أخلاقيات الربح والخسارة بين الوفاء والجفاء !

منوعات

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


هل يدخل الوفاء في تحقيق الربحية المادي أو المعنوية؟؟ وكيف سيتم ذلك؟ وعندما يفشل المرء في أن يكون وفيا، لأي سبب كان، نقص في التربية، او فشل في مقارعة نزوات النفس، هل سيتضرر ويخسر ماديا؟، واذا تخلّى عن الوفاء، في السلوك الانساني العام والعلاقات المختلفة، وفي التعاملات المادية كالبيع والشراء والتبادل التجاري وما شابه، هل سيتعرض تارك الوفاء للخسارة؟، وهل يمكن أن نطلق على نقيض الوفاء، بالجفاء؟؟.

وقبل ذلك لنفهم ما هو المعني بالوفاء، يقول ابن منظور في معنى الوفاء لغة: هو "الخلق الشريف العالي الرفيع. وجاء في المعجم الوسيط عن الوفاء: وفى الشيء يفي وفاء، ووفياً. وأوفى بالوعد والعهد: أي وفى. ووفى فلاناً حقه: أوفاه إياه. والوفي: التام والكثير الوفاء، وجمعها أوفياء. أما الوفاء اصطلاحاً، فقد قال الجرجاني ان الوفاء هو: ملازمة طريق المواساة ومحافظة عهود الخلطاء. وقال الغزالي ان الوفاء هو الثبات على الحب وإدامته إلى الموت معه، وبعد المـوت مـع أولاده وأصدقائه. أو هو: أداء الحق.

وفي المجمل الوفاء في المعنى اللغوي: يعني الخلق العظـيم الـدال علـى التمـام والإكمال. والوفاء أنواع، فالوفاء بالعهد إتمامه، وعدم نقض حفظه، والوفاء بالعقد إما أن يكون العقد كالعهد، فهو الأول، أو العقد ما اتفق عليه المسلمون، المسلمون عند شروطهم، وهناك الوفاء بالوعد والعهد والعقد، الوفاء بالوعد إتمامه، وبذله من تلقاء النفس ولو كلف النفس ثمناً باهظاً، الآيات التي تتحدث عن الوفاء تزيد عن عشرين آية: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) هذا الوفاء بالعهد على أنه أمر، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب. (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) (سورة الأنعام).

ويرى أهل الشأن بأن الوفاء خصلة اجتماعية خلقية تتمثل في التفاني من أجل قضية ما أو شيء ما بصدق خالص والوفاء أصل الصدق. وبمعنى آخر هو صفة إنسانية جميلة، عندما يبلغها الإنسان بمشاعره، فإنه يصل لأحد مراحل بلوغ النفس البشرية لفضائلها، والوفاء صدق في القول والفعل معاً، والغدر كذب بهما، والوفاء يلزم القيم السامية والمثلى للإنسان، فمن فقد عنده الوفاء فقد انسلخ من إنسانيته، وقد جعل الله الوفاء قواماً لصلاح أمور الناس. وقد قال الله عز وجل: (بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين) (آل عمران).

الذوق السليم والطبع الكريم

والوفاء مفردة وفعل يقترن بالالتزام، وهي تلك الصفة التي يتمتع بها أهل الذوق السليم والطبع الكريم. صفة كريمة يشعر بها المرء دون أن يدركها إدراكا ماديا. أما الجفاء فهي عكس ذلك تماما، مع ترك أهل الاحسان وانهاء الصلة بمن أحق بها، عند ذاك يعطي الجفاء مفعوله، فيفسد الاخاء، وهذا هو المطلوب منه!.

والسؤال المطروح هنا، كيف ينعكس مفعول الجفاء على الربحية؟، هل سيكون عاملا مساعدا على الخسارة، وبالمقابل ماذا يستفيد الانسان من الوفاء في التعاملات المادية التي تهدف الى الربح المادي؟، ويتساءل كثيرون عن ماهية الجوهر الاخلاقي للوفاء، بتحقيق الربحية، وأين تكمن، وكيف يمكن أن يكون الانسان الوفي للآخرين، أكثر ربحا من غيره، فيما يتعرض من ينتهج الجفاء في حياته الى خسائر مستمرة؟.

يقول الإمام علي عليه السلام: (الْوَفَاءُ عُنْوَانُ الصَّفَاءِ).

