أحمد شوبير يكتب: دى حكايتى مع الخطيب

الفجر الرياضي



من صغر سنى وأنا أهلاوى أعشق نجومه أشترى صورهم أزين بها منزلنا المتواضع فى طنطا.. أجرى خلف أخبارهم أحلم برؤيتهم.. أتصور نفسى لاعباً بجوارهم أذهب إلى القهوة لأتفرج على الخطيب ورفاقه بخمسة قروش حتى أتحرر من أبى وأشقائى فى المنزل وأكون على حريتى فى الصراخ والفرحة لحظة إحراز الخطيب هدفاً أو فى الهتاف بأعلى صوت وهو يراوغ المدافع تلو الآخر ثم يسدد فى المرمى..

أستمتع بحركاته وهو يداعب الكرة ويكلمها ويحكى لها واستمتع أكثر وهى تستمع إلى أوامره فتنفذها بحب وفرحة وتطلب منه المزيد من هذه الأوامر بل تطلب منه أن يضربها أكثر وأكثر ففى عذابها يستمتع المشاهدون وتفرح الجماهير وتتنطط القهاوى والشوارع وكلما زاد من ضرب الكرة بقدميه الساحرتين نادته وقالت له كمان..

وكأنه من آلة كمان تعزف أجمل الألحان فتغنى له الكرة وتسجل معه أعظم الأغانى والألحان وتسجل له أروع الأهداف فهو موسيقار الكرة المصرية الذى يشبه سيد درويش الموسيقى فكما فعل درويش مع الأغنية فعل الخطيب بالكرة، فدرويش هذب الأغنية ثم طورها ثم نقلها نقلة جديدة تماما وهو بالضبط ما فعله الخطيب مع الكرة ولكن بلغة العبقرى بليغ حمدى عندما غيّر من مفهوم الكرة فأصبحت جمالا ومتعة وبهجة وفرحة هكذا أصبحت الكرة مع محمود إبراهيم الخطيب المولود فى 30 أكتوبر 1954 بقرية قرقيرة بمحافظة الدقهلية الذى انتقل مع والده إلى القاهرة ليسكن فى حى شعبى هو عين شمس ليصبح سعيد الحظ بالجيرة والأصدقاء فكلهم يعشقون الكرة ويلعبونها والطفل الصغير الجديد على الحى مسكون بحب كرة القدم يداعبها ويلاعبها وهى الأخرى وقعت فى حبه مبكرا جدا فصارت قصة عشق تضاهى روميو وجولييت أو قيس وليلى لكل قصص العشاق الخالدة مع فارق وحيد وهو الإخلاص المتبادل والنهايات السعيدة دائما بين بيبو وكرته معشوقته محبوبته بل كل حياته.

لم أكن أحلم يوما بغير مشاهدة محمود الخطيب من المدرجات كمشجع عادى ولما علمت أن الأهلى سيلعب مباراة ودية مع فريق زيوت طنطا كدت أجن من الفرحة وذهبت لأبى الأهلاوى بتحفظ نظرا لأن لى شقيقى الأكبر زملكاوى بشدة وأنا أهلاوى بجنون لذلك كان الوالد يقول إنه محب للأهلى خوفا من غضب أخى ولكن كل هذا لا يهم فالأهلى فى طنطا والخطيب قادم مع الفريق وهى فرصة العمر أن أشاهده من المدرجات ويا الله لو سنحت الفرصة ونزلت وأخذت معه صورة أضعها فى كتابى بدلا من الصور التى أشتريها من المحلات بخمسة صاغ كل فترة لنجوم الأهلى وعلى رأسهم الخطيب خصوصا وقد علمت أن هناك مصوراً لتغطية هذه المباراة اتحايلت على والدى لحضور المباراة وأمام دموعى استجاب فى النهاية بل واشترينا شمسية تقينا من الحر نظراً لأننا سنجلس فى الدرجة الثالثة فالتذكرة غالية جدا بـ25 قرشاً بالتمام والكمال ولكن لأنى كنت صغير الحجم فقد وافق رجل الآن على دخولى مع والدى بتذكرة واحدة فكانت الفرحة الطاغية ودخلنا المباراة واستعددنا لمشاهدة الخطيب ورفاقه وهم يلاعبون زيوت طنطا وأخذت أمنى النفس بأن أقترب منه وظللنا نحسب الدقائق والثوانى حتى نزل فريق الأهلى للتسخين بأرض الملعب وكانت المفاجأة قاسية الخطيب غير موجود أصلا، وصبرنا أنفسنا بأنه موجود ولكن سيظهر فى الشوط الثانى ولكن اتضح أنه غير موجود من الأساس ومع ذلك استمتعنا باللقاء وفاز الأهلى بهدف سجله على زيور الصغير وفرحنا بالأهلى وإن كانت الفرحة جاءت منقوصة ولكن على كل الأحوال كانت هناك.

