في عيد ست الحبايب.. الأمهات "الشقيانة" على الرصيف: "نفسنا في جلابية"

تقارير وحوارات

بائعات على الرصيف
بائعات على الرصيف


يعد الاحتفال بـ"عيد الأم" لدى العالم العربي من المناسبات الخاصة التي ينتظرها جميع الأبناء؛ للتعبير عن حبهم لأمهاتهن وتقديرًا لما قدمن من تضحيات من أجلهم في سبيل رعايتهمم والحفاظ عليهم، ففي هذا اليوم تنتظر جميع الأمهات من أبنائهن الهدايا والمعايدة، إلا أن بعضهن يقبعون على الأرصفة ينتظرون قوت يومهن.

لذا رصدت "الفجر" في عيدهن، حكايات بعض الأمهات اللائي يقبعن على الأرصفة، وكيف استطاعوا أن يتحملوا متاعب الحياة للنهوض بأبنائهم، والوصول بهم إلى بر الأمان، والحديث عن أمنياتهن في هذا اليوم.

وظهر الاحتفال بعيد الأم في أوائل القرن العشرين، وذلك برغبة من المفكرين الغربيين والأوروبيين بعد أن وجودوا أبناء مجتمعهم يهملون أمهاتهم ولا يكرمونهن ولا يبرونهن، فأرادوا أن يجعلوا يومًا في السنة ليذكروا الأبناء بأمهاتهم، ولكن يختلف تاريخ الاحتفال به من دولة إلى أخرى، فالعالم العربي يحتفل به تزامنا مع بعيد اليوم، أما الولايات المتحدة فتحتفل به في الأحد الثاني من شهر مايو.


نعمة: "ببيع جبنه علشان أجيب دوا لجوزي وعيالي تاكل"

تخرج من منزلها بمدينة الفيوم مع طلوع الشمس لتصل للقاهرة مبكرًا، حاملة بضاعتها على رأسها تندثر وسط الزحام وصولاً إلى أحد الأرصفة بمنطقة "التحرير" بوسط البلد، فتقبع عليها مفترشة بضاعتها أمامها من الفطير، الجبن القريش، وبعض الخبز الفلاحي، والتي تحضر لها من منتصف الليل، حيث تعجن الفطير والخبز لتسرع مبكرًا في رحلتها اليومية، من أجل سد رمق أسرتها، لاسيما وأن زوجها مريض ولا يستطيع العمل.

تروي نعمة حنفي، ذي الخمسون عامًا من عمرها، أنها تعمل منذ 30 عامًا عقب مرض زوجها بالغسيل الكلوي بعد زواجهم مباشرة، حيث لا تجد سوى خروجها لشارع وبيع بعض الآكلات التي تستطيع تصنيعها، مشيرة إلى أن استطاعت من عملها هذا أن تربي أبنائها الخمسة، حيث ساعدت ابنها الأكبر في زواجه، وزوجة بنتان ولديها بنتان آخرين لازالو يتعلمن، فواحدة في الصف الثالث الثانوي، والأخرى في الصف الثالث في كلية التجارة جامعة الفيوم:" أنا صرفت على ولادي من الفطير والجبنة القريش.. علمتهم أحسن تعليم حتى وجوزت 3 وأهو بشد حيلي مع الصغيرين ومعاهم للنهاية"، مضيفة أن الفضل يعود إلى "الجبنة والفطير".

"كل ما أقول هانت بتصعب أكتر.. وأهو مكملة وبقول يا رب".. بهذه الكلمات عبرت" حنفي" عن شكواها من ارتفاع الأسعار التي أدت إلى وقف حالها، خاصة ارتفاع سعر الزيوت والسمن، معلقة: " الاسعار ارتفعت والاقبال أصبح بسيط.. الناس بتستغلى سعر الفطير والجبنة وعلشان احنا في الشارع مش في محل الناس بتمشي وتستخسر تشتري مننا.. ومش حاسين اننا بنتمنى نخلص بضاعتنا ونجري نأكل ولادنا.. ولا حتى أوفر ثمن الدوا لجوزي".


