أحمد شوبير يكتب: حكايتى مع الجوهري

الفجر الرياضي



قد تكون هى الحكاية الأهم فى حياتى على الإطلاق فالرجل الذى لم أكن أعرفه على الإطلاق هو الذى أخذ بيدى إلى عالم النجومية والشهرة والاحتراف هو محمود نصير الجوهرى من أبناء حلوان طبعًا لما أكن أعرفه ولأننى كنت صغير السن فلم أره أبدًا فى الملعب بل يمكن لم أسمع عنه كثيرًا كلاعب كل ما فى الأمر أننى أثناء التدريب كنت أسمع كلمة كابتن جوهرى من اللاعبين الكبار خصوصًا مصطفى يونس ومصطفى عبده ومحمود الخطيب ولم أكن أعطى أى اهتمام لذلك فأنا لاعب صغير وهو كما يقولون يعمل بالسعودية مساعدًا للمدرب الألمانى الشهير كرامر، لكن تغيرت الأمور تمامًا عندما سمعت مصطفى يونس وهو يكاد يطير من الفرحة صائحًا وسط اللاعبين الجوهرى مدرب الأهلى الجديد...

... ولا يمكننى أن أخفى مشاعر الفرحة والسعادة الطاغية عندى فور سماع الخبر ليس لاسم الجوهرى، ولكن لأن طاقة أمل ظهرت من جديد أمامى فالمدرب الحالى وإن كان من أعظم المدربين للأمانة والتاريخ واسمه كالوتشاى لم يكن على قناعة تامة بإمكاناتى خصوصا أن لديه حارسين كبيرين هما إكرامى وثابت البطل بالإضافة إلى حارسين احتياطيين هما أحمد ناجى وعادل عبدالمنعم بالإضافة إلى تقرير طبى يطالب باستبعادى من قائمة الفريق الأول القادمة، لذلك تمسكت بالأمل بأن يكون الفرج على يد الكابتن الجوهرى، لما سمعته عنه من إعطائه الفرص للناشئين وأيضًا من أنه يضع يده فى كل شىء ولا يترك الأمر للصدفة أو المعاونين، وانتظرت بفارغ الصبر لحظة قدومه إلى النادى الأهلى ويبدو أن الحظ كان قد قرر أن يبتسم لى لأنه فى أول زيارة للنادى- بعد عودته من السعودية- كنت وبالمصادفة فى المبنى الاجتماعى للنادى وبالطبع كنت قد تعرفت إلى صورته من الصحف والمجلات وقررت أن أغامر وأذهب إليه وأعرفه بنفسى وسعدت جدًا عندما وجدته يعرفنى جيدًا ويسألنى عن إصابتى فشرحت له الموقف بوضوح ولحسن الحظ أكثر جاء الكابتن صالح سليم فطلب منه الكابتن جوهرى إعطائى الفرصة لأن الكابتن أحمد ماهر رحمة الله عليه أكد له أننى حارس جيد وأيضًا الكابتن حازم كرم مدرب الحراس نصحه بالحفاظ عليّ وعدم التفريط فى كحارس للمستقبل، وكان رد صالح سليم: ده فريقك وأنت حر.

