكتبك المكيف؟

■ الجاسوسية فى عصر الإنترنت والأقمار الصناعية من القمر الصناعى الفرنسى إلى برنامج التجسس البريطانى الأمريكى الذى يرصد تحركات المواطنين فى مختلف أنحاء العالم

■ تفاصيل تاريخ قادة أشهر أجهزة المخابرات فى العالم العربى

■ تاريخ رؤساء المخابرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية فى العالم العربى

■ يوسى كوهين العميل « Y » قائد الموساد الذى يحمل لقب رجل الموضة؟

■ جميلات الجاسوسية من عشيقة ملك إنجلترا الفرنسية إلى عميلات الحرب العالمية والحرب الباردة


1- تاريخ الاستخبارات

فى عام 554 قبل الميلاد، ولد القائد الصينى سون تزو الذى يعد واحدا من أشهر رجال العسكرية فى التاريخ، ويعتبر كتابه «فن الحرب» من أهم المصادر التاريخية لفنون واستراتيجيات الحروب، واحتل سون تزو منصب قائد عام جيش مملكة تشى وحقق العديد من الانتصارات العسكرية التى جعلت منه أسطورة فى التاريخ الصينى.

بين سطور كتابه «فن الحرب»، وضع سون تزو الحجر الأول لعلم الجاسوسية، وبحسب الكتاب هناك خمس فئات للجواسيس، أول فئتين تضم الجواسيس التى تعمل فى معسكرات العدو، وهناك الجواسيس الذين يعملون فى جيش العدو، لكنهم يقدمون خدماتهم لجيش الدولة الأخرى، وليس شرطا أن يكونوا أبناء الدولة.. فقد يكونون مجرد وسطاء، وهناك جواسيس يبدو أنهم يتعاونون مع جيش الدولة المعادية لكنهم فى حقيقة الأمر يعملون لصالح الدولة الأخرى.

وفى الفئة الثالثة يأتى الخونة الذين يختارون خيانة أوطانهم ويتم تجنيدهم، غير أن الفئة الرابعة تضم جواسيس يلعبون دورا هاما فى نشر الشائعات فى الدولة المعادية، وأخيرا الجواسيس الذين يجمعون المعلومات داخل الدولة.

وكانت هذه التعاليم الصينية بمثابة الدليل الإرشادى لجيوش العالم على مدار التاريخ، وشهد تاريخ الجاسوسية الكثير من التطورات، فعلى سبيل المثال كان يوليوس قيصر هو أول من اخترع فكرة الكتابة بالشفرة واعتمد فى بناء إمبراطوريته الكبرى على جيش من الجواسيس فى مختلف أنحاء العالم.

واستمرت الجاسوسية تلعب دورا مهماً فى الحروب بين الدول، ولكن العصر الذهبى للجاسوسية بدأ مع الحرب العالمية الثانية، فعلى سبيل المثال حرصت بريطانيا فى عهد رئيس الوزراء الراحل ونستون تشرتشل على إجراء تحديث كامل للمخابرات البريطانية وتطوير أدائها على نحو جعل من المخابرات البريطانية واحدة من أهم أجهزة المخابرات فى تاريخ العالم، ولا تزال المخابرات الأمريكية تعانى من الانتقادات التى توجه إليها عند مقارنتها بأداء المخابرات البريطانية ما قبل الخمسينيات من القرن الماضى، حيث توصف المخابرات البريطانية بالدهاء والسرية بينما تعانى عادة المخابرات الأمريكية على الرغم من إمكاناتها الضخمة من الفشل فى الكثير من الأحيان. وانطلقت الجاسوسية لتصل إلى أعلى درجات الازدهار أثناء الحرب الباردة، واليوم اختلفت الأدوات مع عصر تكنولوجيا المعلومات التى جعلت العالم بأكمله تحت أعين أجهزة المخابرات الدولية.


2- أبطال وخونة

وترسم مجلة بارى ماتش بورتريهات للعديد من أبطال عالم المخابرات، فى ظل حقيقة ثابتة أن الخائن فى نظر دولة هو بطل فى نظر دولة أخرى، وما بين الأبطال والخونة اكتملت ملامح هذا العالم.

