سليم حسن .. نور في بلاد تعشق الظلمة

منوعات

بوابة الفجر


لا يعد  الدكتور سليم حسن مؤرخاً وعالماً ، و لكن سليم حسن كان هو أول من أقتحم مجال التنقيب و الكشف عن الكنوز المصرية القديمة من المصريين، بعدما كان هذا المجال حكراُ على الأجانب ، وقام بعمليات تنقيب منظمة في مناطق الجيزة وسقارة طوال عشر سنوات كاملة و حقق عدة نجاحات مدوية في الكشف عن أسرار الحضارة الفرعونية 
و التنقيب  على الأثار هو عمل قديم قدم الفراعنة أنفسهم، فلصوص المقابر كان ينهبون الكنوز المدفونة مع مومياوات الأمراء و الأغنياء، وفي ظل الحكم الروماني أنتشرت حمى البحث عن التحف  الفرعونية و أقتنائها على سبيل الديكور في المنازل و كان يتم شحن اللاف التماثيل الى روما سنوياً ، بل و تم سرقة أعمدة من المعابد الفرعونية لتزيين قصور روما الفاخرة 
وظل الحال كما هو حتى حينما عرفت أوروبا عصر النهضة ، أذ بدأت البعثات الأوربية في الحضور  الى مصر و ممارسة أبشع سرقات العصر الحديث تحت ستار و مظلة العلم و الأكتشاف ،ويذكر التاريخ أن ما لم تستطع اوروبا سرقته في الخفاء و شحنه الى القارة العجوز ،وهبهم أياها محمد على و خلفائه ، حتى انه أهدى العديد من المسلات الفرعونية لتزيين العواصم الأوربية و تفاقم الوضع بالطبع على يد الأحتلال البريطاني .
ولكن كان هناك أيجابيات للبعثات الأثرية الأوروبية ، أذ تم ترجمة النصوص الفرعونية بفضل أكتشاف حجر  رشيد على يد الفرنسي شامبليون، كذلك فأنالأثار المسروقة و التي تم تهريبها الى أوروبا ، أدت الى تسليط الضوء على مصر و حضارتها العظيمة وهو ما أنعكس على السياحة الثقافية في مصر و التي كانت تُعد واحدة من الروافد الأقتصادية الهامة رغم سوء إدارتها .
و حينما تم الكشف عن مقبرة توت عنخ أمون و الذي ظل حديث الصحف العالمية لسنوات طوال ، قرر وزير المعارف زكي باشا ابو السعود إرسال بعثات من الطلبة المصريين الى أوروبا لدراسة أصول التنقيب و التعامل مع الحفائر وذلك سنة 1922 ، وكان سليم حسن واحداً ممن تم أختيارهم للسفر و الدراسة تحت يد أحد اشهر علماء الأثار في العالم حينها وهو الروسي " جولنشيف " ، وبدأ اسم سليم حسن في التوهج عندما كتب سلسة مقالات صحفية تحت عنوان "الأثار المصرية في متاحف أوروبا " وهي المقالات التي كشفت عن سرقات هائلة للأثار المصرية ومنها رأس الملكة نفرتيتي التي لم يكن المصريون يعرفون عنها أي شئ 
و بعد حصوله على الدكتوراه من جامعة فينا بالنمسا بدأ أعمال التنقيب منفردا ودون أي شراكة دولية في سنة 1929 بمنطقة الجيزة ، وهي المرة الأولى في التاريخ التي ينقب فيها المصريون وحدهم عن تاريخهم المدفون و بشكل قانوني و أكاديمي وتحت رعاية جامعة القاهرة التي كان قد عُين بها كأستاذاً مساعداً ، وجاءت النتائج سريعة ، ففي اليوم الأول للحفر تم الكشف عن مقبرة "رع ور" و تدفقت الأكتشافات حتى بلغ عددها 100 مقبرة أثرية أضافة الى مئات التماثيل و القطع الفنية أضافة الى مراكب الشمس ،وذلك  خلال عشر سنوات كاملة قضاها سليم حسن وهو يعزف منفرداً و يسطر لحناً مصريا خالصاً .
و بعدها عُين سليم حسن  وكيل عام لمصلحة الآثار المصرية ليكون بذلك أول مصري يتولى هذا المنصب ويكون المسؤل الأول عن كل آثار البلاد، و أعاد إلى المتحف المصري مجموعة من القطع الأثرية كان يمتلكها الملك فؤاد، وقد حاول الملك فاروق استعادة تلك القطع ولكن سليم حسن رفض ذلك مما عرضه لمضايقات شديدة أدت إلى تركه منصبه عام 1940م
و اتجه سليم حسن بعد ذلك الى توثيق الأثار المصرية بأسلوب علمي فأصدر موسوعته الشاملة عن التاريخ المصري في ستة عشر مجلدا ثم تم تكليفه بدراسة خطورة ة بناء السد العالي على أثار النوبة و معبد أبو سمبل، وتحول تقريره حول بناء السد الى دعوة عالمية لإنقاذ أثار النوبة و معبد أبو سمبل  وذلك سنة 1954، وظل سليم حسن في منطقة النوبة يمارس الكشف عن كنوزها منذ ذلك التاريخ وحتى عام 1959 حيثتم أستدعائه للإشراف على عملية جرد المتحف المصري وهي مهمة كانت شاقة بسب كبر سنه و لكنه ظل يؤديها بمنتهى الأخلاص و أتم جرد المتحف في عشرة أشهر فقط ، و في العام التالي وافته المنيه في 30 سبتمبر 1961 
ورغم كل ما قدمه الدكتور سليم حسن لمصر إلا انه لم يحظى بالتكريم اللائق لمكانته و لدوره في أثراء الحياة الثقافية و التاريخية في مصر ،و الأغرب أن أبنه حاول التبرع بمكتبة والده الى جامعة القاهرة حيث كان والده يعمل ، إلا أن إدارة الجامعة رفضت مجرد الرد على طلب الأبن ،في حين رحبت احدى المكتبات الأمريكية بالأمر و تكفلت هي بشحن هذه الكتب  التي باتت ترقد الأن حيث يقدرون العلم و العلماء ،كذلك  فأن ذكرى وفاته قد مرت منذ أيام قليلة دون الأشارة اليها في أي مطبوعة مصرية وحتى أن حاولت البحث عبر شبكة الأنترنت على صورة له فستجد صورة وحيدة رديئة الجودة ..رحم الله د سليم حسن الذي كان نور في بلاد تعشق الظلمة .