نادية صالح تكتب: هل "المثالية" تشقى الإنسان؟

مقالات الرأي



حمل إلىّ البريد هذه الرسالة تحمل سؤالا توقفت عنده كثيرا، قالت صاحبة الرسالة (أ.م) وسألت: «هل المثالية يمكن أن تشقى الإنسان؟ أرجو أن تجيبنى فأنا اقرأ لك دائما.. وارجو أن تسمعى حكايتى»، واستطردت القارئة العزيزة تقول:

«طلبت الطلاق من قريبى الذى تزوجته زواجا عاديا لأنه شاب فاضل، له خلق طيب ويشغل وظيفة محترمة، وتصورت أن هذا يكفى، وسارت بنا الحياة وأنجبت منه ولدين.. وفقهما الله وهما الآن نور عينى، تزوج كل منهما ويعيشان حياة مستقرة والحمد لله، ولكن المهم فى حكايتى أن أباهما كان رجلا «مثاليا» إلى أبعد الحدود حتى أن رئيسه فى العمل قال عنه يوما إذا أردنا أن نقيم تمثالا للأمانة فلن نجد مثل فلان هذا يمثل الأمانة والاستقامة ولكل ما هو مثالى!

ومع ذلك وربما يدهشك ياعزيزتى أننى بعد سنوات من هذا الزواج طلبت الطلاق بعد أن ضقت بهذه المثالية.. وارجوك لاتندهشى.. فأنا مثلك أندهش ولكن هذا ما كان وقتها.. لقد شعرت أن (مثاليته) حرمته من عدة ترقيات على سبيل المثال، ولم يدافع عن عدد من الحقوق كان يستحقها وآثر السلامة فى هدوء.. «مثالى» كما كانوا ينادونه.. واستطردت القارئة وقالت فى رسالتها:

«تم طلاقنا بهدوء شديد .. لم يحاول الدفاع عن حياته وحياتنا معا.. آثر السلامة كعادته وأخذت حريتى، وبحثت عن زوج آخر تمنيت أن أعيش معه بقية حياتى بشكل عادى.. وكان أن تزوجت رجلا ناجحا.. محترما -عشت معه سنتين- واجبرتنا الظروف على الانفصال. وبعدها -صدقيني- قررت أن أعيش لأولادى ولنفسى وعملى فأنا موظفة مرموقة فى عملى.. وطلبت من الله الستر، ثم تضيف صاحبة الرسالة وتقول:

«لم تقف أحداث حياتى عند هذا الحد بل طلب منى طليقى (المثالي) أن يعود لنستأنف حياتنا من جديد، لكننى رفضت وأصررت على الرفض وقلت له نحن أقرباء وأنت أبو أولادى وهذا يكفى، وكنا على علاقة طيبة عن بعد.. ورضى الرجل بهذا القدر من الحياة.. فهو «مثالى» لايجرح أحدا ولا يجتهد للوصول إلى حقه أو ما يطلبه، حتى كان ذلك اليوم الذى فاجأته أزمة قلبية لم تمهله إلا أربعة أيام فى المستشفى رحل بعدها قريبى وطليقى أو قل زوجى فقد طلبت منه «باكية» وهو على فراش مرضه الذى أودى بحياته، طلبت منه أن يردنى زوجة من جديد.. ورأيت الفرحة والموافقة فى عينيه وهو فى الانعاش، وصدقينى ياسيدتى أننى الآن أشعر بقيمة هذا الرجل الطيب وأقدر خصاله الكريمة التى رأيتها يوما «مثالية» اكثر من اللازم جعلت حياتنا شقاء حتى طلبت الطلاق كما حكيت لك، الآن يبقى سؤالى معلقا ابعث به إليك لعلى أجد الاجابة:

«هل المثالية تشقى الانسان؟»

ويلحق بسؤالى هذا سؤال آخر.. هل أنا أرملة لهذا الرجل الطيب؟! أم أنا طليقته؟

لقد طلبت منه ووافق أن يردني وهو على فراش المرض.. فهل أنا أرملته؟ هل مجرد الايجاب والقبول يجعلنى زوجة من جديد وأنا لا أرجو من وراء ذلك أى غنيمة أو ميراث مثلا بل هدفى هو راحتي النفسية.. حتى لا أكون قد ظلمته يوما..

والآن.. وبعد أن استعرضت معكم ملخصا لهذه الرسالة الغريبة.. تأملوا معى هذا السؤال:

هل المثالية تشقى الانسان؟

وللحق لا أجد لهذا السؤال أجابة واضحة أو شافية.. ولكن إجابتى -وقد أكون مخطئة- تميل إلى ضرورة أن تكون أخلاقنا وسطا فى كل شيء، فالمثالية ربما يراها البعض أحيانا غلوا وزهدا قد ينقص من حقوقنا كما حدث معك أو مع زوجك «المثالى» يرحمه الله، فنحن نعيش فى «دنيا» ياعزيزتى ولسنا فى الجنة.. وسوف تظل فى هذه الدنيا أسئلة ليست لها إجابات قاطعة ولكن تذكرى دائما أنه لايصح إلا الصحيح دائما.. وأظن أن هناك بعض الفروق بين الصحيح والمثالى.. والله معك: ولايهم سواء كنت أرملته أو طليقته.. فقد ذهب كل شيء.. المهم أن ترضى بما قسمه الله من هذه الحياة أو على الأصح فى هذه (الدنيا).. وشكرا على رسالتك التى تأملناها معك.. وكلها دروس فى هذه الدنيا.