ومن أشهر قصص الجاسوسية التى يمكن إلقاء الضوء عليها قصة الزوجين الأمريكيين جوليو وإيثل روزنبرج، فالزوجان اللذان كانا يؤمنان بالأفكار الاشتراكية صدر قرار بإعدامهما فى عام 1953 بسبب تسريب أسرار نووية أمريكية إلى الاتحاد السوفيتى.

بدأ الزوجان فى التجسس لصالح السوفييت فى عام 1942، حيث اعتمد جوليو على المعلومات التى كان يقدمها له السيرجنت ديفيد جرينجلاس شقيق زوجته الذى اعترف بالفعل أنه اعتاد الحديث عن بعض الأسرار العسكرية أمام شقيقته وزوجها.

وقد ألقى القبض عليهما فى عام 1951 وصدر قرار بإعدامهما فى عام 1953 بالكرسى الكهربائى.

وأثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى السابق التى اشتعلت فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية التى انتهت فى عام 1945 إلى بداية التسعينيات بعد سقوط حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفيتى، اعتمد السوفييت على شبكة واسعة من الجواسيس فى مختلف أنحاء العالم وصل عدد أفرادها إلى ما يقرب من 700 ألف عميل على مدار الحرب الباردة. نجح السوفييت فى ضم أحد عملاء المخابرات الأمريكية فى هذه الشبكة وهو ألدريش إيميز الذى أصبح عميلا للسوفييت فى عام 1985 بعد عمله فى أنقرة بتركيا.

وكانت المخابرات المركزية الأمريكية قد أرسلته إلى تركيا لمحاولة تجنيد ضباط المخابرات السوفييت لكنه فى المقابل انتهى به الحال بتقديم معلومات أمريكية سرية إلى الاتحاد السوفيتى الذى استغل معاناة العميل الأمريكى من مشاكل مالية وعاطفية.

وقدم إيميز للاتحاد السوفيتى قائمة بالعملاء الذين يعملون لصالح الولايات المتحدة فى الجيش والمخابرات السوفيتية. وقد تم الكشف عن خيانة إيميز بسبب الثروة التى هبطت عليه بشكل مفاجئ ما أدى إلى إثارة الشكوك حوله خاصة بعد قيامه بشراء منزل بقيمة نصف مليون دولار وعدد من السيارات الرياضية، وقد ألقى القبض عليه عام 1994 وحكم عليه بالسجن المؤبد.

كما تكشف المجلة الفرنسية عن واحدة من أشهر عمليات التجسس فى الحرب العالمية الثانية وهى عملية (دائرة تجسس كمبريدج) وهى شبكة تجسس كانت تعمل على جمع المعلومات لصالح الاتحاد السوفيتى فى أثناء الحرب العالمية الثانية وظلت تعمل إلى الخمسينيات، وأطلقت على هذه الخلية اسم خمسة من كمبريدج فى إشارة أن أعضاء هذه الخلية تم تجنيدهم أثناء دراستهم فى جامعة كمبريدج بالثلاثينيات.


3- رجال المخابرات

على رأس أجهزة المخابرات العالمية نجد مجموعة من الأسماء لمديرى أجهزة الاستخبارات، هؤلاء الرجال هم من يديرون العالم من خلف الكواليس ويتحكمون فى المشهد الدولى دون أن يظهروا بشكل علنى، فى قائمة مديرى أجهزة المخابرات العالمية سوف نجد مجموعة من الأسماء ارتبط تاريخها بشكل مباشر أو غير مباشر بالشرق الأوسط .

البداية مع جون برينان مدير المخابرات المركزية الأمريكية وصاحب التاريخ الطويل فى الشرق الأوسط الذى يجيد اللغة العربية بطلاقة.