والغريب أنه طلب الجلوس معى فى نفس اليوم وسألنى فى كل جوانب حياتى الكروية والشخصية والدراسية وكل شىء، ثم أبلغنى أننى سأبدأ فترة الإعداد مع الفريق الأول وزاد على ذلك بقوله إنه قرر الاستغناء عن عادل عبدالمنعم حارس المرمى وهذه فرصة العمر لك.. هكذا قال الجوهرى لى فى أول لقاء، ثم أكد لى أننى سأسافر مع الفريق فى معسكر إعداد بألمانيا والكرة فى ملعبى.. وتدربت بمفردى ليل نهار استعداداً لمعسكر الإعداد، وبالفعل سافرنا وكان تدريبًا عنيفًا ولكن الله وفقنى بشدة فى كل التدريبات والمباريات الودية التى شاركت فيها، بل إنه على مدى أيام المعسكر أجرى مسابقة لتسديد ضربات الجزاء مع جائزة للاعب والحارس الفائز، فكانت المفاجأة للجميع أننى تفوقت على إكرامى وثابت البطل وحصدت الجائزة، وكانت عبارة عن حذاء كرة قدم وأذكر وقتها أن الرجل قال لى إننى لن ألعب على الإطلاق بسبب وجود ثابت وإكرامى، وطلب منى التدريب بعنف وتقوية ذراعى لأنهما رأس مالى على حد قوله، ووعدنى بإعطائى الفرصة فى المباريات الودية، وهذا ما حدث وظللت على جديتى فى المران لفترات تتجاوز الـ6 ساعات فى اليوم الواحد وهو يراقبنى من بعيد، حتى جاءت الفرصة وكانت مباراة الأهلى والقناة وكان وقتها فى الدرجة الثانية وظننت أننى سألعب اللقاء خصوصًا أن عدداً من اللاعبين الناشئين تم وضعهم فى القائمة ولكن فوجئت باستبعاد اسمى تمامًا من القائمة فطلبت من الكابتن الجوهرى الحصول على الاستغناء والرحيل من الأهلى لأننى لن أجد الفرصة أبدًا ولن أنسى أبدًا ما قاله لى الرجل يومها اتفضل الباب مفتوح أمامك ألف سلامة ثم سرعان، ما قال قدامك فرصة العمر تبقى حارس مرمى مصر والأهلى.. أنت بتطلع جبل بتدق المسمار وتربط الوتد وتحط رجلك.. طلعت معظم الجبل فاضل لك خطوات قليلة أوى وتوصل للقمة وانت مش شايف إنت حر.. يا قمة الجبل يا ما محدش حيسمع اسمك تانى فى عالم الكورة.

وبالمناسبة أنا وافقت النهارده بس عن الاستغناء عن أحمد ناجى يعنى حتبقى الحارس الثالث وحتسافر معانا كل السفريات عايز تمشى عشان مباراة يا ح... الدنيا بتفتح دراعاتها ليك أنت حر اختار ولم أشعر إلا وأنا بأخلع ملابسى وأجرى إلى الملعب للتدريب.

ولم تمر بضعة أشهر إلا وأصبحت الحارس الأساسى للنادى الأهلى وجلس إكرامى وثابت البطل على دكة البدلاء لى.

تلك كانت البداية مع محمود الجوهرى وتوالت الحكايات معه وكلها ليست بالمناسبة سعيدة لكنها محطات مهمة جدًا، ولعل أهمها عندما حدث ما سموه بعد ذلك بتمرد لاعبى الأهلى ضد إدارة النادى الأهلى بعد أن عزلت الإدارة الكابتن الجوهرى من منصب المدير الفنى لخلاف فى وجهات النظر، وهذه قصة لا بد أن أحكيها بوضوح تام لأن التاريخ لا يحكيها بتفاصيلها الصحيحة، فقد كان الجوهرى قد ترك الأهلى وتولى تدريب نادى الوحدة الإماراتى فى عرض خيالى ومكث هناك لعام واحد ثم عاد من جديد مديرًا فنيًا للأهلى وكان معه- شفاه الله وعافاه- الكابتن هانى مصطفى مديرًا للكرة، ومن سوء حظ الجوهرى أن عشرة من لاعبى الفريق كانوا مع المنتخب القومى فى المباراة الحاسمة ضد المغرب وجاءت قرعة كأس مصر لتجمع الأهلى بالزمالك ويومها خاف الجوهرى من اللعب أمام الزمالك دون إعداد جيد لأن المباراة كانت بعد عودة الفريق القومى مباشرة من المغرب، فطلب الانسحاب من المسابقة، وهو ما رفضته إدارة النادى فغضب الجوهرى وأعلن استقالته فقبلتها الإدارة على الفور وقررت تعيين هانى مصطفى مديرًا فنيًا للفريق، وهو ما رفضه باقى اللاعبين فى القاهرة، وبدأت اتصالات بين اللاعبين فى القاهرة وإسبانيا حيث كان معسكر المنتخب الوطنى، ورفض لاعبو القاهرة التدريب مع الكابتن هانى بل ذهبوا إلى نادى الشمس وتدربوا مع الكابتن الجوهرى وأيدناهم من إسبانيا فى بيان مطول أذكر أننا طلبنا من الناقد الكبير حسن المستكاوى كتابته فحذرنا مرارًا من هذه الخطوة لكننا صممنا على ذلك واشتعلت الأزمة وتمسك كل طرف بموقفه إلى أن تدخل العقلاء وعاد الجوهرى إلى تدريب الفريق رغم رفض حسن حمدى الذى كان يدير الأزمة وقتها وطلب من صالح سليم المتواجد بلندن عزل الجوهرى وإيقاف جميع اللاعبين إلا أن صالح وافق على إيقاف اللاعبين وتوجيه إنذار إلى الجوهرى مع المشاركة فى مسابقة كأس مصر بفريق الناشئين تحت 18 سنة ويومها ظهر لأول مرة اللاعبون حسام حسن وبدر رجب ومحمد السيد وعلاء عبدالصادق وحمادة مرزوق ومحمد سعد وعاطف القبانى وغيرهم من اللاعبين ولم يشترك معهم سواى فقط لا غير ويومها حدثت المفاجأة وفزنا على الزمالك 3/2 وأكملنا المسيرة وفزنا بمسابقة كأس مصر وسط ذهول الجميع.

