أحمد سامي يكتب: «دوت مصر».. جريمة ترتكب بدم بارد في حق الصحافة

مقالات الرأي

بوابة الفجر


لا يمكنني أن أبدأ هذا المقال، إلا بذكر طيب الذكر الراحل عبدالله كمال، الأستاذ الذي بدأ حلمًا اسمه «دوت مصر».. ويرتكب في حقه الآن، أكبر جريمة، وليس فقط بل في حق الصحافة بشكل عام، لو كان الأستاذ حاضرًا الآن، لما سمح لمرتكبيها، أن يمروا فقط من أمام مدخل عمارة الموقع الذي أسسه، لا أن يدخلوه.

 

قبل ذكر تلك الجريمة، ولا وصف آخر لها سوى ذلك، ينبغي أن أذكر بدايات «الحلم» الذي تمنى نصف صحفيي مصر، الانضمام إليه في عام 2013، وكيف تم اختيار صحفييه الذين تم انتقاؤهم «على الفرازة»، قبل أن ينضموا إلى كتيبة الأستاذ، وينطلقون لتحقيق ما يصبوا إليه، ويرجوه من ذلك المولود الجديد في عالم الصحافة.

 

أعلنت إدارة الموقع عن بدء مقابلات مع الصحفيين الراغبين في الانضمام إليه، من قبل لجنة تضم وقتها الأساتذة: هيثم دبور، وخالد البري وخالد البراماوي ومصطفى عبدالرحمن، وكريم البحيري، وعلى رأسهم الراحل الأستاذ عبدالله كمال، كل في مجال تخصصه في أقسام الموقع «الأخبار، والفن، والتحقيقات، والسوشيال، والرياضة إلخ...» يطرحون من الأسئلة النظرية ما لذ وطاب، منها ما يتعلق بمشوار المتقدم الصحفي ومتى بدأه وخبرته، والأماكن التي عمل بها، وأبرز الموضوعات والانفرادات التي حققها؛ للتأكد من كفاءة الشخص الذي يجلس أمامهم، قبل بدء فترة اختبار عملية لأسابيع على أسلوب الكتابة وجودتها وقيمتها، وكفاءة كل فرد في كل قسم من أقسام الموقع، وعملوا في الموقع عدة أشهر تحت الاختبار، شهدت إحلالًا وتجديدًا في فريق العمل من الصحفيين المنضمين تحت إشراف الأستاذ شخصيًا، إلى أن تم الاستقرار على الفريق الذي سيقوده، وتم إمضاء عقود عمل معهم وانطلق في سباق صحفي محتدم، يضم مئات المواقع الإلكتورنية.

 

وضع الأستاذ طريقة عمل الموقع ونوعية المحتوى الخبري الذي سيقدمه إلى المتلقي، وانطلق ومضى من عمره حوالي العام مع الموقع، حقق فيه طفرة، بمساعدة زملاءه الأساتذة ورؤساء الأقسام في الموقع والصحفيين الموجودين، وحجز موقعه بين سوق المواقع في مصر، ولكن لم يشأ الله أن يمد في عمر الأستاذ، ليفرح بنجاح مولوده، وتوفي، وظلت مسيرة الحلم بمن في الموقع أساتذة وصحفيين، وتولى الأستاذ خالد البري، رئاسة التحرير، خلفًا لـ«كمال» وواصل مشواره، بطريقته الخاصة، وبالصحفيين أنفسهم، وفي وقتها رفض بعض ممكن كانوا وقت الأستاذ، البقاء في الموقع، وقدموا استقالتهم، واستمر الآخرون في أداء عمله.

 

ممول الموقع الإماراتي، رأى أن فكرة الأستاذ، قد انتهت بموته، وقرر بيعه لإدارة جديدة، وهو رجل الأعمال ياسر سليم، في نوفمبر 2015، الذي استبدل خالد البري، برئيس تحرير جديد وهي الأستاذة رشا الشامي – رئيس التحرير السابق لوكالة «أونا» الإخبارية – بعد أن تم الاستغناء عنها، لتقود دفة «دوت مصر».

 

بداية الجريمة

 

طمأنت رشا الشامي، الصحفيين – الذين اختارهم الأستاذ – بأن الإدارة الجديد ستبقي على الأوضاع كما هي، ولم تتخل أو تستغني عنهم، ومضى حوالي شهرين على ذلك، إلى أن تكشفت النية المبيتة للإدارة الجديدة، المتمثلة في الاستغناء عن الصحفيين الموجودين وفصلهم تعسفيًا، وكالت لهم من الاتهامات بالإهمال والضعف والتراخي وعدم الاحترافية وسوء العمل ونقل الأخبار من المواقع الأخرى، وغيرها من الاتهامات «السخيفة» التي لا أراها إلا إفك افتراه وأعانه رشا الشامي والإدارة الجديدة، على الصحفيين، لتبرير جريمة هي الأولى من نوعها في الموقع، لم يفعلها الأستاذ قبل رحيله.

