منال لاشين تكتب: الملف الخطير.. اضبطوا الأسعار قبل الانفجار

مقالات الرأي



كل أحاديث مصر تتقاطع مع قضية الغلاء، الغنى والفقير وفى القلب الطبقة الوسطى التى أنتمى إليها، كل حوار فى السيما فى الحب فى السياسة حتى فى الجنس سينتهى الحوار إلى غلاء الأسعار والجنون الذى يعانى منه المواطن فى رفع الأسعار بشكل يومى تقريبا.

فى أحد هذه الحوارات اليومية والمتكررة سمعت لأول مرة المثل الشعبى «الجعان أخو المجنون» لم أستوعب المثل للوهلة الأولى، ولكن تتابع الأحداث جعلنى أتذكر هذا المثل، فهناك كم هائل من الشائعات غير المعقولة والتحليلات التى لا يمكن أن يقبلها منطق أو عقل، ومع ذلك هذه الشائعات أو التحليلات تنتشر وتجد لها آذانا صاغية، ويكثر المدافعون عنها والمؤمنون بها، واعتقد أن جزءًا من هذا الجنون له علاقة بحالة الغلاء غير المسبوق، والخوف من الجوع، الخوف من اليوم الذى لا تجد فيه فى يداك أموالا تكفى لشراء أبسط الأشياء، كيلو العدس أو البيض أو السكر أو الفول أو البطاطس، فالغضب الكامن من جنون الأسعار يعبر عن نفسه فى مواقف أخرى، فالمواطن بذكائه فهم أنه لا حيلة له أمام الأسعار، ولكنه وإن تحمل هذا الجنون مؤقتا، فإن الغضب الكامن يعبر عن نفسة فى قضايا أخرى، ربما تكون القضية فسادًا أو حتى أحد الانجازات التى تروج لها الحكومة، حتى لو كان الإنجاز حقيقيًا فسوف تسمع تعليقات أو تحليلات مجنونة، هذه حالة غضب يعبر عن نفسه عبر قنوات أخرى وصور أخرى، غضب لا يمكن فصله عن جنون الغلاء وفوضى الأسعار وعجز الحكومة عن السيطرة على التجار، حالة غضب لا تسمح لصاحبها بالاستمتاع بلحظات الفرح أو بتقدير الإنجازات أو حتى رؤية الطريق الجديد الذى يوفر له نصف الوقت، فما أهمية الوقت إذا كنت عاجزا عن توفير الحد الأدنى من طعامك وحياتك، أو تشعر بأنك تتلقى كل يوم ضربا على قفاك.

فالغلاء بعد تعويم الجنيه أصبح كالنار بالمعنى الحرفى للكلمة، النار تحرق العشرة جنيهات والخمسين والمائة والمائتين، وهذه النار تزيد يوما بعد آخر، فحتى مع ثبات سعر الجنيه أم الدولار ووصوله لحد 18 جنيهًا للدولار الأسعار كل الأسعار كل المنتجات محلى ومستورد طعام وشراب وملابس كل هذا يخضع لزيادات شبه يومية، بدون منطق، بدون سبب، بدون مواجهة، ادخل السوبر ماركت أو السوق أو الجزار أو أى محل فاشعر بعجز مستمر، وبقهر موجع وقلق متنامٍ، كنا نشعر بهذه المشاعر، عجز فى مواجهة الارتفاع اليومى، وقهر لأن التجار يتحكمون بنا ويلعبون بنا وباحتياجاتنا، وقلق من يوم لا استطيع فيه تحمل المزيد من ارتفاعات الأسعار المتتالية، قلق من يوم تلتهم الأسعار دخلى دون أن أتمكن من شراء احتياجاتى لمواصلة الحياة بصرف النظر عن نوعية هذه الحياة.

واستمرار التعايش مع هذا الغلاء كارثة بكل المقاييس، وإذا لم يتم السيطرة على الغلاء سيحدث انفجار ما، ليس شرطا أن يكون الانفجار فى شكل ثورة أو احتجاجات شعبية فى الميادين، لأن المصريين بوعيهم الوطنى يدركون أن ثمن الفوضى سيكون فادحًا وسيزيد من معاناتهم، وربما يغرق الوطن كله، ولذلك فالانفجار لن يأتى فى الغالب على شكل ثورة، الانفجار الأقرب هو انفجار نفسى بعدم الرضا عن أى شئ وكل شىء وتصديق الشائعات والرغبة فى إنكار أى إنجاز ولو كان حقيقى، انفجار يعبر عن نفسه فى قضية سياسية أو حتى ثقافية أو فى الصراع المجتمعى الدائر حول تيران وصنافير أو فى هجوم كاسح على مجلس النواب لو مرر الاتفاقية.

انفجار يطيح بالحد الأدنى من الثقة فى الحكومة وفى المستقبل، ويصنع حاجزا بين الوعود بنجاح أو راحة أو غد مشرق، فإذا كانت الحكومة والنظام عاجزا عن ضبط الأسعار، وحماية المواطن من جشع التجار، فكيف يصدق المواطن أن هذه الحكومة ستقدم له غدا أفضل، هذه ليس مقال رأى لكنه مجرد كلمة لمواطنة تواجهه غلاء الأسعار بدون أى أسلحة، واجهوا غلاء الأسعار قبل الانفجار.