جون من مواليد 22 سبتمبر 1955 ويشغل منصب مدير المخابرات المركزية الأمريكية منذ عام 2013. وشغل منصب مستشار مكافحة الإرهاب للرئيس الأمريكى باراك أوباما، وكان لقبه نائب مستشار الأمن القومى لشئون الأمن الداخلى ومكافحة الإرهاب، ومساعد الرئيس.

وشملت مسئولياته الإشراف على وضع خطط لمكافحة الإرهاب والتصدى للكوارث الطبيعية. كما كان مستشارا للرئيس أوباما لقضايا السياسة الخارجية وقضايا الاستخبارات خلال الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2008.

وكان برينان مرشحا لمنصب مدير سى آى إيه فى أول إدارة لأوباما وتم استبعاده بسبب مخاوف حول دعمه لنقل المشتبه بهم بالإرهاب إلى دول يتعرضوا فيها للتعذيب أثناء عمله فى إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، وبدلا من ذلك، تم تعيين برينان نائب مستشار الأمن القومى، وهو منصب لا يتطلب موافقة مجلس الشيوخ.

عمل برينان على مدار 25 عاما فى المخابرات المركزية الأمريكية وشمل عمله تحليل الأوضاع فى الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وشغل منصب مدير مكتب المخابرات الأمريكية فى المملكة العربية السعودية، ومدير المركز القومى لمكافحة الإرهاب.

وبعد أن ترك الخدمة الحكومية فى عام 2005، أصبح الرئيس التنفيذى لشركة مختصة فى تقديم الاستشارات الأمنية، وشغل منصب رئيس التحالف الاستخبارات والأمن الوطنى، وهى جمعية من خبراء الاستخبارات.

رشح الرئيس باراك أوباما برينان مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية يوم 7 يناير، 2013 وبعد موافقة الكونجرس على هذا الترشيح أصبح برينان مديرا للمخابرات الأمريكية، واشتهرت ولايته بتبنى حكومة الولايات المتحدة لمستويات هائلة من المراقبة العالمية.

ينتمى برينان لعائلة من أصول أيرلندية وحصل على درجة البكالوريوس فى العلوم السياسية من فوردهام فى 1977، وأثناء دراساته الجامعية قرر الانضمام للمخابرات، ولهذا حرص على تعلم اللغة العربية وأخذ دورات فى الشرق الأوسط بالجامعة الأمريكية فى القاهرة، وحصل على الماجستير فى دراسات الشرق الأوسط من جامعة تكساس.

لذا لم يكن غريبا أنه يتحدث اللغة العربية بطلاقة، والجدير بالذكر أنه عند اختياره كمدير للمخابرات المركزية الأمريكية خرجت تقارير صحفية تزعم أنه أعلن إسلامه عندما كان يعمل فى السعودية كمدير لمكتب المخابرات الأمريكية فى الرياض. بدأ عمله فى عالم الاستخبارات كمحلل فى واشنطن العاصمة، وبالتسعينيات كان مسئولا عن تقديم تقرير المخابرات اليومى للرئيس بيل كلينتون .

وفى عام 1996 كان رئيسا لمكتب المخابرات المركزية فى الرياض عندما وقعت عمليات تفجير أبراج الخبر التى كان من ضحاياها 19 جنديا أمريكيا.

وفى عام 1999 تم تعيينه رئيسا لموظفى جورج تينيت الذى كان يشغل فى ذلك الوقت مدير المخابرات، أصبح برينان نائب المدير التنفيذى للمخابرات المركزية فى مارس 2001، وبعد عامين شغل منصب مدير مركز التكامل الذى تم إنشاؤها حديثا لمواجهة التهديد الإرهابى وهو المكتب الذى يجمع ويحلل المعلومات السرية التى تقدم يوميا للرئيس بوش.

ومن الولايات المتحدة الأمريكية إلى يريطانيا حيث يظهر اسم الكسندر ويليام يونجر الذى يشغل حاليا منصب مدير المخابرات البريطانية الأم إى 6 منذ نوفمبر 2014.