وبعد هذه الأزمة استمر الجوهرى مدرب للفريق وحصل على بطولة الدورى العام دون هزيمة وطلبت إدارة الأهلى منه التجديد لعام آخر لكنه رفض لتلقيه عرضًا مغريًا من نادى أهلى جدة فخرج الجوهرى ولم يعد إليه مدربًا حتى انتقل إلى رحمة الله.


1- حكاية الجوهرى وأبوزيد

ولعل من أكثر الحكايات التى تناولها الإعلام كانت حكاية الجوهرى مع طاهر أبوزيد ولأننى كنت شاهدًا من بدايتها حتى نهايتها عليها فأرويها لكم بتفاصيلها الحقيقية دون زيادة أو نقصان والبداية تقتضى القول بأن أبوزيد كان هو اللاعب المفضل لدى الجوهرى وكان يراهن عليه أكثر من أى لاعب فى منتخب مصر، بل كان يضع آمالاً كبيرة عليه ولسوء حظ المنتخب والجوهرى أنه فى بداية تجمع المنتخب كان أبوزيد يعانى من إصابة فى العضلة الأمامية أهمل فى علاجها فزادت الإصابة بدرجة كبيرة، بل إن البعض نصح الجوهرى بعدم ضمه إلا أن الرجل صمم على ضمه لصفوف المنتخب حتى وهو مصاب نظرًا لعلمه بإمكانات أبوزيد الكبيرة منذ أن كان مدربًا للنادى الأهلى، ووقتها كان أبوزيد لم يصل لسن العشرين لكنه كان لاعباً أساسيًا ومهماً فى تشكيلة الجوهرى دائمًا وظل الجوهرى على قناعة دائمًا بإمكانات أبوزيد وأذكر أن طاهر انتظم فى تدريبات الفريق وبدأ فى التألق بشدة بعد غياب شبه موسم كامل عن الأهلى وفرح الجوهرى فرحًا شديدًا وقال لى بالحرف الواحد «شايف الواد عامل إزاى فى التدريب زى الوحش لو ربنا كرمنا وظل على الحالة دى حيكسر الدنيا ويكون واحد من أهم اللاعبين فى إفريقيا كلها»، وكانت للجوهرى هواية التدريب أن يقف بجوار المرمى فكان يتحدث معى فى بعض أوقات الراحة، لكن فوجئنا جميعًا بعد التدريب باعتذار أبوزيد عن المعسكر واللعب مع الفريق أمام زائير فى مباراة فى التصفيات الإفريقية، فكانت مفاجأة مذهلة للرجل فطلب منى بحكم قربى الشديد منه أن أتحدث معه لأن المنتخب فى أشد الحاجة إليه لكن للأسف كان طاهر قد غادر المعسكر ونفذ قراره بترك معسكر الفريق، فاتخذ الجوهرى قراره باستبعاده من صفوف المنتخب وحدثت ضجة كبرى وهاجمت الصحافة الجوهرى وهو مندهش بشدة لما يحدث.

