حكاية 4 تماثيل نادرة دفع ثمنها حازم أبو شليب

منوعات

تماثيل الفصول الأربعة
تماثيل الفصول الأربعة في مكتبة الإسكندرية


المحجوب كان يريد إهداءها لسوزان مبارك فأصر وكيل وزارة السياحة الأسبق على الرفض فقلص المحافظ صلاحياته


الأسبوع الماضى نشرت عن سرقة تمثال أثرى يزن ما يزيد على طن من حديقة أنطونيادس الشهيرة بالإسكندرية، وتعجب الكثيرون.. كيف لتمثال بهذا الحجم الضخم أن يخرج من باب الحديقة إلا بمساعدة من الداخل، والحمدلله عاد التمثال بعد جهود مضنية من مديرية أمن الإسكندرية، والحقيقة لولا الشو الإعلامى الذى حدث حول سرقة التمثال لما عاد، فالتمثال تمت سرقته قبل تداول الخبر على المواقع والصحف بأيام.

المهم.. أود بهذا الشأن أن أسرد واقعة عشتها قبل سنوات، وتحديدًا فى بداية حياتى المهنية، القصة أبطالها تماثيل حديقة أنطونيادس ووكيل وزارة السياحة الأسبق، المرحوم اللواء حازم أبوشليب، والذى تولى أيضًا رئاسة هيئة تنشيط السياحة بالإسكندرية، كنا نطلق على هذا الرجل لقب «فارس السياحة»، فهو كبير الشبه بالفنان أحمد مظهر، علاوة على أنه كان ضابطا مثله.

اعتاد «أبو شليب» التجول يوميًا بسيارته على جميع المناطق الأثرية والسياحية بالمحافظة، وذات يوم أثناء مروره عثر اللواء الريفى الذى ينتمى لعائلة من أكبر عائلات مدينة طنطا على أربعة تماثيل من المرمر ملقاة داخل مخزن مهجور ومغطاة بحدائق أنطونيادس، نظر للتماثيل فوجد بها شيئًا غريبًا، تناولها بيده وغسلها، كانت التماثيل ثقيلة وطول الواحد منها يزيد على ثلثى المتر، احتفظ بها داخل مكتبه ووضع عليها حراسة خاصة، وشكل فى ثانى يوم لجنة من أساتذة قسم الآثار بكلية الآداب وبعض الأثريين من أهل الثقة.

وكشف تقرير اللجنة أن التماثيل الأربعة نادرة الوجود، تعود للعصر البطلمى، وتحكى قصة الفصول الأربعة ولا تقدر بثمن، وربما نوى من أخفاها بهذه الطريقة تهريبها للخارج، خصوصًا مع عدم وجود بيانات قبل ذلك فى سجلات قصر وحديقة أنطونيادس عن الأربعة تماثيل، أو ربما توفى من أخفاها قبل زمن بعيد، والدليل على ذلك عدم وجود ذكر لهذه التماثيل ضمن مقتنيات القصر والحديقة، ولكن.. ماذا فعل اللواء؟.. ذلك الرجل الذى كلما تذكرته امتلأت عيناى بالدموع وترحمت على أخلاقه النادرة.

قرر اللواء أبوشليب عدم تسليم التماثيل لوزارة الثقافة، ووضعها تحت مسئوليته الكاملة فى مكتبه، وتعهد على نفسه بأنها فى حوزته لحين تسليمها ليد أمينة، وكلما ذهبت إليه -رحمه الله- فى مكتبه حكى لى قصة هذه التماثيل الأربعة، حتى لو قابلته مرتين أسبوعيًا، وذات يوم.. قلت له هجلس معاك لكن من غير ما تحكى حكاية التماثيل، وسألته: يعنى الواحد يساوى كام؟.. فرد على رده الذى لن أنساه، فقال تاريخ الأمم لا يقدر بالمال يا أستاذة، أنتى لسه عيلة. مرت الأيام وعلم اللواء المحجوب محافظ الإسكندرية الأسبق بأمر التماثيل الأربعة، التى ما زالت حتى ذلك الوقت فى حوزة «أبوشليب» داخل مكتبه، فطلب المحافظ منه أن يسلمه التماثيل فرفض، وقال التماثيل فى حوزتى، ولن أسلمها إلا ليد أمنية، اعتبر «المحجوب» ذلك الرفض إهانة، خاصة فى ظل شعبيته الطاغية التى حظى بها منذ توليه مقاليد حكم عروس البحر المتوسط، علاوة على أن «أبوشليب» كان محسوبًا على رجال المحافظ الأسبق إسماعيل الجوسقى.

