فى عيد الحب.. أحمد عزيز يقدم قراءة ثقافية لكتاب " الحب فى التراث العربى"

الفجر الفني

أحمد عزيز
أحمد عزيز


قدم أحمد عزيز، باحث دكتوراه في النقد الأدبي بكلية الآداب جامعة عين شمس قراءة ثقافية ونقدية لكتاب "الحب في التراث العربي" للدكتور محمد حسن عبد الله الصادر عن " عالم المعرفة بالكويت " ؛ وذلك اليوم في ذكرى عيد الحب .

 

وأكد أحمد عزيز أن الحب هو جوهر الحياة، وسر السعادة، أصل العلاقة بين البشرِ، أَرْوَاح الديانات السماوية كلها وبغيتها التى أُرسلَتْ من أجله، وهو أغلى ما يمكن أن يمنحه الإنسان فى حياته، فالحبُ عقيدةٌ راقيةٌ.

 

 

وأشار أن المؤلف يبدأ كتابه بالحديث النبوى "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" والحب أنبل العواطف التى رددها الشعراء والكتاب قديمًا، ومن الأسباب التى دفعت المؤلف لكتابة كتابه أنه يرى أن الحب شديد الإغراء، والتأليف فيه سهل الانزلاق، وقد اعتمد على كتب التراث، ولم يتطرق إلى المعاصرين إلا إلمامًا إنصافًا للقدماء وتحريرًا لرؤيته من أية أفكار مسبقة، وقد حاول أن يحقق التوازن بين الجدية والترفيه، وبين الجهامة والمداعبة، وذلك حسبما يقول ليس إرضاء الناس كافة، فهو غاية لا تدرك؛ إنما لأن ذلك هو الطريق الوحيد لتأليف كتاب عن الحب.

 

 

وقد أورد المؤلف عن الأصمعى أنه سأل أعربية عن العشق "فقالت: جل والله عن أن يرى، وخفى عن الأبصار الورى، فهو فى الصدور كامن ككمون النار فى الحجر، إن قدحته أورى، وإن تركته توارى".

 

 

ويذكر أيضًا " إن العرب عرفت الحب فى كل العصور ففى العصر الجاهلى عُرف الحب فى مستوياته جميعًا، الحسية والعذرية، الطبيعية والشاذة، بين الفتيات وبين العشاق من أزوراج وزوجات وعواهر، وأشعار امرئ القيس وحده يمكن أن تجد فيها الألوان من الحب على اختلاف مستوياتها، مما قد يعنى التلقائية والاستجابة للدافع الوقتى، وقد يعنى اختلاف المستوى مع مراحل العمر عوامل الاستقرار والسيطرة والقلق والانفلات، إلى أن جاء الإسلام ولم يكُ الحب أو العشق من الكلمات المحرمة أو المكروهة، بل كانت تتداول بين الصحابة باللفظ أو المعنى، فعبد الله ابن عمر كان قد اشترى جارية رومية، وقد أحبها حبًا جمًا، فالصحابة بشر، أداؤهم للفرائض وتطلعهم إلى الله لا يعنى العجز عن تذوق الجمال أو رفض المباح من متع الدنيا".

 

 

وبعد ذلك يؤرخ صاحب الكتاب للأحقاب الزمنية عند العرب حتى انطلق الحب من الشعور الفردى إلى التصور الكونى بداية من الأمويين حتى العباسيين إلى أن انتشر الحب مع اتساع حركة الفتوحات وتنوع مناهل الثقافة العربية والترجمة.

 

وقد أرخ الدكتور محمد حسن عبد الله، لأصنافٍ شتى من المهتمين بالحب: فقهاء وفلاسفة وأطباء ومنجمين ومصنفين فى كل فن، حتى تجار العطارة أوضح تأثيرهم الفعال ببضاعتهم وتركيب وصفات لها تأثير سحرى موقد لعواطف الهوى والعشق. هذا فضلًا عما أورده عن أخبار الشعراء والقصاصين، فقد كان الحب هو عماد صنعتهم ومحور تجارب أكثرهم، ويختم المؤلف كتابه بقوله " الحب عاطفة جديدة، ومستمرة، تظل فى حالة تفاعل ما عاش الإنسان".

 

 

ويذكر أن الكتاب جاء فى عشرة فصولٍ متكاتفة وهى كالآتى على التوالى: من الهامش إلى الصميم، هذا الصنف من المؤلفين، الحب فكرة وسلوك، الحب والجنس، الحب من البداية إلى النهاية، روافد واتفاقات، الحب فى الدراسات الموسوعية، قصص الحب، حسيون وعذريون، الطريق إلى رؤية جديدة.

 

 

يستخلص الباحث أحمد عزيز إن خلاصة ما يريد أن يقوله الدكتور محمد حسن عبد الله، هو أن الحب حضارة، فالحبُ هو الحياة فلا يقل أهمية عن الهواء والماء، وللعرب صلة بالفن القصصى المعبر عن الحب والكواكب، وفى سردهم لتاريخ القبائل البائدة، ويمكن لنا أن نلاحظ الحب بقوة فى قصص العذريين وقصص المتصوفة حتى عصر المقامات.

 

ويذكر أن المؤلف درس عدة كتب عربية قديمة تم تأليفها فى الحب نذكر منها القاضى التنوخى الذى قد عقد باباً كاملًا فى كتابه " الفرج بعد الشدة " تحت عنوان " فى مَن نالته شدة فى هواه " والكتاب طويل ويتناوله الدكتور محمد حسن عبد الله بالتفصيل الشامل لكل جوانب وقضايا المخطوط، والتنوخى رغم طول فصول كتابه إلا أنه أجاد عرض القضية بحكمة مناهج البحث العلمى الحديث، فالكتاب محكوم فى اختياراته من الأخبار والقصص بالمعنى الأخلاقى: شدة يعقبها فرج، وهذا المغزى الأخلاقى يتحكم بدوره فى شكل الخبر أو القصة التى يرويها التنوخى، وقد جمع فيه قصص المحبين وما نالهم من الشدائد وكيف فازوا بلذة جمع الشمل بعد الصبر على المكروه، ونهاية فالدكتور محمد حسن عبد الله أستاذ كبير للنقد الأدبي بكلية دار العلوم جامعة الفيوم  يقدم مادة كتابه فى شكل علمى تاريخى رائق حد الاندهاش. ومازال عطاؤه مستمرًا حتى الآن فهو نهرٌ فياضٌ من الإبداع والفكر فله غمرة فيض من المحبة على ما قدمه للثقافة والمعرفة.