تلقى الكسندر ويليام تعليمه فى كلية مارلبورو، حيث تخصص فى الاقتصاد، وبحسب النظام البريطانى يسمح للجيش أن يتولى كفالة الطلاب الراغبين للانضمام للجيش بعد تخرجهم وهذا مع ما حدث مع الكسندر ويليام الذى كان يتدرب خلال دراسته الجامعية مع الجيش البريطانى، وحمل فى عام 1986 رتبة ملازم ثان تحت التمرين.

وفى عام 1987 بدأ عمله الرسمى فى الجيش البريطانى، وفى التسعينيات انضم إلى المخابرات البريطانية، وذلك بعد خدمة عسكرية قضى معظمها فى الشرق الأوسط وأفغانستان، وأصبح رئيسا لمكافحة التجسس فى عام 2009، ولعب دورا رئيسيا فى تأمين دورة الألعاب الأوليمبية التى أقيمت فى لندن عام 2012، وترقى فى عدة مناصب قبل أن يصبح مديرا للمخابرات البريطانية.

ويعتبر الكسندر ويليام واحدا من الموظفين الحكوميين أصحاب أعلى الأجور فى بريطانيا حيث يصل مرتبه إلى 160 ألف استرلينى.

أما فى فرنسا فنجد أن رئيس المديرية العامة للأمن الخارجى أو وكالة الاستخبارات الفرنسية، هو أيضا أحد الخبراء المتخصصين فى العالم العربى والإسلامى، حيث يرأس الدبلوماسى برنار باجولى المخابرات الفرنسية منذ عام 2013.

باجولى تخرج فى كلية العلوم السياسية فى عام 1971، وقضى خدمته العسكرية فى ألمانيا، ومنذ عام 1975 بدأ مشواره الدبلوماسى فى وزارة الخارجية الفرنسية حيث التحق بالسفارة الفرنسية فى الجزائر.

ولم تكن الجزائر سوى محطته الأولى فى العالم العربى والإسلامى، ففى عام 1986 شغل منصب المستشار الأول فى السفارة الفرنسية بدمشق بفضل إجادته التامة للغة العربية، ومنذ بداية التسعينيات تولى مسئولية إدارة مكتب شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ثم أصبح سفيرا لفرنسا فى الأردن فى الفترة من 1994 إلى 1998، ثم تدرج فى عدة مناصب قبل أن يعود إلى الجزائر عام 2004 ولكن هذه المرة كسفير لفرنسا.

وفى عام 2011 أصبح باجولى سفير فرنسا فى أفغانستان، وبجانب هذا التاريخ الدبلوماسى العريق فإن مدير المخابرات الفرنسية له تاريخ أيضا فى عالم الجواسيس، فمنذ عام 2008 أسند لباجولى مهمة المنسق القومى للمخابرات، وهى مهمة تم استحداثها فى عهد الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى، وكان نجاحه فى هذه المهمة إلى جانب عمله الدبلوماسى ومعرفته الواسعة بالشرق الأوسط سببا رئيسيا فى اختياره على رأس جهاز المخابرات الفرنسية.

وعلى رأس جهاز الموساد يأتى اسم يوسى كوهين الذى يشغل منصب رئيس جهاز الموساد منذ بداية عام 2016. غير أن والد يوسى كوهين كان عضوا فى جماعة إرجون الارهابية الصهيونية التى تأسست فى فلسطين بالثلاثينيات وقامت بالكثير من الأعمال الإرهابية ضد الفلسطينيين.

عمل كوهين على مدار 30 عاما فى الموساد، وأدار عمليات الجهاز فى العديد من دول العالم خاصة فيما يتعلق بتجنيد العملاء وإداراتهم، بدأ كوهين عمله فى الموساد عام 1983، واشتهر بالقيام بالعديد من العمليات الاستخباراتية فى أوروبا.

ومنذ عام 2006 أصبح رئيسا لوحدة تسومت المسئولة عن تجنيد العملاء، وبعد سبع سنوات من إدارة هذه الوحدة المهمة أصبح نائبا لرئيس الموساد والمسئول عن إدارة العمليات الاستخباراتية التى يقوم بها الجهاز، وفى عام 2013 أصبح رئيسا لهيئة الأمن القومى ومستشار رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتناياهو لشئون الأمن القومى.