وظللت الخطيب دخللت أحلم بلقاءه فقط لأخذ صورة معه لا أكثر من ذلك ولعبت الكرة فى نادى زيوت طنطا على أمل أن يأتى الأهلى من جديد وأقابل نجومه وعلى رأسهم الخطيب وأتألق أمامهم وأمنع الأهداف فيأخذونى معهم مباشرة من الملعب إلى الأهلى بالقاهرة ولكن لسوء حظى تم إلغاء اللقاء فقررت أن أبدأ المغامرة وأن أذهب بنفسى إلى الأهلى فى اختبارات عادية بواسطة زميل ناشئ انضم للأهلى حديث أن والغريب أننى لم أهتز وكنت واثقا من نفسى بشدة فأكرمنى ربى وتخطيت الاختبارات وبعد قصة طويلة أصبحت لاعبا فى النادى الأهلى ولكن رغم كل ذلك لم أشاهد الخطيب وجها لوجه لم أصافحه أو اتحدث معه وظل الحلم قائما متى وكيف حتى جاء يوم طلب فيه هيديكوتى مدرب الأهلى أن يتدرب الفريق الأول فى مباراة ودية مع فريقنا 17 سنة وكان مدربنا هو الكابتن عمرو أبوالمجد وظننا وقتها أن احتياطى الفريق الأول هو الذى سيلاعبنا وكانت فرحة عارمة وبالفعل نزلنا إلى المباراة وكانت المفاجأة مذهلة فالخطيب وكل رفاقه سيلعبون.. يا نهار أسود أنا أمام الخطيب.. معقولة سألعب أمام الخطيب.. وظللت طوال فترة التسخين وعينى لم تنزل من على الخطيب إلى أن فوقنى الكابتن عمرو أبوالمجد قائلا أن هذه المباراة طلبها هيديكوتى خصيصا لمشاهدة عدد من اللاعبين فى الفريق هم حسام البدرى وحاتم كردى وماهر عبدالغفار وأحمد شوبير وطلب منى أن أموت نفسى لكى أحظى بإعجابه، ولعبنا المباراة ونسيت كل شىء وتذكرت فقط كلمات كابتن عمرو أبوالمجد ويبدو أننى تألقت بشدة فى الشوط الأول فقد حافظت على شباكى نظيفة واستمر الحال فى الشوط الثانى بل إننا نجحنا فى تسجيل هدف فزنا به على الفريق الأول 1/صفر لحاتم كردى وخرجنا غير مصدقين أنفسنا وانهالت علينا التهانى من الجميع إلى أن فوجئنا داخل غرفة ملابسنا المتواضعة بدخول محمود الخطيب فوقفنا جميعا فى ذهول ليسلم علينا الواحد تلو الآخر مهنئا ومشجعا وكاد قلبى يقف عندما اقترب منى وأنا أنظر إليه فى ذهول وإذا به يسألنى اسمك إيه؟ فلم أرد فكرر السؤال ولم أرد فسارع أحد الزملاء اسمه شوبير يا كابتن ثم سألنى مرة أخرى أنت جديد؟ وكالعادة توقف الكلام تماما وهنا تطوع الزميل أيوه يا كابتن ده جون جديد من طنطا فقال لى شد حيلك شكلك جون كويس. كل هذا وأنا فى حالة صمت رهيب فنجمى المفضل يسلم على ويشيد بى ويكلمنى فأصبت بالسكوت التام وما أن خرج حتى شتمنى كل زملائى واتهمونى بقلة الأدب ازاى الخطيب يكلمك ومتردش عليه أنت عارف مين الخطيب أنت فاهم أنت عملت إيه؟ إلى أن أنقذنى الكابتن عمرو أبوالمجد وأصطحبنى إلى الخطيب قائلا له يا كابتن الولد مش مصدق، فضحك وسلم على مرة أخرى وقال للكابتن عمرو شكله حيبقى جون درجة أولى كويس.

