فؤاد معوض يكتب: الضحك فى سالف العصر والأوان على صفحات «الصريح».. زمااان يا ربى زمااان

مقالات الرأي



كل المعلومات التى حصلت عليها عن هذه المجلة أنها صدرت عام 1934 فى 36 صفحة «حجم مجلات روزاليوسف وصباح الخير» وبسعر خمسة مليمات للنسخة أو ما يطلق عليه بـ«التعريفة» تلك العملة النقدية القديمة أيامها!

صاحبها اسمه عبدالوهاب فهمى ورئيس تحريرها جودة محمد عانوس «عانوس وليس فانوس يا بتوع التصحيح».. الإدارة والتحرير 9 شارع المهدى ميدان سوارس بالقرب من العتبة الخضراء تليفون رقم 52227 أما متعهدو توزيع «الصريح» فى الإسكندرية كان ماهر «أفندى» فراج وباقى الوجه البحرى الدقهلية والغربية والبحيرة والقليوبية كان محمد «أفندى» السباعى أما فى القاهرة كان سيد «أفندى» خضير وفى الجيزة يوسف «أفندى» محمد.. «لقب الأفندى كان يمنح لكل من حصل على الشهادة الابتدائية أيام زمان بما يعنى أن كل هؤلاء من حملة الابتدائية» أما فى الوجه القبلى ومعظم مدن الصعيد ولأنه لم تكن معه الابتدائية فقد كان «المعلم» محمد على سراج أو بلهجة أولاد الصعيد «المعلم» محمد ولد عمك الحاج على «سراد».

كانت «الصريح» أسبوعية سياسية فكاهية قوية الأثر والتأثير اشتهرت بالنقد اللاذع للسياسة والسياسيين وللأرتيست «بتوع الهشك بشك» من الفنانين بل وصل الأمر للوزراء ورئيسهم وكافة أى رئيس آخر يتوهم بأن له «ظهر» أو فوق مستوى المساءلة والنقد!

باختصار كانت «الصريح» لا تخشى أحدا ولا تعمل - ما دامت هى على حق- حسابا لأى «تخين» فى البلد ولا تعبأ أو تهتم لما قد يحدث لها من إجراءات قد تتخذ ضدها قد تجلب لها ولمحرريها متاعب الضرب تحت الحزام فى البطن بالتحديد وبعضها الضرب بـ«الركبة» فى ماهو تحت البطن مباشرة!

وبسبب ذلك صودرت أعدادها أكثر من مرة والبوليس السياسى راح يتعقب متعهدى توزيعها بل وصل الأمر إلى قرائها كذلك لجمع الأعداد التى ربما قد اشتروها.. وبالرغم من ذلك وكل ذلك وضعف إمكانيات المجلة من الناحية المادية إلا أن صاحبها واصل إصدارها مقترضا حتى آخر قرش فى جيوب أقربائه ومعارفه بل وصل به الأمر ذات عدد لم يكن معه مصاريف طباعته إلى التصرف فى بيع بعض عفش بيته.. السرير الذى ينام فوقه والكنبة الاستانبولى التى يتمدد عليها وبعض «الحلل» النحاسية التى تستخدم عند الطبيخ حتى يستطيع أن يسدد للمطبعة تكاليف التجهيز!

ويا عينى على عم عبدالوهاب فهمى صاحب «الصريح» وما جرى له بعد ذلك.. حكى لى الراحل والرسام الكبير محمد عبدالمنعم رخا وكنت أجلس معه فى حديقة المبنى القديم لنقابة الصحفيين حكايات عديدة لا تتسع المساحة لسردها مرة واحدة وإن كنت اكتفى بواحدة تلك التى اقتاد فيها البوليس السياسى ذات يوم عبدالوهاب فهمى صاحب المجلة طالبين منه التوقف عن مهاجمة النظام وإما إدخاله السجن ليس على ما يكتبه وإنما بأى تهمة أخرى ملفقة أقربها أنهم ضبطوه فى إحدى غرز سوق الخضار ــ باعتباره الأقرب لمقر المجلة ــ أثناء تعاطيه للمخدرات.. ويشهد الله ــ كما اعترف لى عمنا رخا ــ أن الرجل برىء تماما مما قد ينسبوه له من تهمة مثل هذه فقد عُرف عنه أنه لا يتعاطى أى شىء على الإطلاق قهوة أو شاى أو حتى السيجارة «الحاف» وإن كان معروفا عنه عشقه لتناول عشائه دائما فى محل المالكى «اللبان» الشهير بميدان الحسين وكانت الوجبة المعتادة عبارة عن سميطة بالسمسم وثلاث سلاطين زبادى والحلو فى النهاية كان عبارة عن صحن مهلبية بالفرن قال لهم ــ عند تهديده ــ بإنه لا يتعاطى إلا «الزبادى» فقط باعتباره مدمنا له منذ زمن إلى جانب «السميط» وصحن «المهلبية» بالفرن وبالطبع لا يوجد فى قانون العقوبات بند يعاقب مدمن الزبادى معه «السميط بالسمسم» أو «المهلبية بالفرن»!

المهم بعد فترة من الشحططة بين أقسام البوليس والحجز بداخلها لم تعد صحة الرجل ولا أحواله المادية والنفسية تحتمل هذه المتاعب فأخذها من قصيرها وبعد 164 عددا قرر أن يغلق «الصريح» موجها للقارئ فى العدد الأخير «عدد الوداع» شكرا من النوع الخاص إذ كتب يقول «أمام قرار الغلق هذا وبناء على التشجيع الكريم والإقبال العظيم اللذين تجليا على «الصريح» وأعداده السابقة لا يسعنا إلا أن نتقدم بأجزل الشكر إلى قرائنا الكرام معاهدين الله وحضراتهم عند فرصة إصدار ثانية أن نكون عند حسن ظنهم على الدوام!

وللأسف لم تتح الفرصة للرجل فى أن يصدر «الصريح» مرة ثانية ولا حتى لعمره وعمر مجلته فى الدوام...

الدوام لله وحده يا أولى المجلات.. أقصد يا أولى الألباب!