"بياصة الشوام".. قبلة الفقراء من مقتنيات الأثرياء لسوق للبالة بالإسكندرية (فيديو وصور)

محافظات

بوابة الفجر


اشتهرت الأحياء السكنية القديمة بمحافظة الإسكندرية بأسواقها الشعبية، التي أخذت طابعاً مميزاً بمر العصور، بارتباطها بالنسيج التاريخي بالمنطقة وحمل حكاياتها والاحتفاظ بباقٍ ملامحها وموروثاتها الشعبية، وداخل حي العطارين العتيق والذي يعد أقدم أحياء المحافظة ذات الطراز اليوناني المعماري الفريد، والمركز التجاري الأشهر في تجارة الأثاث والانتيكات، يقع سوق"السوريين" أو ما عرف قديماً "بياصة الشوام" والذي قام على تأسيسه مجموعة من الشوام واليونانيين المقيمين قديماً بالمحافظة منذ أكثر من 100سنة، لبيع الملابس المستعملة، وقد ساعد تاريخه وتطوره إلى تواجده إلى وقتنا هذا.

وقد بدأت حكاية سوق السوريين أو العطارين ببيع مخلفات ملابس الجيش الانجليزي ومقتينات القصور في أوائل القرن الماضي، وجمع ملابس الأسر الثرية المستعملة وبيعها بأسعار منخفضة للمواطنين محدودي الدخل، وبمرور الوقت، احتفظ سوق السوريين إلى اليوم بتجارته ببيع الملابس المستعملة من المنازل عن طريق عمال"السكسونيا"، أو من مستوردي ملابس البالة في محافظة بورسعيد.

فمنذ أن تتطأ قدماك داخل السوق، تجد صحن دائري أنشأت بداخله محلات لبيع الملابس المستعملة، والذي يؤجر تلك الصحن إلى مطعم"ملك السمان" المجاور له في مساء كل ليلة، وعندما تخطو داخل الصحن، تجد طرقات ضيقة أقيمت عليها اكشاك خشبية تعرض ملابس البالة والمستعملة التي تم جمعها من المنازل والجمعيات الخيرية، فضلاً عن تفرعات من الشوارع لبيع الأحذية والأثاث المنزلي.

"نحن نعتبر انقسنا احفاد المؤسسين للسوق، ونحافظ على تجارته في بيع الملابس المستعملة"، هكذا بدأ الخمسيني"ناجي أحمد" نجل أحد مؤسسين السوق و صاحب محل بيع ملابس مستعملة ل"الفجر" حكايته عن تاريخ السوق ونشاطه، قائلاً: "انا جدي ووالدي حضروا بداية العمل داخل سوق السوريين أو العطارين، فهو منذ زمن بعيد، وعمره أكثر من 100سنة، والذين أنشأوا سوق العطارين كانوا مصريين وجماعة شوام، ولهم محل حتى الآن يسمى ملك السمان، ويعود تاريخه إلى بدايتهم داخل السوق، ونحن نعتبر سوق العطارين الفرع الأخر لسوق الجمعة الشهير بالمحافظة، لكن الآن لا يوجد أي احفاد للجماعة الشوام، ولكننا نعتبر انفسنا احفاد المؤسسين للسوق، وقد كان الشكل الدائري للمنطقة هو من صنع السوق".

وأكمل"ناجي": "السوق هنا قديماً كان نشاطه نفس ما نقوم به حالياً، بيع الملابس المستعملة، ويشتهر السوق بدخول اي شخص معه 20جنيه، يخرج معه بدلة وقميص وجزمة، ويطلع –ماكس- كما يقال، فهو سوق الناس الفقيرة والغلابة، وكنا نجلب الملابس البالة من بورسعيد، لكن حالياً نعتمد على بائعي السكسونيا، الذين يلفون بالبلاستيك ويقومون بنظام البدل مع الأسر، ملابس قديمة مقابل بلاستيك، ويقوموا ببيع الملابس لنا داخل السوق".

وأشار: "نحن نأخذ الملابس هنا نعدلها، أما بالغسيل او الخياطة او تركيب أزرة أو مكواة، ويتم عرضها، ونبيع أيضاً ملابس الشركات الخاصة بالأمن الصناعي، والجزم القديمة، ونحدد الاسعار وفق قيمتها، فهناك قميص من 5إلى 20جنيه، وهناك قميص بالة 30جنيه، وهناك بدلة كاملة 50جنيه، وهناك زبائن تأتي إلى السوق، ولكن النشاط قل، بسبب أوضاع البلد، واغلب زبائن السوق من أهالي المحافظة، والأغلبية غرباء عن منطقة العطارين"، لافتاً: "انا بعتبر أن السوق هنا يمثل مصر، فحركة السوق تعبر عن حال البلد، فإذا كان السوق شغال، فبعرف أن احوال البلد جيدة، ولكن لو السوق متوقف ولا يوجد زبائن، يدل على الركود، فأي نشاط بيتأثر بالوضع العام".

