صرخة من "بطن البقر".. هنا تموت صناعة "الفخار"

العدد الأسبوعي

ناعة الفخار - أرشيفية
ناعة الفخار - أرشيفية


15 ألف عامل مهددون بالتشريد

أصحاب الورش والمصانع: رئيس حى مصر القديمة السابق هددنا "بلاش عنتظة علشان المستثمرين جاهزين بملياراتهم"


فى الوقت الذى تتعالى فيه أصوات الحكومة بضرورة دعم الصناعات المحلية للتغلب على الأزمات الاقتصادية التى تعيشها مصر، نجد مسئولى الحكومة ذاتها هم من يضعون العراقيل فى طريق هذه الصناعات، وليس أدل على ذلك سوى مأساة صناع «الفواخير» بمنطقة بطن البقر بحى مصر القديمة بالقاهرة.

مأساة عمرها 15 عاماً يعيشها صناع «الفواخير» نتيجة سياسات حكومية خاطئة، تنذر باختفاء تلك الصناعة، وتشريد أكثر من 15 ألف عامل، لتفتح الباب على مصراعيه أمام توغل المنتجات الصينية فى الأسواق المصرية. عندما تطأ قدماك منطقة «بطن البقر»، تجد أرصفة الشوارع مليئة بالاف التحف والانتيكات المصنوعة من الفخار، فى مشهد أقرب للمعرض الأثرى، لكنك بمجرد أن تقترب من أصحابها لتسألهم عن سبب عرضهم لبضائعهم بهذا الشكل، يصرخون وعيونهم تملأها الدموع، قائلين فى حسرة شديدة: «منها لله الحكومة.. والسبب الوعود الكاذبة لمحافظة القاهرة التى أعلنت عن تأسيس قرية الفواخير منذ 15 عاماً ولم تنته إلا من 50% من المشروع بأكمله».

«الفجر» فى جولتها الميدانية بمنطقة « بطن البقر» استمعت لتفاصيل المأساة من أصحاب الورش والمصانع، مناشدين هيئة الرقابة الإدارية بالتدخل السريع للتحقيق فى معونة أمريكية تقدر بـ«65» مليون جنيه حصلت عليها وزارة التعاون الدولى، للإسراع فى تأسيس هذه القرية، مطالبين بمحاسبة مسئولى «المحافظة».

بدأت مأساة عمال « الفواخير» مع المحافظة، حينما شرعت الأخيرة فى طردهم خارج المنطقة التى يقطونها منذ سنوات طويلة، فلجأوا إلى «القضاء»، فانصفهم، مؤكداً أحقيتهم الكاملة بتخصيص مصنع وورشة لصناعة منتجات الفخار فى مبانى القرية بعد تطويرها جزئياً، وهو ما تضمنته الدعوى رقم 459 لعام 2009 مدنى كلى جنوب القاهرة التى نصت على إلغاء أحكام الطرد من جانب محافظة القاهرة.

أحمد زكى رئيس الجمعية الإنتاجية لصناعة الفخار والخزف، قال: وزارة البيئة داهمت حى بطن البقر عام 1999 بسبب الكوارث البيئية التى فعلها أصحاب ورش ومصانع الفخار نتيجة السحابة السوداء والتلوث البيئى فى الحى، نتيجة حرق الأخشاب داخل أفران التسوية حتى توجهنا للوزارة، وطالبتنا بتوفيق أوضاعنا مع الاستمرار فى مزاولة نشاطنا، فتوجهنا إلى مركز الطاقة والتكنولوجيا بجامعة القاهرة وشرحنا مشكلتنا فى منظومة الحريق، وتعاون معنا عدد من المهندسين وتوصلوا معنا لحل ببناء فرن لتسوية الفخار صديق للبيئة إلا أنه كان مكلفاً للغاية آنذاك. أضاف زكي: اللجنة منحتنا شهادات دولية تسمح بالعودة لمزاولة المهنة وفتح مصانعنا، وقدمنا هذه الشهادات لوزارة البيئة، وتم اعتمادها والموافقة على تصميمات الفرن المشتعل، وبعدها توجهنا إلى محافظة القاهرة بهذه الشهادات التى صدقت عليها لجنة «الطاقة» بجامعة القاهرة واعتمدتها وزارة البيئة، ففوجئنا بقرار من المحافظة بغلق جميع المصانع والورش إدارياً.