وحصل على جائزة أمن إسرائيل تقديرا للدور الذى لعبه فى الموساد خاصة فيما يتعلق بجمع المعلومات الاستخباراتية عن المنشآت النووية الايرانية. والجدير بالذكر أن يوسى كوهين المعروف باسم حركى هو (Y) يتحدث العربية بطلاقة، ويطلق عليه فى أروقة المخابرات الإسرائيلية برجل الموضة نظرا لأناقته الشديدة.

وعلى رأس جهاز المخابرات الروسية يأتى اسم ميخائيل يفيموفيتش فرادكوف الذى شغل من قبل منصب رئيس وزراء روسيا فى الفترة من مارس 2004 إلى سبتمبر 2007. بعد مغادرته رئاسة الوزراء تولى فرادكوف رئاسة المخابرات الروسية.

تخرج فرادكوف فى كلية التجارة الخارجية فى عام 1981، وفى عام 1973، تم تعيينه فى القسم الاقتصادى فى السفارة السوفيتية فى الهند، حيث مكث لمدة سنتين، قبل أن يعود إلى روسيا حيث شغل عدة مناصب، فى عام 1991 .

وكان ممثلا لروسيا فى الاتفاق العام للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات) فى جنيف، فى أواخر عام 1992، عين فرادكوف نائبا لوزير العلاقات الاقتصادية الخارجية، ونهاية التسعينيات صدر مرسوم جمهورى من قبل بوريس يلتسين من أجل تعيين فرادكوف وزير العلاقات الاقتصادية الخارجية والتجارة، وبعد عام صدر مرسوم آخر باختياره وزيرا للتجارة.

وبعد انتقاله فى عادة مناصب تم اختياره رئيسا للوزراء فى عام 2004.

ويعد فرادكوف من الشخصيات المقربة من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين حيث يتمتع بنفوذ واسع فى كواليس السياسة الروسية.


4- جميلات الجاسوسية

من العصور الوسطى فى أوروبا حيث كان للعشيقات مكانة رسمية فى البلاط الملكى يبرز اسم لويز رين العشيقة الفرنسية لملك انجلترا تشارلز الثانى التى كانت تعمل لصالح فرنسا وتنقل للحكومة الفرنسية أسرار البلاط الملكى البريطانى، وقد لعبت لويز دورا فى محاولة الحد من الخلافات بين فرنسا وإنجلترا ما ساهم فى كراهية الشعب البريطانى لها.

وفى قائمة الجاسوسات الكثير من الأسماء التى ارتبطت حياتهن بعالم المعلومات السرية، يأتى اسم فرجينيا هال كواحدة من أهم عميلات الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد عرفت فى ألمانيا باسم أرمتيز، وقد وصفها الجستابو الألمانى بأنها أخطر جاسوسة لدول الحلفاء حيث تواجدت فى فرنسا وكانت تساعد المقاومة الفرنسية على نحو كبير سواء فى تهريب الأسلحة أو مساعدة الثوار على التخفى، وكانت فرجينيا تتمتع بذكاء ودهاء وسرعة فى التحرك على الرغم من أنها فقدت إحدى قدميها وكانت تتحرك بقدم صناعية.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية التحقت فرجينيا بالعمل فى المخابرات الأمريكية كمحللة للمعلومات الاستخباراتية وتخصصت فى الشئون الفرنسية.

وأثناء الحرب العالمية الأولى كانت للممرضة البريطانية إيديث كافل دورا هاما فى خدمة الجيش البريطانى أكثر من مجرد التمريض ومساعدة الجرحى.

إيديث كانت تعمل فى بلجيكا التى تعرضت للاحتلال الألمانى فى الحرب العالمية الأولى، وحرصت إيديث على ممارسة عملها كممرضة مع كل الجرحى دون تمييز للجنود البريطانيين على حساب الألمان أو العكس.