وأذكر أنه راهن على أيمن شوقى بديلاً لأبو زيد فى مباراة زائير، وسجل هدفًا رائعًا، ويومها خرج الجوهرى بتصريح يعلن فيه أن هناك من يريد أن يجلس على كرسى فوتيه ويلعب وقت ما يشاء، وهناك من ينحتون فى الصخر لذلك فلن يكون هناك مكان فى المنتخب لمن يظن أنه أكبر من المنتخب، ولأن طاهر أبوزيد كانت له علاقات قوية بالإعلام بدأ الكثيرون من رجال الإعلام حملة ضاربة على الجوهرى لإعادته للمنتخب، وتدخلنا كلاعبين طالبين منه ضرورة عودته للمنتخب وكفى ما حدث خلال الفترة السابقة واستجاب الجوهرى وعاد طاهر مرة أخرى، والحقيقة أنه استمات فى التدريبات وظهر بشكل أكثر من رائع لكن كان الجوهرى قد استقر على تشكيلة للمنتخب لم يكن أبوزيد أساسيًا فيها حتى جاءت مباراة ودية لمصر مع التشيك ويومها لم يلعب أبوزيد أساسيًا فخرج مهاجمًا الجوهرى وهو فى معسكر الفريق فاستشاط الجوهرى غضبًا وقرر استبعاده من جديد لولا تدخل كبار اللاعبين من جديد، وأقنعنا الجوهرى بعدم استبعاده لسببين أولاً لعدم إحداث شرخ فى المنتخب ثانيًا لأن طاهر لاعب كبير ومهم وبالتأكيد سيستفيد منه المنتخب واقتنع الرجل واستمر طاهر مع الفريق ولعب دقائق قليلة فى كأس العالم أمام إيرلندا، والحقيقة أنه كان يستحق أكثر من ذلك خصوصًا فى مباراة إنجلترا الأخيرة حيث خدعه أحد اللاعبين وعمل تمثيلية أنه أصيب بحالة من الصرع والإغماء نظرًا لاستبعاده من الفريق، والغريب أن التمثيلية دخلت على الجوهرى وأشركه فى النصف الأخير من مباراة إنجلترا فاتضح أنه لم يكن أصلاً يلعب فى الفريق المزعوم الذى قال إنه احترف به فى الخارج، واستمرت الأزمة طويلاً بين الجوهرى وأبوزيد حتى فوجئنا يوما وبعد وقت طويل بزيارة طاهر للجوهرى فى معسكر المنتخب حاملاً معه تورتة كبيرة جدًا واحتفل يومها بالجوهرى بعد أن كانت خلافاتهما قد وصلت للمحاكم وحصل أبوزيد على حكم بحبس الجوهرى 6 أشهر لأنه وصفه بالكداب فى حديث لمجلة الأهرام الرياضى ثم حصل على البراءة فى النهاية وانتهت قصة أكبر خلاف بين لاعب ومدرب وهذه شهادة للتاريخ وعلى ما حدث بالضبط بين الجوهرى وأبوزيد.

ومحطة أخرى من محطات الجوهرى وهى الأهم فى حياته وهى تدريب منتخب مصر، وأذكر الاجتماع الأول للاعب المنتخب وكان فى أحد فنادق الخمس نجوم طبقًا لما هو متبع فى معسكرات المنتخب ويومها تكلم الرجل كلاماً هادئاً وعاقلاً وموزوناً ثم طلب منا أن نجتمع فى اليوم التالى فى دار الدفاع الجوى، ولم يكن أحد منا يعرفها ووصلنا إليها بصعوبة بالغة لنجدها فى وسط الصحراء تقريبًا، فعاجلنا الرجل باجتماع عاصف بدأه بكلمة اللى عاوز يوصل كأس العالم لازم يشقى ويتعب ويشوف الحرمان.. أنا عايز مجموعة جنود أسود جعانين ياكلوا المنافسين.. وكانت المفاجأة الأكبر عندما بدأنا أول تدريب فى أحد معسكرات الصاعقة للقوات المسلحة ولم يفتح أحد فمه بكلمة، فقد وصلت الرسالة للجميع وأصبح شعارنا جميعًا الصعود لكأس العالم مع ثلاث كلمات الإصرار.. التركيز.. الالتزام، ونجحنا وصعدنا لكأس العالم وأبلينا بلاءً حسنًا فتعادلنا مع هولندا بطل أوروبا وتعادلنا مع أيرلندا ثم خسرنا بصعوبة بهدف خطأ شخصى منى أمام إنجلترا، وخرجنا وسط احترام العالم أجمع.. واستمر الجوهرى مدربًا للمنتخب وأدخل نظام الاحتراف للكرة المصرية على عجل دون دراسة مسبقة فحدثت مشاكل كثيرة وبدأ الإعلام والأندية تهاجمه بعنف شديد، ثم خسرنا فى مباراة ودية أمام اليونان بسداسية فكانت المفاجأة هى إقالة الجوهرى من تدريب منتخب مصر وهو أمر تكرر معه أكثر من مرة وكان يسبب ألماً نفسيًا شديداً للرجل فهو يشعر بأن مفاتيح المنتخب الوطنى بل الكرة المصرية كلها معه لأنه ما يلبث أن يعود ويبدأ خطة إعداد للمنتخب حتى تتم إقالته بسبب هزيمة أو إخفاق، ولا أنسى يوم أن تلقيت مكالمة هاتفية منه طالبا مقابلتى فى نادى هليوبوليس وجلست معه ولأول مرة أجد كل هذه المرارة لديه ثم فاجأنى بطلب مقابلة الاستاذ علاء مبارك ووعدته بأنى سأحاول الاتصال به وفعلاً حدث ذلك وشرحت له معاناة الجوهرى وآلامه النفسية وما كادت تمر بضعة أيام حتى فوجئت بعودة الجوهرى لتدريب المنتخب وعلمت أن الجوهرى تقريبًا التقى مع الرئيس السابق مبارك وهى معلومة ليست مؤكدة ولكنه بالتأكيد قابل الاستاذ علاء مبارك ويومها لم يكن هناك مدرب للمنتخب ليعود لجوهرى مدربًا للمنتخب من جديد ويقوده للفوز ببطولة أمم إفريقيا عام 98 ببوركينافاسو وسط أجمل العروض للمنتخب الوطنى حتى جاء الوقت الذى خرج فيه تمامًا الجوهرى من فلك تدريب منتخب مصر ليبدأ مسيرة رائعة فى الأردن برعاية ملك الأردن نفسه وتم تكريمه بأفضل صورة هناك.