 

بدأت رئيسة التحرير الجديدة على الموقع، في بسط نفوذها وسلطانها، وأظهرت الوجه غير المبتسم، الذي استقبلت به الصحفيين في أول يوم، وأعدت العدة وأخذت الضوء الأخضر من الإدارة، وأقالت أول دفعة من الصحفيين، من الأقسام المختلفة، واستعانت بـ«من تعرفهم»!، تحت مبرر «لم يكونوا جيدين» - الصحفيين «اللي على الفرازة واللي اختارهم عبدالله كمال» أصبحوا غير أكفاء، برؤيتها !!!!!!!!! - ضاربة بعقود تعيينهم عرض الحائط.

 

ورُغم حدوث ضجة كبيرة، وتقدم من فصلوا بشكوى إلى مكتب العمل وأقسام الشرطة – ولكن كالعادة في مصر، «اضرب دماغك في الحيطة» - استمرت رئيسة التحرير الجديدة، في طريقها، ولم تلتفت إلى دعوات من فصلوا، بل وكالت لهم الاتهامات، ولم تكتف بذلك، بل فصلت دفعة أخرى، وأخبرتهم هذه المرة – على لسان المفصولين – أن شكواهم في مكتب العمل لن تنفعهم، مثلما حدث مع زملائهم، وعليهم الرضوخ والاستسلام إلى الأمر الواقع.

 

زوجتي كانت تعمل في هذا الموقع، وهي من المؤسسين للموقع، ومن ضمن أربعة من مسؤولي السوشيال ميديًا، الذين اختارهم عبدالله كمال بنفسه، في بدايات عمل الموقع، ووقعت عقد عمل معهم، ومضى على عملها 4 سنوات و3 أشهر في الموقع، من مدة 5 سنوات، وتم الاستغناء عنها قبل انقضاء عقدها بـ7 أشهر، غير مكترثة بعقد عمل ينص على أسباب واضحة للفصل ومحددة في القانون، تحت مبرر «سخيف» وهو «أنتي حامل.. ومش هينفع تكملي معانا علشان بتتعبي كتير»!! - عبارات تعجب الدنيا كلها لا تكفي للرد على هذا المبرر – وفضلت زوجتي عدم اللجوء إلى القانون، الذي لا يجدي نفعًا، في بلد القانون فيه «آلة موسيقية».

 

طوال ثمانية أشهر هي عمر موقع «دوت مصر» تحت رئاسة تحرير رشا الشامي، فصلت من فصلت واستعانت بمن استعانت، والموقع تراجع بشكل كبير لو كان الأستاذ حاضرًا، لحبس من هو قائم عليه، ولم يكتف بفصله فقط، إلى أن قرر رجل الأعمال ياسر سليم، بيعه إلى رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة - «إمبراطور الحديد» الجديد - الذي اشتراه ضمن سلسة مواقع وقنوات وصحف، وطلب من رشا الشامي، الاستغناء عن 85 صحفيًا – من «المنتقين على الفرازة» - وقد كان وفصلت «الشامي» العدد المطلوب إرضاءً لـ«أبوهشيمة»، في مذبحة وجريمة شنعاء، لا وصف لها غير ذلك، وأخبرتهم أنهم ليس لهم حقوق ولا رواتب، وأن الإدارة الجديدة، تريد ترشيد النفقات.

 

قرر الصحفييون الاعتصام في الموقع، ومنهم الموقعون عقودًا، ومنهم غير الموقعين، وهذا لا يضر رئيسة التحرير الجديدة، التي لا تكترث بعقود العمل الموقعة مع الصحفيين، والتي ترى وتخبرهم بأن الإدارة التي وقعت العقد قد باعت الموقع إلى إدارة جديدة والإدارة الثانية باعته إلى إدارة ثالثة و«اخبطوا دماغكم في الحيط» وحقوقهم سقطت بالتقادم.

 

وبعدما قرر الصحفيين الاعتصام للحصول على حقوقهم ورفعوا دعاوى قضائية وأبلغوا نقابة الصحفيين، بما حدث لهم، استشاط غضب رئيسة التحرير، التي كالت الاتهامات بأنهم مخربون ومفسدون، اعتدوا على الموقع وسرقوا ما به واعتدوا على مسؤولة الموارد البشرية وأفسدوا سيارتها، وتم فصلهم لأنهم كانوا «بياخدوا الأخبار كوبي بيست من مواقع تانية»، وإلخ .....

 

وخرج المدافعون عن موقف رئيسة التحرير، ليكيلوا الاتهامات للصحفيين المعتصمين - وهم لا يعلمون عنهم شيئًا، وتمنوا لو يرافقوهم في فريق عمل عبدلله كمال، ويدخلوا المكان - أملًا في الحصول على قطعة من تركة الأستاذ، بإمضاء رشا الشامي، وأهانوا الصحفيين الذين تحملوا مع الإدارة الجديدة، وتم فصلهم قبل تقاضيهم مستحقاتهم.

 

وأخيرًا ستمر الأيام وتمضي، ويفصل صحفيون وصحفيون وتقفل بيوت وتخرب، طالما أن القانون مهدر والدولة تغض الطرف، وتقف إلى جوار رجال الأعمال على حساب الصحفيين، وطالما أن هناك نقابة لا تتحرك إلى بعد حدوث الأزمات، ولا تتدخل إلا بعد استغاثات.