وإلى جانب عملها الرسمى ساعدت إيديث ما يقرب من 200 جندى من قوات الحلفاء فى الهرب من بلجيكا ما أدى إلى إلقاء القوات الألمانية القبض عليها واتهامها بالخيانة العظمى، وبالفعل صدر حكم بإعدامها، وقبل تنفيذ الحكم قالت جملتها الشهيرة (الوطنية ليست كافية).

وإيديث كانت فى التاسعة والأربعين من عمرها عندما نفذ فيها حكم الإعدام.

وتحمل واحدة من أشهر قصص عالم الجاسوسات اسم لويزا مارى العميلة الفرنسية السرية التى تجسست على الألمان لصالح بريطانيا أثناء الحرب العالمية الأولى وكانت تحمل اسما مستعارا هو أليس دوبوا.

تعود أصول لويزا إلى عائلة فرنسية عريقة تحمل اسم باتجنيز، والتحق أسلافها فى العمل العسكرى والقضائى، وتلقت تعليمها فى مدرسة القلب المقدس، انتقلت لويز لاستكمال دراساتها فى بريطانيا، ثم عادت إلى فرنسا حيث تخرجت فى كلية الآداب وكانت تجيد اللغة الانجليزية إلى جانب الألمانية والإيطالية.

وأثناء الحرب العالمية الثانية تحولت ابنة العائلة الفرنسية النبيلة إلى عميلة من طراز خاص، حيث أدارت من منزلها شبكة من الجواسيس ضمن المئات من العملاء الذين جمعوا المعلومات الاستخباراتية القيمة، وكانت المخابرات البريطانية تطلق عليها لقب (ملكة الجواسيس)، وألقت القوات الألمانية القبض عليها وصدر حكم بإعدامها لكنها توفيت فى السجن بسبب إصابتها بالتهابات لم تعالج بشكل سليم.

وفى بريطانيا كان لاسم ميلتا نوروود مكانة فى عصر الحرب الباردة حيث نجحت السيدة التى تؤمن بالفكر الشيوعى بالتجسس لصالح الاتحاد السوفيتى على بريطانيا على مدار أكثر من أربعين عاماً.

لم يتم إلقاء القبص على ميلتا على الرغم من نجاحها فى تسريب الكثير من المعلومات المتعلقة بالبرنامج النووى البريطانى حيث كانت تعمل فى جمعية بحوث المعادن غير الحديدية البريطانية، لكن المخابرات البريطانية لم تكتشف أمرها إلا بعد مرور سنوات من اعتزالها العمل وفى ظل افتقار دليل مادى قوى ومع تقدمها فى العمر لم تحاكم على الرغم من اعترافها بأنها فعلت ما كانت تراه صحيحا من أجل محاولة دعم نظام يدعم الفقراء ويطبق مبادئ اشتراكية.


5- عصر جديد

لكن أدوات الجاسوسية اختلفت اليوم فى ظل التطور التكنولوجى وعالم الأقمار الصناعية والإنترنت. وتكشف مجلة بارى ماتش عن التطور الكبير الذى شهدته صناعة الجاسوسية فى العالم بفضل التقدم التكنولوجى.

فاليوم تلعب الأقمار الصناعية دورا رئيسيا فى تقديم المعلومات الاستخباراتية، وعلى سبيل المثال يقدم القمر الصناعى هاليو لفرنسا مراقبة مستمرة ودائما على مدار اليوم وطوال أيام العام على كل شبر فى الكرة الأرضية.

كما أصبحت الدولة الغربية تعتمد على الطائرة دون طيار فى إجراء عمليات الاستطلاع والتجسس وفى بعض الأحيان الاغتيالات، وعلى سبيل المثال تمتلك الولايات المتحدة مطارا خاصا للطائرات دون طيار فى جيبوتى من أجل القيام بأعمال استخباراتية ليس فقط فى إفريقيا ولكن أيضا فى منطقة شمال إفريقيا وفى منطقة شبه الجزيرة العربية. ولا يقتصر الأمر على الطائرات دون طيار، فعلى سبيل المثال تستخدم الدول المتقدمة السفن الحربية كواحدة من أهم الأدوات الاستخباراتية. ففى بحر البوسفور تقبع السفينة الحربية الفرنسية «دوبرى» كمحطة استخباراتية فرنسية تعمل على جمع إشارات الاتصالات التى تقوم بها مختلف الدول من أجل جمع المعلومات الاستخباراتية التى تفيد الدولة الفرنسية.