ثم حدث وتم انتخابى كنائب لسمير زاهر فى اتحاد كرة القدم المصرى ويومها كنا نريد تطوير الكرة المصرية فاتفقنا مع الجوهرى على تولى منصب المدير الفنى لاتحاد الكرة المصرية ليكون مسئولاً عن كل المنتخبات المصرية ووضع تصور عام للنهوض بالكرة المصرية وأعطيناه كل الصلاحيات وبدأ الرجل العمل بحماس شديد للغاية ووضع تصورات هائلة لكل المنتخبات وعلى رأسها المنتخب الأول ووافق عليها مجلس إدارة الاتحاد بالإجماع، ولكن كانت المفاجأة عندما اعتبر الكابتن حسن شحاتة- المدير الفنى لمنتخب مصر فى هذا الوقت- أن هذا الأمر يعتبر تدخلاً فى عمله ونشبت أزمة كبيرة جدًا حتى استطاع سمير زاهر إقناعه أن يتولى مؤقتًا التخطيط لكل أنشطة الاتحاد دون المنتخب الأول وقبل الجوهرى على مضض.

ثم جاءت المشكلة الثانية عندما اقترح الجوهرى إقامة دورى تحت 23 سنة ودورى تحت 21 سنة مع السماح لعدد من لاعبى الفريق الأول بالمشاركة فى هذا الدورى أيضا مع فتح باب القيد للاعبى الدرجة الثانية طوال العام، وهو ما يخالف كل اللوائح واعترضت بشدة رغم موافقة كل أعضاء الاتحاد وصممت على موقفى وكان الرجل قد تلقى عرضًا جديدًا من الأردن للعودة مديرًا فنيًا للاتحاد هناك فصمم على الاستقالة وعاد من جديد إلى الأردن.

والحقيقة أن الخلافات بينى وبين الكابتن الجوهرى كانت أحيانًا عنيفة فأذكر خلافاً هو الأقوى بينى وبينه وكان أثناء الاستعداد لكأس العالم فى معسكر بألمانيا، ويومها حدث موقف من حسام حسن لا يمكن السكوت عنه فذهب إليه اللاعبون الكبار فى المنتخب أنا وربيع يس وطاهر أبوزيد ومجدى عبدالغنى وطالبناه باتخاذ موقف حازم حتى لا تشيع الفوضى فى صفوف الفريق، ويومها قال إنه اتخذ قرارًا بعودة حسام حسن إلى القاهرة وعدم استكماله المعسكر كعقاب له، مع خصم مبلغ مالى محترم منه، ثم فوجئنا فى اليوم التالى بتراجعه وإعلانه أن حسام قدم اعتذارًا وأنه قبله وطلب من اللاعبين الموافقة، فكانت المفاجأة أن جميع اللاعبين وافقوا باستثناء أنا وربيع يسن وطاهر أبوزيد الذى كان يقضى فترة علاج معنا فى ألمانيا بعد إصابته فى فخذه إصابة بالغة، واجتمع بنا الكابتن الجوهرى وطلب الموافقة على قراره فصممت أنا وربيع على موقفنا فخيرنا إما بالاستمرار أو بالرحيل عن المنتخب، فاخترنا الرحيل وزاد الكابتن فى عناده معى وضم ثابت البطل لصفوف المنتخب وهددنى بالاستبعاد التام، فكان ردى فى الملعب قويًا. وظللت الحارس الأول لمنتخب مصر أيضًا فوجئت ذات يوم بطلب منه أن أتنحى عن منصب كابتن المنتخب بحجة زيادة التركيز مع الفريق وهو الطلب الأغرب فى حياتى، وكان ينوى إعطاء الشارة لأحد اللاعبين المقربين جدًا منه وكان يعلم أننى غالبًا لا أرفض له طلباً وألبى معظم تعليماته، إلا أننى رفضت بشدة وقلت له لن يحدث ولن أتنازل عن حقى فى قيادة المنتخب وإن كان يرى أن استبعادى أفضل فأهلاً وسهلاً، فما كان منه إلا أن طلب منى أن أنسى هذا الأمر تمامًا وكأن شيئًا لم يكن.