وأوضح "محمد عزوز" أحد أصحاب محلات سوق العطارين لـ "الفجر": أن سوق العطارين يعود تاريخه إلى أكثر من 90 عامًا، ومساحته كلها مخصصة لمحلات بيع الملابس المستعملة والبالة واللبس الصناعي للشركات والأحذية، وجميع المستلزمات المتعلقة بالملابس، وهناك نحو 15محل داخل السوق، والسوق مرتبط بتاريخ المنطقة، وقد كان الأهالي قديماً يطلقون عليه بياصة الشوام أو السوريين، لكن مؤخراً يلقب باسم المنطقة العطارين".

وأضاف: "قديماً كان الشوام واليونايين كانوا يقطنون في المنطقة، وقد حمل السوق اسمائهم، والمحلات هنا قديمة جداً ومتوارثة من جيل إلى جيل، ولكن الاقبال داخل السوق هنا قل بنسبة كبيرة، لأن هناك محلات وأسواق كثيرة فتحت في المناطق، واصبحوا يبيعون الملابس البالة، التي كنا نأخذها من بورسعيد، فأصبح هناك منافس في بيع تلك الملابس، وبالتالي كان الزبون يأتي من كل المناطق في المحافظة إلينا، إلا أنه أصبح هناك محلات كثيرة".

وتابع: "على الرغم من ارتفاع الاسعار والدولار، إلا أنه لا يوجد هنا زبائن، على الرغم قديماً كان هناك مشتريين طوال الوقت، فالسوق أصبح منعزل عن الإسكندرية، خصوصاً انه لا يوجد مرافق، وعدم تواجد صرف صحي، ومع سقوط الأمطار، يتم غرق الشارع، غير أن الاسفلت لم يدخل الشارع منذ سنوات"، مضيفاً: "قديماً كان يأتي الزبائن من كل المستويات إلى السوق، وكان يأتي الدكاترة والمهندسين، لأن لبس البالة قيم، وهناك فرق في الاسعار ما بين ما يباع في المحلات ولبس البالة، فممكن بنطلون يباع في المحل 300 جنيه، يباع عندنا 30 جنيهًا، فهناك زبائن بتفهم في لبس البالة وتقدر قيمته، ويأتوا عندنا لشراء ملابس بعلامة تجارية محددة، لكن لبس البالة أصبح مقفول، ونعتمد على الملابس التي يجمعها بائعو السكسونيا، ونحن نأخذها نصلحها ونكويها ونعرضها للزبون".

وقال "رمضان الحجاج" أقدم البائعين بسوق العطارين: إن المنطقة طوال عمرها شهيرة بجمع الملابس المستعملة، حتى أن هناك تجار كانت تأتي من الارياف يشتروا من السوق، ويبيعوا للناس في المحافظات الأخرى، والسوق تتطور لبيع الأحذية والسرائر والأثاث القديم، والسوق بعد أن اشتهر بالسوريين، استولوا عليه الجماعات الصعايدة، وفي قديم السوق كان الانجليز واليونانيين كانوا يبعون مقتنيات قيمة في السوق، قديما كان البنطلون يساوي 50قرش، لكنه وصل إلى 10 جنيهات، وكذلك القميص وصل من 25 إلى 30 جنيهًا، لكن عيب السوق ان الباكيات غير مرخصة، ونحن اكثر من 35سنة لدينا مخالفات طريق، وندفع كل شهر 100 جنيه، ونحن نريد ترخيص ونستريح هنا، ونحن نبيع هنا ولا نعلم موقفنا، وهنا من يرسل فينا شكاوي، ونحن نريد ان نعيش، ونبحث عن أكل عيشنا.

وأشار "ياسر عطا" أثناء قيامه بفرز الملابس التي حصل عليها داخل أشولة من الجمعيات الخيرية: "أنا ابيع هنا قطع ملابس ما بين 3 - 5 - 10 جنيهات، وأبيع على حسب حالة المواطن الذي يأتي للشراء، ونحن نجيب شغل من جمعية رسالة والمنازل، وتلك الكشك الذي أجلس فيه قديم، فالسوق من ايام جدي وابويا وانا اتولدت هنا، ونحن دائماً نراعي أن هناك غلاء، ولا أقوم برفع سعر الملابس المستعملة، مراعاة لأحوال الناس والبلد".