بعدها لم نجد حلاً سوى تنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر المحافظة احتجاجاً على هذا القرار، ففوجئنا بأن وزيرة التعاون الدولى الدكتورة فايزة أبو النجا تطلب الجلوس معنا لتساعدنا فى حل الأزمة، فاقترحت علينا تطوير هذا المكان، ليصبح قرية إنتاجية لصناعة «الفواخير» فى مصر حضارى بشكل يليق بمكانة هذه المنطقة التاريخية. حينها، طلبت «أبو النجا» من محافظة القاهرة إجراء دراسة جدوى عن تكاليف هذا المشروع،

وكانت عبارة عن  إنشاء 152 ورشة متفاوتة المساحات ، ومنطقة خدمات عبارة عن دكاكين حدادة وخراطة بنسبة 10%، و90% للعاملين بمهنة الفخار، ومركز تكنولوجى ومسجد، وأرسلت المحافظة الدراسة لمقر وزارة التعاون الدولى ، مع التكلفة الإجمالية للمشروع التى قدرت بـ 63 مليون جنيه، وبعدها قامت المحافظة بإزالة الورش بالكامل، ووعدونا بالانتهاء من المشروع خلال  12 شهرا، لكن ظل المشروع قيد التنفيذ رغم مرور أكثر من 15 عاماً على هذه الوعود.

رئيس الجمعية الإنتاجية لصناعة الفخار والخزف، اختتم كلامه، موجهاً اتهاماً لمحافظة القاهرة بالاستيلاء على المنحة الأمريكية التى حصلت عليها عن طريق وزارة التعاون الدولى، مطالباً بإسناد المشروع إلى الإدارة الهندسية للقوات المسلحة، مضيفاً: «رئيس حى مصر القديمة السابق هددنا خلال اجتماعنا معه، بقوله: بلاش عنتظة أنا معروض عليا مستثمرين يشتروا قريتكم دى بمليارات عشان يعملوا فيها استديوهات تصوير سينما! وكان ردى عليه اللى هيفكر يدخل هنا غير الغلابة دول هندفنه فيها بدل ما نشتغل هندخل السجن بقى!»

والتقط منه طرف الحديث، عبدالله حسن صاحب مصنع فخار، قائلاً: أنا مهدد بالطرد فى أى لحظة لأن المحافظة لم توافق على منحى جوابا بتسليم الورشة»، متابعاً: «بقالى 12 سنة قاعد فى البيت بعد ما خلونى هديت المصنع اللى حيلتى أنا وعيالى، وأعطونى مكاناً بديلاً له أصغر من مصنعى القديم دون أى ورق يثبت ملكيتى له».

تجولنا داخل الورش الجديدة التى لم تنته المحافظة من تشطيبها، ولاحظنا تآكلا فى الجدران وتصدعات تداركها السكان المحيطين بالقرية، وقاموا بترميمها بشكل مؤقت خوفاً من انهيارها على رءوسهم، وقال كرم النزيه، أحد المتضررين: سألت محافظ القاهرة جلال السعيد، عند زيارته لقرية الفواخير قبل انتقاله لمنصب وزير الإسكان،  فى إحدى المرات فقلت له  يا سيادة المحافظ  أين مبلغ المعونة الأمريكية الذى تم وضعه فى البنك لمشروع القرية، فرد قائلاً: المبلغ تم وضعه فى خزينة الدولة، ولم يرغب بعد ذلك فى التحدث معى، مختتماً كلامه: «مفيش حد يرضى الظلم.. وإحنا اتبهدلنا.. وصناعة الفواخير تموت».