رئيس المجمع التونسي: لا يمكن التنبؤ بمستقبل الدولة القطرية لهشاشة أساسها
قال الدكتور عبد المجيد الشرفي؛ رئيس المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة"، خلال المحاضرة التي ألقاها اليوم الثلاثاء، تحت عنوان "الدولة القُطرية إلى اين؟"، أنه لا يمكن التنبؤ بمستقبل للدولة القطرية أو الوطنية في الفترة الحالية، نظرًا لهشاشة الأسس التي قامت عليها تلك الدول، والتي عجزت عن القيام بالواجبات الدنيا؛ فلا هي قادرة على حماية نفسها، ولا متفاعلة مع محيطها، ولا هي حققت الكرامة لمواطنيها كي يدافعوا عنها، ولا وفرت قواعد العيش المشترك بين مواطنيها، فبرزت الطائفية، فضلًا عن الحروب الأهلية الداخلية التي تغذيها القوى الإقليمية والخارجية أصحاب المصالح.
وأشار في محاضرته التي ألقاها خلال مؤتمر "مستقبل المجتمعات العربية.. المتغيرات والتحديات" الذي تنظمه وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية، إلى أن الوضع البديل يتطلب في مجمله حلولًا تأخذ في الاعتبار ما يجمع سكان المنطقة، والبعد عما يفرضه الظرف العالمي واقتصاديات السوق والنظرة العدائية للإسلام، وذلك لن يتم إلا بإرادة حرة قادرة على التغلب على كل الصعاب، وهو ما تتجه حركة التاريخ نحوه.
واستطرد أنه رغم ضبابية المشهد في المنطقة العربية إلا أن ثورات الربيع العربي لم تبُح بكل أسرارها بعد، وتمثل رغم كل ما جلبته ورائها من صعاب بداية النهاية لكل الأنظمة الفاسدة، مؤكدًا أن "عدوى الديموقراطية" ستشمل كامل المنطقة لتقيم علاقات بين الدول وشعوبها تضع حدًا للتناحر.
وأضاف "الشرفي" أن مصير الدولة القطرية أو الوطنية في منطقتنا العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج ليس واضحًا، لأن المنطقة العربية لم يعد لها نفس الدور والوزن اللذان كانا لها أيام ازدهار الحضارة الإسلامية العربية، وأنه مع اكتشاف النفط وقيام الدولة الحديثة أصبحت مناطق أخرى تستحوذ على الاهتمام بسبب وزنها الاقتصادي، وعلى رأسها الصين والولايات المتحدة الأمريكية ودول وأوروبا، ورغم ذلك فإن المنطقة العربية لازالت تحظى ببعض الاهتمام والمتابعة من قبل رجال السياسة والاقتصاد والرأي العام العالمي بسبب موقعها الجغرافي وكونها مهد الديانات والحضارات العريقة، ولطبيعة العلاقات الصدامية بين القوى الإقليمية بعضها البعض أو بينها وبين أوروبا، فضلًا عن ثرواتها الباطنية لاسيما البترول والغاز الطبيعي.
وأكد أن زرع الكيان الصهيوني في قلب المنطقة ومساندته من قبل الغرب بشكل عام خلق للعرب وضعًا في منتهى الصعوبة، نظرًا لتفوق إسرائيل على كل دول المنطقة عسكريًا، وتقدمها العلمي والتكنولوجي الباهر، والذي تسعى من خلاله بألا تكون محاطة بدول قوية بل بكيانات ضعيفة متناحرة مبنية على أساس طائفي أو إثني، مشددًا أن الدولة القومية الموحدة حلم قد تبخر ولم يعد يدعو له سوى قلة قليلة لديها وعي متنامي بالمصير المشترك الذي يجمع أبناء المنطقة، ويضمن حرية التنقل والعمل والإقامة بالنسبة لكل المنتمين لهذا الحيز الجغرافي والثقافي المشترك.
وقال إن هناك مأزقًا فكريًا حدث نتيجة الانكسارات السياسية والحضارية وفشل الدول الوطنية في استنباط منظومة فكرية تخرجهم من حالة التمزق التي أدت إلى معاناة أبناء المنطقة؛ ومنها حرمان المرأة من الحقوق التي يتمتع بها الرجال بما يعكس مصالح فئوية طبقية واقتصادية تقليدية، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نأمل في وضع أفضل مادام نصف المجتمع معطل جزئيًا أو كليًا.
وأوضح أن العالم المعاصر يشهد ظاهرتين أحدهما مترتبة على الأخرى ونتيجة لها؛ وهى البحث عن التكتل وتجميع القوى لمواجهة العولمة وحرية انتقال رؤوس الأموال والسلع، وفي المقابل الحركات التي تدافع عن الخصوصية وتحارب التنميط الذي تفرضه العولمة، لافتًا إلى أن هذا الظرف العالمي المتناقض من شأنه زيادة التعقيد في المنطقة؛ فالنمط المعوّلم محل انبهار ولكنه في نفس الوقت محل رفض.
ونوه إلى أن الدولة الوطنية العربية غير مكتملة، نظرًا لحداثتها وافتقادها المقومات الأساسية، تتجاذب مواطنيها تيارات لا سبيل للتوفيق بينها، وتعيش حالة حرب أهلية معلنة حينًا وخفية أحيانًا أخرى، مشددًا أنه من المستحيل التنبؤ بمصير الدول القطرية بوضعها الحالي وهل سيكتب لها البقاء على المدى البعيد أم لا، لاسيما أن التاريخ البشري لا يخضع لتكهنات موضوعة سلفًا.