أيضًا الجوهرى كان صديقًا للاعبين يسمع مشاكلهم وأزماتهم ويتدخل لحلها، وأذكر أننى واجهت أزمة أسرية عنيفة للغاية كادت تعصف بالمنزل وحياتى الأسرية وسألت الجوهرى فحكيت له بكل صراحة لأنه كان بمثابة الوالد والأخ الأكبر، ولم تمض ساعات حتى انتهت المشكلة تمامًا وعلمت أنه تحدث مع زوجتى بل إن السيدة الفاضلة حرمه تدخلت هى الأخرى وانتهى الأمر على خير..

ولا يمكننى أن أنهى هذه السطور دون أن أذكر تجربة الجوهرى مع الزمالك فقد فوجئنا يومًا بأن الجوهرى مدير فنى للزمالك ولم أتمالك نفسى وذهبت إليه فى نادى الزمالك مهنئًا ومتمنيًا له التوفيق، وكانت مفاجأة لجمهور الأهلي قبل الزمالك وبعدها بعدة أشهر كان الزمالك يلاعب كوتوكو فى نهائى كأس إفريقيا وتحدثت معه هاتفيًا متمنيًا له التوفيق وكانت مشكلة انتقال رضا عبدالعال من الأهلى للزمالك فى أوجها فطلب منى أن أصطحب رضا عبدالعال إلى استاد القاهرة لتكون بادرة طيبة منه تجاه لاعبى وجماهير الزمالك ووافقت دون تردد ولكن للأسف الشديد لم تتقبل جماهير الزمالك وجود رضا عبدالعال واضطررنا لمغادرة الملعب ويومها حطمت الجماهير سيارتى بالكامل وأنقذت رضا عبدالعال من الموت بمعجزة.

أيضًا لا بد أن يعرف الجميع أن مصر لم تأت بمدرب فى إخلاص وحماس واحترافية الجوهرى فقد كان يستدعى اللاعبين فى تدريبات منفردة ومحاضرات عملية ونظرية لإصلاح بعض العيوب والأخطاء، وكان طبيبًا نفسيًا للفريق وكان استاذًا فى تجهيز اللاعبين للمباريات المصيرية بأسلوب رائع وحماسى كبير.

وأختتم بموقف طريف عندما ظل طاهر أبوزيد يشكو من إصابة عضلية ورغم تأكيد الأطباء أنه سليم مائة بالمائة إلا أن طاهر كان يشعر ببعض الآلام فوجدنا الجوهرى يحضر حقنة ويؤكد لطاهر أنه أحضرها مخصوص من ألمانيا لحالته وأنه بعدها لن يشكو أبدًا من أى آلام وبالفعل بعدها لم يشك طاهر أبدًا بل أصبح النجم الأول بأهدافه فى الفريق وفى جلسة ودية سألته عن نوع هذه الحقنة السحرية فوجدته يضحك ويقول لى إنها حقنة مقويات عادية باثنين جنيه فقط لا غير ولكنه قرر أن يلعب معه على الجانب النفسى وهو ما نجح فيه الجوهرى ليس مع طاهر أبوزيد فقط ولكن مع كل الأجيال التى دربها العظيم محمود الجوهرى والذى لن تأتى مصر بمدرب مثله أبدًا فى أخلاقه وحبه لعمله.. ويكفى أنه المدرب الذى صعد بمصر لكأس العالم وأولمبياد برشلونة وحصل على كأس إفريقيا وكأس العرب ونجح نجاحًا ساحقًا مع المنتخب الأردنى الشقيق.