بمعنى أن الوفاء عنوان أو دليل وعلامة الصّفاء، أي أنّ الشخص إذا كان يفي بالوعود الّتي يقطعها للناس فذلك علامة على أنّ باطنه صاف ومنزّه عن المكر والحيلة، وهذا سوف يساعد على زرع الثقة بالانسان الوفي من المحيط الاجتماعي الذي ينشط ويتحرك فيه، فإذا كان تاجرا، فإن الوفاء سوف يساعده على كسب ثقة المتعاملين معه، واليوم كبريات الشركات تتنافس بقوة لكي تكسب ثقة الزبائن بها، بل يذهب علماء الاقتصاد الى أن عامل تعميق ثقة الزبائن بالمنتج والسلعة الاقتصادية يعد حجر الزاوية لتحقيق الربحية الأعلى.

لا يتعلق هذا الامر بالشركات والمصانع والمشاريع الربحية الكبيرة فقط، وانما ينطبق حتى على اصحاب المشاريع الربحية الصغيرة، بل حتى على الافراد واصحاب الدكاكين، فهؤلاء ايضا من اجل تحقيق الربح الفردي عليهم بالوفاء، ليس بطريقة مقحمة ومصطنعة، وانما تحصيل الوفاء واتقانه بطريقة مبدئية ثابتة، لا تتزعزع وفقا للظروف أو المصالح، فالانسان الوفي فردا او جماعة، عليه ان يبقى وفيا في جميع الحالات.

أما من يرى في الجفاء طريقا له في التعامل مع الآخرين، لأي سبب كان، فإن الخسارة سوف تكون من نصيبه، وحصيلة فعله ومنهجه هذا، إذ انه يخسر عنصر الربحية الاول بسبب جفائه للناس، ونعني بذلك خسارته لثقة الناس به والابتعاد عن التعامل معه، وهذا ما سيقوده الى خسائر كبيرة، مادية ومعنوية، بسبب اسلوبه الفض في ادارة العلاقات الانسانية او المادية مع الاخرين.

إدامة العلاقات الانسانية

قد يعتقد بعضهم، أن العلاقات الاقتصادية لا علاقة لها بالعلاقات الإنسانية، وربما يفكر هؤلاء أن تحقيق الربح في المشاريع الاقتصادية والانتاجية الصغيرة والكبيرة، يقوم على أسس اقتصادية بحتة، لا تتدخل فيها الجوانب الانسانية، ولكن عندما نبحث في جوهر علم الاقتصاد والتسويق، سنجد هناك تأكيدات على الجانب الانساني، ومنه كسب ثقة الزبائن، والتآخي معهم، وقد اشترط علم التسويق الى جانب العناصر المهمة، ذات المنحى المادي، أن يكون جوهر العلاقة بين البائع والمشتري انسانيا، قائما على المصلحة المتبادَلة.

وهذا دليل واضح على أهمية أن يقيم صاحب المشروع الاقتصادي علاقات انسانية راسخة مع الجميع، ومنهم وربما على رأسهم الزبائن الذين يقتنون منه سلعته الانتاجية مهما كان نوعها، فلا يمكن تحقيق الربحية باسلوب الجفاء والتنكّر لانسانية الآخرين، والتعامل معهم بترفّع وتعالي وجفاء، فهذا الاسلوب يمكن أن يكون سببا كافيا لافشال أي مشروع اقتصادي يعتمد على معادلة البيع والشراء.

يقول الامام علي عليه السلام كما ورد في كتاب (غرر الحكم): (الْجَفَاءُ يُفْسِدُ الإِخَاءَ).

فالجفاء هو ترك الصِّلة والإحسان، وهو يفسد الإخاء، فمن أراد مؤاخاة وصداقة شخص فعليه المداومة على صِلته والإحسان إليه، وإلاّ لم يَبقَ الإخاء والصداقة، وهذا يؤدي بدوره الى ابتعاد الناس عمّن يتعامل معهم بجفاء، فلنتصور مثلا صاحب مصنع كبير او صغير، يتعامل مع الجميع بجفاء، فماذا يمكن أن تكون النتيجة، نعم تشترك عناصر كثيرة انتاجية وادارية وما شابه في تحقيق الربحية، ولكن مهما تكون هذه العناصر جيدة ومتقنة، لابد أن تُدعهم بالجانب الانساني للتعامل مع الزبائن وغيرهم.

هذا هو الطريق الصحيح الذي يستطيع أن يحقق من خلاله التاجر وصاحب المشروع الاقتصادي الصغير والكبير، الربحية المطلوبة، أما في حالة عدم الاهتمام بهذا الجانب، أي عندما يستند اسلوب التعامل مع الاخرين على الجفاء، فإن النتيجة الحتمية هي فقدان الربحية المادية والمعنوية، والفشل في التطور الاقتصادي مهما كانت عناصر الاقتصاد العلمية داعمة للمشروع، فالتعامل بوفاء والابتعاد عن الجفاء حجر الزاوية في تحقيق الربحية.