وفى عصر التواصل الاجتماعى فإن الإنترنت أصبح مصدرا مهما للمعلومات، وبحسب المجلة الفرنسية فإن المخابرات البريطانية تطبق أكبر برنامج تجسس على مستوى العالم بمساعدة وكالة الأمن القومى الأمريكى، يسمح لها هذا البرنامج بالتجسس على المواطنين فى مختلف أنحاء العالم. وعن طريق هذا البرنامج تحتفظ المخابرات البريطانية بمليارات السجلات الرقمية لمستخدمى الإنترنت، وتتضمن هذه السجلات جميع المعلومات المتعلقة بمختلف الأشخاص بدءا من الشخصيات العامة والمشاهير مرورا بكبار المسئولين والقادة انتهاء بالمواطنين العاديين.

يتضمن البرنامج نظاما يسجل تاريخ استخدام الإنترنت لكل شخص، كما يتضمن نظاما آخر مختصا بتحليل الرسائل التى يتبادلها مستخدم الإنترنت عبر البريد الإلكترونى، السكايب، التليفون المحمول، وعبر وسائل التواصل الاجتماعى.

كما تم تصميم أنظمة أخرى من أجل رصد الأنشطة المريبة على محركات البحث أو خرائط جوجل. يتمتع هذا البرنامج بغطاء قانونى غامض يمنحه القدرة على التجسس على أى مواطن سواء فى بريطانيا أو الولايات المتحدة أو فى أى مكان بالعالم دون الحصول على أمر من المحكمة أو أمر قضائى. هذا البرنامج الذى يخضع لإشراف المخابرات البريطانية ووكالة الأمن القومى الأمريكى يعد أكبر برنامج تجسس فى تاريخ العالم. يتطلب هذا الحجم الضخم من المعلومات والبيانات جيشا من الموظفين والمحللين، وعلى سبيل المثال يصل عدد العاملين فى المقر الرسمى لوكالة الأمن القومى الأمريكى إلى ما يقرب من 20 ألف موظف يعملون على تحليل جميع المعلومات التى تأتى من عمليات التجسس على مستخدمى الإنترنت فى مختلف أنحاء العالم ومحاولة رصد أى تحركات مثيرة للريبة أو الخوف.

ومنذ عام 2013 قامت وكالة الأمن لقومى الأمريكى بإضافة مقر جديد لها على مساحة 100 ألف متر مربع فى أوتاوا فى محالة لزيادة من قدراتها على متابعة عمليات التجسس على المواطنين فى مختلف أنحاء العالم.

وفى ظل اتساع استخدام الإنترنت والاعتماد عليه بشكل أساسى فى عمليات الاتصال، أصبح الوكالات الاستخباراتية هى أيضا تعتمد على الهاكرز كعملاء لها من أجل اختراق أجهزة الكمبيوتر، وبحسب المجلة فإن مؤتمر (نادى كايوس الكمبيوتر) أو نادى فوضى الكمبيوتر والذى يعد اكبر تجمع للهاكرز على مستوى العالم يعد من أهم المؤتمرات فى عالم المخابرات، فعدد من الوكالات قد تستعين بالمشاركين فى هذا المؤتمر، والذى يعقد سنويا منذ عام 1981، من أجل العمل كعملاء لهذه الوكالات الاستخباراتية.

كما أشارت المجلة إلى أن عددا من التطبيقات على أجهزة التليفون مثل لعبة (angry birds) التى حصدت فى عام 2012 لقب افضل لعبة على التليفون المحمول بعد تنزيلها على أكثر من مليار جهاز، هى وسيلة قد تستخدمها بعض أجهزة المخابرات من تتبع تحركات أصحاب أجهزة التليفون المحمول.