والغريب أننى مرة أخرى لم أنطق بكلمة واحدة زادت المفاجأة عندما فوجئت بالكابتن عمرو أبوالمجد يبلغنا بأننا سنتدرب أنا والكردى والبدرى مع الفريق الأول ابتداء من الغد فبدأت قصة جديدة مع محمود الخطيب فنحن سويا فى فريق واحد نتدرب بل نتكلم وانفكت عقدة لسانى وأصبحت أتكلم وأتحاور بل إنه كان جميلا وكريما فى مناسبات كثيرة معى وبدأت علاقة غير متكافئة بين نجم النجوم محمود الخطيب وناشئ صاعد هو أنا ولكن على الأقل كنت أراه وأجلس معه على طاولة طعام واحدة أتلكك للحديث معه فوجدت شخصاً شديد التواضع شديد الاحترام ولكن فى نفس الوقت معتز جدا بنفسه لا يسمح لأحد أيا كان بالتجاوز أو التطاول وبدأت علاقة جميلة بيننا كناشئين وبين محمود الخطيب وكنا نفرح جميعا وهو يعطينا التوجيهات بل ويساعدنا ولكن لن أنسى أبدا موقف الخطيب معى وهو نجم النجوم فقد كنت طالباً فى كلية الشرطة تقريبا عام تقريبا عام 1980 وكان عمرى وقتها 19 سنة وكان الخطيب نجم النجوم فى مصر كلها وتركت الكلية من أجل الكرة ولم أجد مكانا لأنضم فيه غير معهد التعاون فنصحونى بأن أكلم الخطيب فهذا خريج المعهد وعلاقاته بالجميع هناك ممتازة، وذهبت إليه أسأله المعاونه والمساعدة فكانت المفاجأة: تقابلنى بكرة الصبح أمام النادى الساعة 7.30 صباحا نتوجه سويا للمعهد.. وطبعا لم أصدق وقلت شكرا جزيلا مش عايز أتعبك فقط دلنى لمن أذهب إليه فقال لى اسمع. الكلام وتركنى وذهب ولم أصدق أنه سيأتى فذهبت وأنا على ثقة من أنه لن يحضر لذلك ذهبت متأخراً قليلا فإذا بى أجده فى انتظارى ولامنى على التأخير وطلب منى احترام مواعيدى حتى أصبح لاعباً محترما وذهب معى إلى معهد التعاون للراحل صلاح مرسى ود.كمال أبوالخير والراحل بهجت أبوالخير ولم يتركنى إلا وإنا طالب فى معهد التعاون، كل هذا فعله نجم النجوم مع ناشئ صغير لا يعرف اسمه إلا عدد قليل جدا من الجماهير وتعلمت أول درس من الخطيب وهو التواضع وخدمة الناس لو كان هذا الأمر فى استطاعتى واستمرت الحدوتة بينى وبين النجم الأول فى مصر محمود الخطيب وأصبحنا زملاء فى الفريق الأول والمنتخب القومى ولكنى لم أكن أبدا من المقربين منه لأن زملاء جيله كانوا هم الأقرب خصوصا اكرامى وثابت البطل الحارسين العظيمان ولكن كنت سعيدا جدا بهذه العلاقة الجميلة التى تجمع بينى وبينه ومرت الأيام والسنوات إلى أن جاءت أكبر صدفة فى حياتى عام 91 عندما توفيت أمى وكان الخطيب قد اعتزل منذ حوالى 4 سنوات وذهبت إلى قرية أمى المجاورة لطنطا لانهاء مراسم الدفن وكنت فى حالة انهيار تام وصممت أن أدفن أمى بيدى وظللت فى حالة بكاء وانهيار شديد جدا داخل المقبرة ولم يستطع أحد حتى الاقتراب منى إلى أن فوجئت بيد تطبطب عليّ وتحضنى ورفعت عينى فوجدت الخطيب بجوارى وأنا أدفن أغلى مخلوق فى الوجود عندى وهو أمى وأخذنى معه فى سيارته إلى طنطا بل وحضر معظم مراسم العزاء ليطوقنى من جديد بجميل عظيم بموقف أعظم من النجم الأعظم.

ثم جاءت بعد سنوات لحظة اعتزالى وصممت على ألا أخرج من الملعب إلا مع محمود الخطيب الجالس فى المقصورة لمتابعة اللقاء فلبى النداء ونزل مسرعا فاحتضنته وشكرته خصوصا أنه ساعدنى فى جلب إعلانات لمباراة اعتزالى لتزداد حالة العشق والاحترام والحب لهذا النجم الكبير وقويت العلاقة بشدة بينى وبينه وأصبحنا أصدقاء نتبادل الزيارات العائلية والعادية آخذ مشورته فى كثير من القضايا وهو الآخر يطلبنى أو يلتقينى يسألنى وأجيبه بكل الحب، ومرة أخرى وبعد سنوات طويلة جاء يوم عقد قران ابنتى الكبيرة هند وطبعا حضر الخطيب كضيف عزيز ولكن فاجآته عندما طلب منى المأذون الشهود فقلت له محمود الخطيب ولم يكن يعلم اطلاقا بذلك وقال لى معاييش بطاقة ولكن صممت فضحك وذهب إلى سيارته وأحضر بطاقته ليكون شاهدا على عقد قران ابنتى وشاهدا على مدى حبى واحترامى له ليس الخطيب لاعب الكرة فقط ولكن الخطيب الإنسان والفنان فلتة زمانه فى كل شىء خصوصا فى كرة القدم.. بيبو كل سنة وأنت طيب.