الحاجة فاطمة:  25سنة على الرصيف كان نفسي يجيلي جلابية

وبوجه تملؤه الابتسامة ممزوجة بالأمل، تقبع الحاجة " فاطمة"، ذي الستة وخمسون عامًا، في ركن صغير على أحد الأرصفة بمنطقة وسط البلد، تحت مظلة تحتمي فيها منن لهيب الشمس، وأمامها مجموعة من الحلويات ومستلزمات الأطفال، وغلاية مياه لعمل الشاي، تنظر بعيون آمله المارة للتطلع لبضاعتها على آملا شرائها، ملقاة كل همومها خلفها فتعيش لحظتها حتى تستطيع استكمال يومها، وتظل جالسة من الساعة الثامنة صبحًا حتى العاشرة مساءً، تاركة رزقها على الله سبحانه وتعالى، واثقة من أنه لن يتركها.

وتترجى  الحاجة فاطمة بصوت حزين، الحكومة  أن "البلدية" تتركها في حالها: "كل فترة تيجي البلدية تلم البضاعة وتاخدها، ولا حاسين بينا ولا بعالي الستة اللي بصرف عليهم بعد تعب جوزي، فجوزت 3 من عيالي والباقين لسه مش قادرة اجوزهم خاصة وكلهم بنات والحاجة بقيت غالية والايد قصيرة.. وأنا صحتي على أدي خاصة وأني بقعد أوقات كتيرة جنب الفرشة".

وعن أمنيتها في عيد الأم تقول:"25 سنة على الرصيف كان نفسي يجيلي جلابية بس أنا مقدرة ظروف ولادي.. والحمدلله أن الواحد في صحة يقدر يشتغل ويجيب قرش".


سعاد: عاوزة تربة أدفن فيها

بينما في منطقة عباس العقاد احد أكثر الشوارع رواجًا تجاريًا بالقاهرة، وبين خطوات المارة اتخذت السيدة العجوز ركن تبيع فيه "المناديل الورقية" لتكن لقطة منسية في حياة من يقابلها، فخلف نظارتها المهلكة ترغرغت أعين الحاجة "سعاد" وهي تتحدث عن ابنتها التي توفت هي وزوجها من أعوام لتربي احفادها البنات ،فالأولى تمت عشر سنوات و الصغرى في السادسة من عمرها  اما عن ابنتها الاخرى فهي متزوجة ومقيمة بالإسكندرية مع زوجها فكما وصفت الحاجة سعاد انها لها حياتها الخاصة بها، أم عن رفيقها في الحياة زوجها فقد توفي لتربي بناتها الأيتام ثم احفادها الايتام ايضا.

أما عن امنياتها فتقول "سعاد" بخنقة : "عايزه تربة.. كفاية كده "هكذا تفوهت بائعة المناديل التي تخطت العقد الثامن من عمرها "، ولذلك تجلس الحاجة سعاد تنتظر رزقها دون العون من أحد فهو مفروش من المناديل تسعى من خلاله عن الستر و تربة تكون نعم المأوى.


أم عرفة: نفسي ابني المريض يطيب ودي أحسن هدية

أم عرفة.. اتخذت من الرصيف مقعدًا، فهي تعمل بائعة "خضروات" منذ أربع سنوات، حيث تأتي من كفر المنصور بمركز أشمون بالمنوفية، إلى القاهرة ليكون الرضيف صديقها في رحلتها الشاقة.

فهي أمً لسبع أبناء، استطاعت أن تزوج بناتها الثلاث وآخر من الرجال بينما ما يحزن قلبها ابنها محمد ذو الـ 18 عامًا الذي أصيب بحادث يعرضه بين حين والآخر لفقدان الذاكره تجاه أمور وامور، حيث أنفقت الحاجة "أم عرفة" كل ما لديها وتعب سنوات عمرها واقتراض من الأخرون حوالي مائة آلف جنيه، ولم يشفى حتى الأن.