وعلى الفور، بدأ «المحجوب» تصفية حساباته مع ذلك الرجل، فقلص صلاحياته داخل هيئة تنشيط السياحة، وكان «شليب» مسئولا عن مهرجان الإسكندرية ومكان إقامته وتأجير المسارح و«البنرات» التى ستوضع فى شوارع المحافظة والشواطئ والكافتيريات والحدائق، يعنى الأشياء الهامة التى عاشتها المدينة فى عصرها الذهبى كانت بتوقيع حازم أبو شليب، أخذ المحجوب كل هذا من الرجل حتى شعر أنه سيموت من الحسرة، ورغم ذلك رفض أن يسلمه التماثيل الأربعة، لأنه علم أنه يريد إهداءها لـ«الهانم» سوزان مبارك، لتزين بها أحد قصور الرئاسة، لكن ماذا حدث؟

ضغط المحجوب بسلطاته على الرجل، حتى هدى الله أبوشليب لفكرة مكتبة الإسكندرية التى كانت آنذاك قيد الإنشاء، فشكل لجنة من المختصين وسلم التماثيل الأربعة التى تشير إلى فصول السنة لرئيس المكتبة محسن زهران، الذى تولى رئاسة مكتبة الإسكندرية قبل إسماعيل سراج الدين، ثم خرج بعد ذلك اللواء أبوشليب من الخدمة بسبب هذه التماثيل التى رفض تسليمها من البداية للمحجوب، ودفع فاتورتها وانزوى عن الحياة العامة حتى رحل فى هدوء ملأ قلوبنا بالحسرة، ولكن التماثيل الأربعة التى حارب أبوشليب للحفاظ عليها تزين الآن المدخل الرئيسى لمكتبة الإسكندرية، محاطة ببعض اللوحات الفنية فى الطابق الأرضى عند المعرض.

وبالصدفة البحتة.. منذ شهرين حكيت للدكتور مصطفى الفقى قصة هذه التماثيل أثناء وجوده بالمكتبة، وكيف دافع عنها ودفع فاتورتها حازم أبوشليب، فيا ذاهبا إلى مكتبة الإسكندرية، إذا سقطت عيناك على هذه التماثيل تذكر رجلا قدم الباقى من خدمته وحياته فى سبيلها عربونا، الحكاية مش حكاية تماثيل أو تمثال اتسرق من أنطونيادس، ياما اتسرق من تلك الحديقة وفى القصر الذى يقع حاليا فى حيازة مكتبة الإسكندرية الذى هو مقر مؤسسة «أناليند»، التى ساهمت وكان الدور الأعظم للمرحومة عفاف توفيق، مدير الإعلام الأسبق بمحافظة الإسكندرية.. إيه دنيا.

وددت أن أذكر هنا قصة التماثيل الأربعة، وهناك تفاصيل أكثر من الصعب أن أسردها فى سطور صحفية، عايشناها ولكن بدون دليل، وبالمناسبة قبل ستة أشهر تقريبًا نشرت قصة الولد الذى نزل فى حفرة مجاورة لمنزلى باحثًا عن الآثار ولم يخرج، وكنا نراه منذ ستة أعوام يحفر، وجاءت المباحث وأخرجت جثته، واكتشفت المباحث أن الأرض مسروقة من سيدة يونانية تركت البلاد منذ سنين، ويا عالم عايشة ولا ميتة، واستولى على الأرض أكثر من لص أراضى، وضرب لها عقودا، المشكلة إن الدولة عارفة إن الأرض فيها آثار، واخدلى بالك، فتم تعيين عسكرى غلبان، لا بيهش ولا بينش لحراستها، وحتى الآن لا شفنا حد استلم الأرض ولا لجنة من وزارة الآثار أكملت البحث عن الآثار، ولسه من يومين شايفة حبل غسيل متعلق فيها، هى دى الحكاية، حكاية بلدنا وآثار ولادنا.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.